اتصالات متسارعة للتوصل إلى اتفاقات سورية إسرائيلية
الرأي الثالث - وكالات
تتسارع التحركات الأميركية، التي لا تخلو من ضغوط، على سورية، للتوصل إلى اتفاقات سورية إسرائيلية في الأيام المقبلة، وتحديداً قبل اجتماع زعماء العالم في نيويورك الأسبوع المقبل لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة،
وسط ربط مسؤولين أميركيين رفع العقوبات بشكل كامل عن دمشق بحدوث هذا الاختراق، وتسريبات من الخارجية السورية عن أنه "ستكون هناك اتفاقات متتالية قبل نهاية العام الجاري مع الجانب الإسرائيلي" وأنّها "بالدرجة الأولى اتفاقات أمنية وعسكرية"
وذلك بالتزامن مع وصول وزير االخارجية السوري أسعد الشيباني، إلى واشنطن في أول زيارة من نوعها لوزير خارجية سوري منذ 25 عاماً،
بعدما التقى، بحسب وسائل إعلام عبرية، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، في لندن، بحضور المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية توم برّاك.
وفي حين كشف الرئيس السوري أحمد الشرع أن المفاوضات مع إسرائيل للتوصل إلى اتفاق أمني قد تؤدي إلى نتائج "في الأيام المقبلة"،
تسعى دمشق إلى اتفاق مشابه لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، في حين يريد الاحتلال توسيع المنطقة العازلة على الحدود ومنع انتشار الجيش السوري فيها، والبقاء في نقاط استراتيجية في جبل الشيخ، وهو ما يضع دمشق أمام خيارات صعبة،
خصوصاً أنها لا تملك الكثير من الأوراق التفاوضية، علماً أن الاحتلال عمد إلى ضرب قدرات الجيش السوري وإضعافه بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهو ما يجعل برأي البعض الإدارة السورية الجديدة في وضع صعب.
مفاوضات لإبرام اتفاقات سورية إسرائيلية
وقال الرئيس السوري أحمد الشرع، مساء أمس الأول الأربعاء، إن المفاوضات الجارية مع إسرائيل للتوصل إلى اتفاق أمني قد تؤدي إلى نتائج "في الأيام المقبلة"، مشدداً في الوقت نفسه على أن اتفاق السلام أو التطبيع ليس مطروحاً حالياً.
وصرح الشرع للصحافيين في دمشق، كما نقلت وكالة رويترز، أن هناك "حاجة" إلى الاتفاق الأمني، وذكر أنه سيتطلب احترام مجال سورية الجوي ووحدة أراضيها وأن يكون خاضعاً لمراقبة الأمم المتحدة.
ونفى الشرع ممارسة الولايات المتحدة ضغوطاً على سورية وقال إنها تؤدي دور الوسيط. ولفت إلى أن إسرائيل نفذت أكثر من ألف غارة على سورية وما يزيد على 400 توغل بري منذ 8 ديسمبر الماضي عندما أطاح هجوم المعارضة ببشار الأسد.
وأضاف الشرع أن أفعال إسرائيل تتناقض مع السياسة الأميركية المعلنة بأن تكون سورية مستقرة وموحدة، ووصف تلك الأفعال بأنها خطيرة جداً.
وتابع قائلاً إن دمشق تسعى إلى إبرام اتفاق مشابه لاتفاقية فض الاشتباك بين إسرائيل وسورية لعام 1974 والتي أنشأت منطقة منزوعة السلاح بين البلدين.
وأوضح أن سورية تطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية لكن إسرائيل تريد أن تبقى في مواقع استراتيجية سيطرت عليها بعد الثامن من ديسمبر بما في ذلك جبل الشيخ.
وأضاف إنه إذا نجح الاتفاق الأمني، فهناك احتمال بالتوصل إلى اتفاقات سورية إسرائيلية أخرى. وأشار إلى أنه من السابق لأوانه مناقشة مصير هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل لأنها "قصة كبيرة".
كانت وكالة رويترز قد ذكرت هذا الأسبوع أن إسرائيل استبعدت تسليم المنطقة، التي اعترف بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جانب واحد بوصفها منطقة إسرائيلية خلال فترة ولايته الأولى.
