مؤتمر الأمن البحري.. شراكة دولية في الرياض لتعزيز استقرار البحر الأحمر
احتضنت العاصمة السعودية الرياض، يوم (16 سبتمبر)، مؤتمر الأمن البحري في اليمن، بمشاركة 40 دولة ومنظمة دولية، وبرعاية مشتركة من المملكة وبريطانيا.
المؤتمر هدف إلى تعزيز أمن البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب، وتعزيز قدرات خفر السواحل التابعة للحكومة اليمنية، لتمكينها من القيام بمهام حماية الملاحة والتصدي للتهديدات التي تواجه سلاسل التوريد في هذا الممر المائي الحيوي.
هذا المؤتمر الذي رعته الرياض ولندن، جاء في أعقاب حرب بحرية هي الأولى من نوعها منذ عقود، وهي الأخطر على خطوط الملاحة الدولية، بين جماعة الحوثي وتحالف دولي، إذ فرضت الجماعة، ولا تزال، حصاراً بحرياً على السفن الذاهبة والقادمة من وإلى "إسرائيل".
توقيت انعقاد المؤتمر، ومخرجاته، لها علاقة بالمخاطر الجيوأمنية التي تعيشها المنطقة، في ظل إصرار جماعة الحوثي على منع مرور السفن الإسرائيلية، أو تلك الداعمة لها، كما أنه يأتي نتاج جهد سعودي ورغبة يمنية في تولي زمام المبادرة لحماية خطوط الملاحة قبالة اليمن.
رعاية سعودية
لعبت المملكة دوراً بارزاً لتعزيز الشراكة الدولية، بهدف دعم قدرات الحكومة اليمنية وقوات خفر السواحل، خلال مؤتمر الأمن البحري في اليمن، وهي التي تشترك معه بحدود بحرية،
فيما كانت آخر عمليتين بحريتين نفذتهما جماعة الحوثي قبالة سواحل المملكة مطلع سبتمبر الجاري.
وأعلنت الرياض خلال المؤتمر عن تقديم أربعة ملايين دولار دعماً مباشراً، إلى جانب برامج تدريب وتأهيل واستشارات مؤسسية، فيما أكدت لندن التزامها الكامل بمساندة الحكومة اليمنية وخفر السواحل، من خلال إشرافها على الأمانة العامة للشراكة الدولية وضمان استدامة الموارد الموجهة لهذه المهمة.
وقال السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، إن هذا المؤتمر يعكس الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر ولممرات الملاحة التجارية الدولية، ويؤكد حرص المجتمع الدولي على حمايتها.
ولفت إلى أن هذا الاجتماع المشترك (المؤتمر) عقد مع بريطانيا "في إطار شراكة ستضطلع بالكثير من المهام لدعم خفر السواحل اليمنية، كجزء من دعم المملكة لليمن وحكومته"، مثمناً ما حققته قوات خفر السواحل اليمنية خلال السنوات الماضية.
وجرى خلال المؤتمر "تدشين الأمانة العامة للشراكة الدولية لأمن الملاحة البحرية في اليمن، وهي مبادرة دولية جديدة تهدف إلى تعزيز أمن الملاحة في المياه اليمنية ومكافحة التهريب والقرصنة والاتجار بالبشر"، وفق آل جابر.
ارتياح يمني
الحكومة اليمنية أبدت ارتياحها لانعقاد المؤتمر، ومخرجاته، باعتباره يلبي مطالبها السابقة بضرورة تعزيز قدرات قواتها للقيام بمهمة حماية الملاحة البحرية، والتصدي لهجمات الحوثيين البحرية التي أضرت بالملاحة الدولية.
وأشاد رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، بالدور الفاعل الذي قامت به السعودية وبريطانيا لرعاية مؤتمر الأمن البحري في اليمن،
مشيراً إلى أنه "يمثل تدشيناً لشراكة نوعية تعزز أمن ممراتنا المائية، وتجديداً لالتزامنا القوي بمكافحة الإرهاب والتهديدات العابرة للحدود، وحماية مصالح شعبنا وأمنه القومي".
بدوره قال وزير الخارجية ، شائع الزنداني، لصحيفة "الشرق الأوسط"، إن المؤتمر يمثل بداية طيبة من خلال التعهدات وحجم التمثيل والحضور، مشيراً إلى أن ذلك يبعث التفاؤل بوجود دعم كافٍ للشراكة في الأمن البحري بالنسبة لليمن.
نثمّن الدور الفاعل للمملكة العربية السعودية، والمملكة المتحدة، في رعاية مؤتمر الأمن البحري في الجمهورية اليمنية.
ووصف هذه الشراكة بأنها "ستعزز قدرات خفر السواحل، التي تحتاج إلى إمكانات وخبرات، ويمكن أن تلعب دوراً محورياً في حماية السواحل اليمنية ومكافحة تهريب السلاح أو الاتجار بالبشر أو المخدرات".
