خريطة الرباعية لإنهاء حرب السودان... موازنة دقيقة بين مصالح متباينة
الرأي الثالث - وكالات
في محاولة إضافية لإنهاء حرب السودان المشتعلة منذ أكثر من 28 شهراً، طرحت اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، أول من أمس الجمعة، خريطة طريق جديدة لتسوية الأزمة في السودان،
ودعت إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تعقبها عملية انتقالية شاملة في البلاد تُختتم خلال تسعة أشهر. كما شددت على أنه لا يوجد حل عسكري قابل للتطبيق للصراع، محذرة من أن الوضع الراهن يخلق معاناة غير مقبولة ومخاطر على السلام والأمن.
وبينما رحبت بعض القوى السياسية السودانية بخريطة اللجنة الرباعية لإنهاء حرب السودان، أعربت وزارة الخارجية في الحكومة السودانية، أمس السبت، عن تحفظها على مضمون الخريطة من دون ذكر اللجنة الرباعية،
إذ أعلنت عن ترحيب السودان بأي جهد إقليمي أو دولي يساعده في إنهاء الحرب ووقف هجمات ما سمتها "مليشيا آل دقلو الإرهابية" في إشارة إلى "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) على المدن والبنية التحتية ورفع الحصار عن المدن وتفكيكها،
بحيث لا يتكرر ما اُرتكب من مآسٍ وجرائم في حق شعب السودان مرة أخرى.
وأضافت الوزارة، في بيان، من دون ذكر اللجنة الرباعية، أنّ الحكومة السودانية "لا تقبل أي تدخلات دولية أو إقليمية لا تحترم سيادة الدولة السودانية ومؤسساتها الشرعية المسنودة من الشعب السوداني، وحقها في الدفاع عن شعبها وأرضها،
كما أنها ترفض أي محاولة للمساواة بينها وبين مليشيا إرهابية عنصرية تستعين بمرتزقة أجانب من مختلف بقاع الأرض لتدمير الهوية السودانية وطمسها".
وأكدت الوزارة أن "انخراط الحكومة مع أي طرف كان في الشأن السوداني يعتمد وبشكل واضح على احترام سيادته الوطنية وشرعية مؤسساته القومية مبدأً وواقعاً".
وأشارت إلى أن الحكومة "تؤكد رغبتها في تحقيق السلام والأمن والاستقرار وحقن دماء الشعب السوداني والمحافظة على مقدراته،
وتأسف لعجز المجتمع الدولي عن إلزام المليشيا الإرهابية بتنفيذ قرارات مجلس الأمن (2736) و(1591)، ورفع الحصار على مدينة الفاشر وتخفيف معاناة مواطنيها من شيوخ ونساء وأطفال والسماح بمرور قوافل الإغاثة".
ولفتت الوزارة إلى أن "تحقيق السلام في السودان هو مسؤولية حصرية لشعب السودان ومؤسسات الدولة القائمة وأن شعب السودان هو الوحيد الذي يحدد كيف يُحكم من خلال التوافق الوطني"،
مشددة على أن "الانخراط في القضايا الداخلية هو حق سيادي تمنحه حكومة السودان وفقاً للمصالح العليا للشعب السوداني دون وصاية من أي جهة أو تحالف".
في المقابل، وتعليقاً على بيان الرباعية، قالت الحكومة الموازية التي تقودها مليشيا الدعم السريع في بيان أمس السبت، إنها "ترحب ببيان وزراء خارجية الآلية الرباعية وتؤكد موقفها الثابت وترحيبها الكامل بالجهود المبذولة لإنهاء الحرب في السودان عبر عملية سلمية شاملة تقود إلى وقف الحرب وبناء الدولة ومؤسساتها،
وذلك من خلال معالجة جذور الأزمة التاريخية التي قادت إلى تكرار الحروب في البلاد".
