Logo

القصف يشتد وأبواب المفاوضات تُغلق.. غزة تواجه "العزلة"

الرأي الثالث - وكالات

تشهد مدينة غزة تصعيداً عسكرياً إسرائيلياً غير مسبوق عقب إصدار جيش الاحتلال أوامر بإخلاء المدينة بالكامل وتدميره عشرات الأبراج السكنية، في خطوة تعكس انسداد أفق المفاوضات وتعثر جهود التهدئة.

ورغم الوساطات الدولية، لا سيما من قطر ومصر والولايات المتحدة، فإن دولة الاحتلال تواصل تعنتها وترفض أي حلول للوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار، بل ذهبت لتنفيذ محاولة اغتيال وفد "حماس" المفاوض في الدوحة خلال مناقشته المقترح الأمريكي لوقف الحرب.

وأكد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مساء الثلاثاء 9 سبتمبر، أن المفاوضات حول وقف إطلاق النار في غزة كانت تجري على قدم وساق بطلب من الجانب الأمريكي،

 وأن الدوحة "لم تدخر جهداً لإنجاح المفاوضات، لكن لم يعد هناك شيء قائم بعد هجوم اليوم".

كما سبق أن أبدت حركة "حماس" استعدادها لجولة مفاوضات حقيقية لوقف إطلاق النار مع تقديم تنازلات، من ذلك تسليم إدارة غزة لأي جهة فلسطينية، إلا أن رفض "إسرائيل" عثر ذلك.
 
سيناريوهات المرحلة المقبلة

صحيفة "هآرتس" العبرية كشفت عن أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يدعم استئناف المفاوضات لاستعادة الأسرى قبل الشروع في احتلال مدينة غزة، محذراً من أن تدمير المدينة سيستغرق عاماً على الأقل.

كما حذر رئيس الأركان الإسرائيلي إيال دامير من خطر كبير على حياة الأسرى الإسرائيليين إذا احتلت غزة، لكنه أكد في الوقت نفسه أن "احتلالها ممكن".
 
الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم أكد أن مدينة غزة تحاول النجاة من "غول الحرب"، حيث يطغى القتل والتدمير في كل مكان، وسط حصار من الشرق والشمال والجنوب وانفجارات لا تتوقف.

وأضاف :

- "إسرائيل" تتعامل مع مدينة غزة باعتبارها درة التاج في معركتها، وتمارس ضدها حرباً شعواء تستنزف البشر والحجر، وتضيق على الناس حتى في فسحاتهم الضيقة.

- الناس يتكدسون في وسط المدينة وغربها، محاولين الاحتماء بالبحر الذي قد يشكل ملاذاً أو مهرباً من لهيب السماء والبر، لكن من دون مغيث.

- تواصل دولة الاحتلال غطرستها ناشرةً الموت بطائراتها فائقة التكنولوجيا وصواريخها ودباباتها، مكررة ما فعلته منذ عامين عبر تقليص المساحات، وتدمير البنى التحتية، ومحو أي ملامح للحياة.

- غزة تصارع للبقاء في وقت تزيد فيه السياسة من معاناتها، حيث ترفض حكومة الاحتلال أي تسوية أو صفقة تبادل أسرى لا تحقق شروطها.

- حكومة بنيامين نتنياهو تصر على حرب إبادة ومعركة استنزاف طويلة، مستخدمة شهية القتل للتغطية على إخفاقاتها الداخلية وتناقضاتها.

- الناس يحاولون قهر خوفهم وهواجسهم، حيث يتجه بعضهم جنوباً، فيما يتمسك آخرون بما تبقى من حيز سكاني في الوسط والجنوب.

- لكن المكان يضيق تحت وطأة الطمع وارتفاع الإيجارات والأسعار، بينما يبتلع الجشع السياسي والعسكري ما تبقى من أمل.

- غزة ليست فقط ساحة حرب، بل هي انعكاس لأزمة سياسية عميقة، إذ ترفض "إسرائيل" الاعتراف بفشل القوة وحدها، فيما ترفض "حماس" المرونة في حساباتها، أما المجتمع الدولي فيتآمر بالصمت والتغطية، بينما يبقى المدنيون وحدهم في قلب الجحيم.
 
تدمير ممنهج

وخلال الأيام الماضية قامت "إسرائيل" بعملية تدمير ممنهجة لأبراج مدينة غزة، حيث دمرت طائرات الاحتلال بالصواريخ "برج السلام" في "شارع عمر المختار"، بعد وقت قصير من إنذاره الفلسطينيين بإخلائه، 

رغم أن محيطه يحوي عشرات الخيام والمخيمات الكبيرة التي تؤوي مئات النازحين.

كما دمر الجيش الإسرائيلي "برج الرؤيا"، وهو مبنى متعدد الطوابق يسكنه مئات الفلسطينيين غربي مدينة غزة، وذلك بعد وقت قصير من إنذاره سكانه والنازحين في محيطه بالإخلاء.

وتوعد وزير الدفاع يسرائيل كاتس (الاثنين 8 سبتمبر) بشن ما وصفه بـ"إعصار مدوٍّ" على غزة، مؤكداً أن "على حركة حماس إطلاق سراح الأسرى وإلقاء السلاح أو مواجهة تدمير كامل للقطاع"، 

ولفت إلى أن "الجيش يواصل تكثيف عملياته البرية والجوية في عمق المدينة".

رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي، أوضح أن الاحتلال الإسرائيلي صعد خلال الأيام الثلاثة الماضية من جرائمه بحق الأبراج السكنية، حيث دمر خمسة أبراج تضم 209 شقق كانت ملاذاً لآلاف العائلات، 

إضافة إلى تدمير 350 خيمة للنازحين، ما أدى إلى نزوح وتشريد أكثر من 7,600 مواطن، بينهم كبار سن وأطفال ونساء حوامل، وتركهم في العراء بلا مأوى أو غذاء أو ماء، في مشاهد تهدف إلى قتل المدنيين وترويعهم وإجبارهم على النزوح القسري من مدينة غزة التي يواصل الاحتلال إحكام الطوق عليها وتدمير ما تبقى من منازلها ومعالمها الأثرية والتاريخية ومنشآتها المدنية.
 
وأكد عبد العاطي أن قوات الاحتلال تواصل استهداف المدنيين المتجمعين أمام مراكز توزيع المساعدات الإنسانية الأمريكية والإسرائيلية، إلى جانب استمرار منع وعرقلة إدخال الغذاء والماء والدواء، الأمر الذي أدى إلى تفشي المجاعة وانعدام الأمن الغذائي لدى أكثر من 80% من سكان القطاع، في ظل انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية.

وقال عبد العاطي: إن "الاحتلال يستخدم سياسة التجويع كسلاح حرب ممنهج في إطار جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان".

وأوضح أن قوات الاحتلال تتعمد عرقلة وصول طواقم الإسعاف والإنقاذ إلى المدنيين المحاصرين تحت الأنقاض، حيث وثقت الهيئة 10 نداءات استغاثة رسمية عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، خلال أغسطس، دون أي استجابة، 

مؤكداً أن "هذا السلوك يكشف عن سياسة منظمة تهدف إلى منع إنقاذ الضحايا وتركهم للموت".

وبيّن أن "التهجير القسري بات سياسة معلنة يتفاخر بها قادة الاحتلال، وعلى رأسهم مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، الذي يهدد المدنيين علناً بترك منازلهم وإلا تعرضوا للقصف"، 

مؤكداً أن ذلك "يعكس النوايا الإسرائيلية المبيتة لمواصلة جريمة التهجير القسري لسكان غزة وفرض واقع ديموغرافي جديد".