وقال رئيس مصلحة خفر السواحل اليمنية، اللواء خالد القملي، إن اليمن يمتلك موقعاً استراتيجياً فريداً عند مضيق باب المندب على امتداد نحو 2500 كيلومتر من السواحل، تمر بها ملايين الأطنان من البضائع والمساعدات الإنسانية الحيوية.
وتابع: "هذا الموقع يمنحنا دوراً محورياً ليس فقط في حماية سيادة اليمن، بل أيضاً الإسهام لتأمين هذا الممر البحري الحيوي، للتجارة العالمية، ومن هنا، فإن دعم خفر السواحل اليمنية هو استثمار مباشر في استقرار المنطقة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، ومكافحة التهريب والجريمة المنظمة".
ولفت إلى أن شراكة الأمن البحري اليمني تكتسب أهمية خاصة، مشيراً إلى أن "آلية حوكمة فعالة وشفافة نرحب من خلالها بدعم جميع الشركاء، بما يعزز المساءلة ويرسخ الثقة، حتى في ظل ظروف بلادنا الاستثنائية".
حضور بريطاني
الحضور البريطاني يعكس إدراكاً استراتيجياً لأهمية الاعتماد على القدرات اليمنية لتقليل تكاليف الانخراط العسكري المباشر، مع بقاء الدعم الفني والاستخباراتي الغربي حاضراً.
وقالت السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، إن بلادها ملتزمة بدعم خفر السواحل والحكومة اليمنية، مشيرة إلى أن التعهدات السخية التي شهدناها اليوم تعكس حجم الدعم الدولي لليمن.
ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور علي الذهب، أن المؤتمر لم يكن وليد اللحظة، بل كان نتاج جهد بذله رئيس مصلحة خفر السواحل اليمني اللواء خالد القملي، بعد أشهر من التحضير.
وأشار الذهب ، إلى أن المؤتمر تزامن مع متغيرات داخلية في اليمن وإقليمية ودولية، لافتاً إلى أن ذلك كان من قبيل "المصادفة"،
لكنه لفت أيضاً إلى أنه "يعكس هواجس كثيرة، أو مزاجاً أمنياً مضطرباً على مستوى الإقليم وعلى مستوى العالم الذي لديه مصالح داخل الإقليم".
وأضاف أن المؤتمر يعكس أيضاً "تطلعات الجانب اليمني (طرف الحكومة الشرعية) بأن يكون هناك خفر سواحل قادر على بسط نفوذه وتحقيق ولايته في المياه الإقليمية لليمن".
وعن دور بريطانيا في هذا المؤتمر، قال الذهب إن لندن "حاملة القلم في ملف اليمن لدى مجلس الأمن، وهي التي تصوغ القرارات والتصورات في القضايا المختلفة، ومن بينها الجانب الأمني".
واستطرد قائلاً: "دور بريطانيا هو رعاية المصالح الأوروبية في المنطقة، خصوصاً اليمن، وقد استطاعت أن تحشد العديد من الأطراف الدولية المنخرطة في الأزمة اليمنية، أو التي تمس مصالحها بما يجري في اليمن، منها كوريا الجنوبية، التي هي رئيسة لجنة العقوبات المعنية باليمن، وكذلك الصين، واليابان، والاتحاد الأوروبي، وفرنسا، وهولندا، ودول مجلس التعاون الخليجي".
وأوضح الذهب أن بريطانيا تسعى أيضاً إلى تعزيز مصالحها ومصالح حلفائها، من خلال تخفيف الأعباء الدفاعية والأمنية عليها وعلى المنخرطين معها في عمليات مواجهة جماعة الحوثي، سواء "أسبيدس" أو "تحالف الازدهار"، وذلك من خلال اتخاذ تدابير أمنية لتعزيز قدرات خفر السواحل وتعزيز التدريب وإنفاذ القانون، وهذا ما نص عليه البيان الصادر في ختام المؤتمر.
منع تهريب السلاح
وأشار الخبير العسكري الذهب إلى أن لندن "لديها مصالح، وتحاول بشكل أو بآخر تعزيز الأمن البحري بقدرات يمنية، في إطار الولاية القضائية لخفر السواحل اليمني. والمنطقة الممتدة من شمال غرب بحر العرب حتى ما بعد المخا هي مناطق تسلل وتسرب الأسلحة للحوثيين".
وأضاف : "المؤتمر بشكل أو بآخر هو أحد التدابير التي تسعى إليها بريطانيا والحلفاء، ومن ضمنهم حلفاء الداخل، لمواجهة تسرب الأسلحة للحوثيين وفرض الحصار عليهم، بعد أن أخفقت العمليات البحرية العنيفة التي انخرطت فيها أيضاً بريطانيا".
ولفت إلى أن هناك كما يبدو "ترتيبات تتعلق بالمحافظات الجنوبية، حيث تحاول الدول ذات المصلحة أن تكون هذه المنطقة آمنة، لا سيما بعد أن بدأ الحوثيون يمدون أيديهم للتعاون مع جماعة الشباب والقاعدة في الصومال".