وأعلنت "استعدادها للتعاون مع جميع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى من أجل إيصال المساعدات"، مضيفة أنها "ترحب أيضاً بما جاء في البيان بشأن الإسلاميين والجماعات الإرهابية من حزب المؤتمر الوطني وكتائب البراء وواجهاتهم".
وتابعت: "نؤكد أنه لا سلام في السودان ولا استقرار في المنطقة إلا بعزل هذه المنظومة الإرهابية المتطرفة التي أشعلت الحرب وحوّلت السودان إلى ساحة للأنشطة الإرهابية".
ويشهد السودان منذ 15 إبريل/ نيسان 2023 صراعاً عسكرياً بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، ومليشيا "الدعم السريع" التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي). ويخضع كلاهما لعقوبات فرضتها الولايات المتحدة في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وخلّفت الحرب دماراً هائلاً في المدن والقرى والبنية التحتية للبلاد، وأسقطت آلاف القتلى والجرحى وأسفرت عن ملايين النازحين، وفق بيانات الأمم المتحدة.
محاولة لإيجاد تسوية للصراع
وفي إطار محاولات إيجاد تسوية للصراع في السودان، وبناءً على دعوة من أميركا، أجرى وزراء خارجية كل من السعودية فيصل بن فرحان، ومصر بدر عبد العاطي، والإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان، والولايات المتحدة ماركو روبيو، مشاورات مكثفة بشأن الصراع في السودان،
ودعوا إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، لتمكين وصول المساعدات الإنسانية على وجه السرعة، على أن يتبعها وقف دائم لإطلاق النار.
كما دعوا إلى إطلاق عملية انتقالية شاملة في السودان تُختتم خلال تسعة أشهر، مؤكدين أن مستقبل الحكم في البلاد يقرره الشعب السوداني وحده، بعيداً عن هيمنة أي من الأطراف المتحاربة.
وأكدت الدول الأربع، في بيان مشترك الجمعة الماضي، أن سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه ضرورية للسلام والاستقرار، وأنه لا يوجد حل عسكري قابل للتطبيق للصراع، والوضع الراهن يخلق معاناة غير مقبولة ومخاطر على السلام والأمن.
وحثت جميع الأطراف في حرب السودان على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية بسرعة وأمان ودون عوائق إلى جميع أنحاء البلاد وعبر جميع الطرق اللازمة، وحماية المدنيين وفقاً للقانون الإنساني الدولي والتزاماتهم بموجب إعلان جدة في مايو/ أيار 2023، والامتناع عن الهجمات الجوية والبرية العشوائية على البنية التحتية المدنية.
مستقبل الحكم متروك للشعب
وشددت اللجنة الرباعية على أن مستقبل الحكم متروك للشعب السوداني ليقرره من خلال عملية انتقالية شاملة وشفافة، لا تخضع لسيطرة أي طرف من الأطراف المتحاربة. وحذرت، في بيانها، من أن الدعم العسكري الخارجي لأطراف النزاع في حرب السودان يسهم في تكثيف النزاع وإطالته، ويساهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي،
و"عليه، يُعدّ وقف الدعم العسكري الخارجي أمراً أساسياً لإنهاء النزاع". وأكدت الدول الأربع التزامها باستعادة السلام وإنهاء معاناة الشعب السوداني، واستعدادهم للتعاون مع الدول والمؤسسات الأفريقية والعربية، والأمم المتحدة، والشركاء الدوليين لتحقيق هذه الغايات.
وحسب البيان فقد اتفق الوزراء على متابعة تنفيذ هذه الجداول الزمنية عن كثب، وأكدوا "استعدادهم لبذل مساعيهم الحميدة، والقيام بكافة الجهود اللازمة لضمان التنفيذ الكامل من قبل الأطراف، بما في ذلك عقد اجتماعات اخرى لبحث الخطوات المقبلة".