وقال الشرع للصحافيين مبتسماً "هي حالة صعبة أن تكون مفاوضات بين شامي ويهودي".
وقال أيضاً إن سورية وإسرائيل كانتا على بعد "أربعة أو خمسة أيام" فقط من التوصل إلى أساس اتفاق أمني في يوليو/تموز الماضي، لكن التطورات في محافظة السويداء عرقلت تلك المناقشات.
ووصف الشرع الضربات الإسرائيلية قرب القصر الرئاسي في دمشق بأنها "ليست رسالة بل إعلان حرب"، وقال إن سورية امتنعت عن الرد عسكرياً حفاظاً على المفاوضات.
وفي السياق، نقلت وكالة فرانس برس عن مصدر في وزارة الخارجية السورية في دمشق قوله إنّ "هناك تقدّماً في المحادثات مع إسرائيل وستكون هناك اتفاقات سورية إسرائيلية متتالية قبل نهاية العام الجاري مع الجانب الإسرائيلي"، مشيراً إلى أنّها "بالدرجة الأولى اتفاقات أمنية وعسكرية".
وأوضح المصدر أنّ الجانبين يريدان التوصل إلى اتفاق "يوقف الأعمال العسكرية داخل سورية ولاحقاً اتفاقات تعود بالنفع على السوريين".
ويوم الثلاثاء، قال مسؤول عسكري سوري لفرانس برس إن "القوات السورية سحبت سلاحها الثقيل من الجنوب السوري"، موضحا أن العملية "بدأت منذ شهرين".
في المقابل، ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن الاتفاق الجاري التفاوض بشأنه يهدف إلى استبدال اتفاق فصل القوات الموقّع بين الجانبين عام 1974، وأن المقترح الإسرائيلي يقوم على مبادئ مشابهة لتلك التي اعتمدت في اتفاق السلام مع مصر، حيث قُسمت سيناء إلى ثلاث مناطق مع ترتيبات أمنية مختلفة.
ونقلت القناة عن مصادر أن المنطقة الواقعة جنوب غرب دمشق ستُقسم إلى ثلاث مناطق، يُحدد في كل منها نوع القوات المسموح بانتشارها وحجمها وطبيعة السلاح الذي يمكن أن تحتفظ به سورية.
كما ينص المقترح، وفق القناة 12، على توسيع المنطقة العازلة على الحدود بمسافة كيلومترين إضافيين من الجانب السوري، بحيث يُمنع انتشار الجيش السوري أو الأسلحة الثقيلة في المنطقة الأقرب للحدود،
بينما يُسمح بوجود قوات شرطة وأمن داخلي فقط. في المقابل، عرضت إسرائيل انسحاباً تدريجياً من جميع الأراضي السورية التي احتلتها باستثناء منطقة قمة جبل الشيخ السورية.
ونقلت القناة 12 عن مسؤول إسرائيلي قوله إن "إسرائيل تشترط الحفاظ على وجودها في قمة جبل الشيخ ضمن أي اتفاق مستقبلي".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن انهيار اتفاق "فضّ الاشتباك" الموقع مع سورية عام 1974، بعد أيام قليلة من سقوط نظام الأسد،
وأصدر أوامر لجيشه بالاستيلاء على المنطقة العازلة (مساحتها 235 كيلومترا مربعا) التي تنتشر فيها قوات "أندوف" التابعة للأمم المتحدة.
وسارع الجيش الإسرائيلي إلى احتلال أعلى قمة في جبل الشيخ والتي كانت تحت سيطرة القوات السورية نظرا للأهمية العسكرية والاستراتيجية التي تحظى بها في سياق الصراع القائم بين سورية وإسرائيل منذ عام 1948.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد ذكرت أن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، قد التقى وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، في لندن، بحضور المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية توم برّاك، لمناقشة مسودة الاتفاق.
ويبحث الشيباني في واشنطن التي وصل إليها أمس في "زيارة تاريخية" هي الأولى لوزير خارجية سوري منذ 25 عاماً، مع مسؤولين ومشرعين أميركيين المفاوضات الجارية مع الاحتلال الإسرائيلي حول الاتفاق الجديد، وإمكانية رفع العقوبات المتبقية على سورية بصورة دائمة.