وعبّر الوزراء، في إطار مشاركتهم في دعم التوصل إلى حل سلمي في السودان، عن الالتزام ببذل كافة الجهود لدعم التوصل إلى تسوية تفاوضية للنزاع بمشاركة فعالة من جانب القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع،
وتهيئة الظروف التي تضمن أمن منطقة البحر الأحمر على نطاق أوسع، وعدم منح المجال للأطراف الإقليمية والمحلية المزعزعة للاستقرار الساعية للاستفادة من استمرار النزاع في السودان.
وأكد البيان أنه تحقيقاً لهذه الغاية، أعرب الوزراء عن دعمهم للجهود التي تبذلها السعودية والولايات المتحدة من خلال عملية جدة لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار في السودان، وكذلك للجهود التي تبذلها مصر فيما يتعلق بملتقى القوى المدنية والسياسية السودانية الذي عُقدت جولته الأولى في القاهرة خلال يوليو/تموز 2024.
واتفق الوزراء على مواصلة مشاوراتهم في هذا الصدد خلال الاجتماع الرباعي الوزاري في سبتمبر/ أيلول الحالي. وأشارت وكالة فرانس برس أمس السبت إلى أنه يبدو أن الإعلان صدر بدلاً من اجتماع لوزراء خارجية الدول الأربع كان مقرراً في الأصل في يوليو/تموز الماضي، لكنه تأجل بسبب خلافات بين مصر والإمارات.
وقالت مصادر دبلوماسية للوكالة إن القاهرة عارضت في البداية صياغة أولى تستبعد الجيش وقوات الدعم السريع من المرحلة الانتقالية.
وتزامن بيان اللجنة الرباعية مع قرار لوزارة الخزانة الأميركية الجمعة الماضي بفرض عقوبات على "كتيبة البراء بن مالك" الإسلامية التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، ووزير المالية السوداني جبريلإإبراهيم.
وقالت وزارة الخزانة، في بيانها، إن العقوبات تهدف إلى "الحدّ من نفوذ المجموعات المتطرفة داخل السودان، وكبح أنشطة إيران الإقليمية التي ساهمت في زعزعة استقرار المنطقة، وفي النزاعات وفي معاناة المدنيين"،
مؤكدة "التزام الولايات المتحدة بالعمل مع شركائها الإقليميين لتحقيق السلام والاستقرار في السودان، وضمان ألّا يصبح ملاذاً آمناً لمن يهددون الأميركيين والمصالح الوطنية للولايات المتحدة".
قوى تدعو لوقف حرب السودان
لاقى بيان الدول الأربع ترحيباً من القوى السياسية السودانية الداعية لإنهاء حرب السودان إذ أعلن التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود"، الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، عن ترحيبه ببيان الرباعية،
مضيفاً أنه طرح خطة عمل واضحة لإنهاء النزاع في السودان، داعياً أطراف النزاع للالتزام بها بصورة فورية.
وقال التحالف، في بيان أول من أمس الجمعة: "إننا إذ نشيد بهذا الموقف القوي لدول الرباعية، فإننا ندعو أطراف الصراع والأسرة الإقليمية والدولية للتنسيق المحكم لضمان تنفيذ هذه الرؤية،
بما يقود لإنهاء المعاناة التي يعيشها الشعب السوداني، والوصول لسلام دائم وعادل يجعل من حرب السودان الإجرامية آخر حروب البلاد، ويقود لأمن واستقرار البلاد ومحيطها الإقليمي والدولي".
كما أصدر التحالف الديمقراطي للمحامين السودانيين بياناً اعتبر فيه أن بيان الدول الأربع خطوة مهمة نحو إنهاء النزاع وحماية المدنيين من المعاناة الإنسانية الجسيمة التي يشهدها الشعب السوداني منذ اندلاع الحرب.
وأضاف أن هذا البيان يمثل إشارة إيجابية على التزام المجتمع الدولي بالعمل على وقف حرب السودان وتهيئة الظروف الملائمة للحوار السياسي الشامل،
ويؤكد أن الحلول العسكرية لم تعد مجدية وأن المسار السياسي هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار الدائم.