ونقل موقع أكسيوس في وقت سابق عن السيناتور الأميركي ليندسي غراهام قوله إن الشيباني سيجتمع خلال الزيارة مع مشرعين أميركيين لمناقشة رفع العقوبات الأميركية المتبقية على بلاده.
ومن المتوقع أن يجتمع الشيباني مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو اليوم الجمعة، حسب "أكسيوس".
وقال غراهام إنه سيدعم إلغاء تلك العقوبات إذا تحركت سورية رسمياً نحو إبرام اتفاق أمني جديد مع إسرائيل وانضمت إلى تحالف ضد تنظيم داعش.
وذكرت "رويترز" هذا الأسبوع أن واشنطن تضغط على سورية للتوصل إلى اتفاق قبل أن يجتمع زعماء العالم الأسبوع المقبل لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
عُقد أمام اتفاقات سورية إسرائيلية
وتعليقاً على إصرار إسرائيل على البقاء في أعلى قمم جبل الشيخ، بيّن الخبير والمحلل العسكري العميد فايز الأسمر، أن هذا الجبل "أهم منطقة استراتيجية في سورية"، موضحاً انه يحتوي على أربع قمم، العليا 2814 متراً،
والثانية إلى الغرب 2294 متراً، والثالثة إلى الجنوب 2236 متراً، والرابعة إلى الشرق 2145 متراً.
وتابع: يعتبر هذا الجبل أعلى نقطة على الجغرافيا السورية وهذا ما يزيد من أهميته ويجعله مكاناً استراتيجياً هاماً يشرف ويرصد الكثير من المواقع المهمة وأجزاء واسعة من الجغرافيا اللبنانية والسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأشار إلى أن السيطرة الإسرائيلية على الجبل "تمكنها من خلق المنطقة الآمنة المنشودة التي تريد فرضها ومراقبتها بدقة اعتباراً من القنيطرة وصولاً إلى ريف دمشق ودرعا والأردن، من خلال تركيب أجهزة مراقبة ورصد واستطلاع حديثة رادارات وكاميرات ومرشدات لمسح المنطقة بشكل دائم".
وبيّن أن إسرائيل اليوم "هي الطرف الأقوى في المعادلة العسكرية"، مشيراً إلى أن سورية "لا تملك كثيراً من الأوراق التفاوضية"،
معرباً عن اعتقاده أن دمشق "يمكن ان تقبل الشروط الإسرائيلية". وعن تقييمه لمسودة الاتفاق التي نشرتها وسائل الإعلام، رأى الأسمر أن المضامين التي سُربت "إذا لم يتم تعديلها ستكون مجحفة"، مضيفا: أغلب البنود تنتقص من السيادة السورية على أراضيها وأجوائها.
من جهته، قال الخبير الأمني ضياء قدور، إن هناك عُقداً يجب حلها لكي يصبح الاتفاق جاهزاً للتوقيع، "أبرزها التوفيق بين المطالب السيادية السورية وعدم تقديم تنازلات جوهرية، وبين المخاوف الأمنية الإسرائيلية المزعومة"،
مشيراً إلى ان تل أبيب "تصر على البقاء أعلى قمة جبل الشيخ بينما سورية تؤكد أنها لن تتنازل عن ذرة تراب". وأعرب عن اعتقاده أن استنساخ اتفاقية كامب ديفيد وتطبيقها في سورية "لا يصلح"،
مضيفاً: كامب ديفيد في الجوهر اتفاق سلام في حين تبحث دمشق عن اتفاق أمني لا أكثر. وتابع: الوصول إلى هذا الاتفاق صعب، لكنه ليس مستحيلاً، ويتطلب تقديم تنازلات من كلا الطرفين وضمانات،
ولكن حكومة المتطرفين في إسرائيل لا تبدو مستعدة لفعل ذلك، وتسعى إلى فرض معادلات أمنية جديدة في المنطقة بعيدة المنال.
ورأى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "ربما يضغط على حكومة نتنياهو لتقديم تنازلات، لا سيما أنه كما يبدو يريد التوصل إلى اتفاق يعتبره ضمن قائمة الإنجازات التي حققها في العالم".
وبرأي الخبير في العلاقات السورية الإسرائيلية خالد خليل، فإنّ ترامب يدفع باتجاه إبرام الاتفاق بين سورية وإسرائيل "ليقدمه إنجازاً واختراقاً كبيراً في الشرق الأوسط خلال اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك خلال الشهر الحالي، بعد فشله في انهاء الحرب على غزة، والحرب الروسية الأوكرانية".
ورأى أن دمشق "تريد العودة إلى اتفاقية فك الاشتباك عام 1974"، مشيراً إلى أن لدى إسرائيل قلقاً وجودياً تعزز بعد السابع من أكتوبر عام 2023،
مضيفا: كل هذا مرتبط بحكومة اليمين المتطرف التي تحاول تفجير الأزمات الأمنية والتي تشهد تحولات كبيرة. وتابع: نتنياهو يحاول الوقوف أمام الانسجام الإقليمي واتجاه المنطقة نحو الازدهار الاقتصادي من خلال خلق أزمات لخلط الأوراق وانتهاج سياسات عدائية.
وأشار إلى ما تم تداوله عبر وسائل الإعلام، يشير إلى أن ما يتم الإعداد له "تفاهمات أمنية أكثر من كونه اتفاقاً أمنياً كامل الأركان"،
مشيرا إلى أن نزع السلاح الثقيل من المنطقة الجنوبية في سورية "ليس جديداً بل كان يدخل في صلب اتفاق 1974"،
مضيفاً أن إسرائيل تريد ترميم صورة الردع التي انهارت بسبب عملية طوفان الأقصى، من خلال فرض اتفاق أمني على سورية وفرض هيمنة على المنطقة.
وبرأيه، فإن ذهاب دمشق باتجاه إبرام اتفاق أمني جديد مع اسرائيل "يدل على واقعية سياسية تنتهجها الإدارة السورية الجديدة التي تضع مصلحة البلاد فوق أي اعتبار"،
مضيفا: سورية اليوم لا تملك الا أوراق الضغط الدبلوماسي، والاستفادة من الزخم الإقليمي والدولي الداعم لها. دمشق واضحة فهي تريد العودة إلى ما قبل الثامن من ديسمبر الماضي، أما إسرائيل فتحاول فرض وقائع ميدانية للحصول على مكاسب تفاوضية.
في غضون ذلك، كشفت وكالة رويترز نقلاً عن خمسة مصادر مطلعة أن بعضاً من أكبر الدبلوماسيين الأميركيين المعنيين بسورية جرى تسريحهم من مناصبهم في الأيام القليلة الماضية.
وكان هؤلاء الدبلوماسيون في منصة سورية الإقليمية - البعثة الأميركية الفعلية إلى البلاد ومقرها في إسطنبول - وكانوا يرفعون تقاريرهم إلى توم برّاك.
وقال أحد المصادر، وهو مصدر دبلوماسي أميركي، إن "بعض" الموظفين في منصة سورية الإقليمية أُبلغوا بانتهاء مهماتهم في إطار إعادة تنظيم الفريق.
وأضاف المصدر أن رحيل هؤلاء لن يؤثر على السياسة الأميركية في سورية، وأن قرار الاستغناء عنهم لم يكن بسبب خلافات بشأن السياسة بين الموظفين وبرّاك أو البيت الأبيض.
وذكرت المصادر، التي شملت أيضا أربعة أشخاص هم دبلوماسيان غربيان ومصدران مقيمان بالولايات المتحدة، أن هذه التحركات كانت مفاجئة وغير طوعية، وأنها حدثت الأسبوع الماضي.
وقال مسؤول في الخارجية الأميركية إن الوزارة لا تعلق على "قرارات تتعلق بالموظفين أو إعادة التنظيم الإداري". وأضاف "يواصل الموظفون الأساسيون العاملون على القضايا المتعلقة بسورية العمل من مواقع متعددة".
وقال دبلوماسي غربي لـ"رويترز" إن من أسباب الاستغناء عن الدبلوماسيين الأميركيين "اختلاف" في وجهات النظر بين الموظفين وبرّاك بشأن مسألة "قوات سوريا الديمقراطية" "(قسد) والشرع، دون الخوض في التفاصيل.
ومنذ أن أغلقت واشنطن سفارتها في دمشق عام 2012، أصبحت منصة سورية الإقليمية بمثابة البعثة الفعلية إلى سورية. ويقع مقرها الرئيسي في القنصلية الأميركية في إسطنبول، ولها مكاتب في أماكن أخرى بالمنطقة.