استياء لبناني من تصريحات برّاك ومخاوف من تبعاته الميدانية
الرأي الثالث - وكالات
أثارت تصريحات الموفد الأميركي توماس برّاك في إطلالته التلفزيونية الأخيرة صدمة في الساحة اللبنانية التي تعاني أساساً من استقرار هش، وذلك بعدما بدد أجواء التفاؤل الذي ساد بعد مقررات الحكومة حول حصرية السلاح، وأعاد إحياء مخاوف من توسّع رقعة العدوان الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن ما صرّح به برّاك كان قد نقله خلال جلساته مع مسؤولين لبنانيين، إلا أنه لم يعلن عنه بهذا "الوضوح والصراحة".
وأكد برّاك في حديث تلفزيوني أن "استمرار هجمات إسرائيل تعزز رواية حزب الله بأنه موجود لحماية اللبنانيين منها"، مشدداً على أن إسرائيل لن تنسحب من النقاط الخمس، وأن الوضع في لبنان صعب،
كما أن حزب الله يعيد بناء قوّته، محملاً المسؤولية للحكومة اللبنانية، وقال "البعض يريد أن تفعل الولايات المتحدة كما فعل الرئيس دوايت أيزنهاور، ويريدون من الرئيس دونالد ترامب أن يرسل قوات المارينز لحلّ كل شيء. هذا لن يحدث".
ولفت برّاك أيضاً إلى أنه في حال أرادت الحكومة استعادة الاستقرار فعليها أن تعلن بوضوح نيتها نزع سلاح حزب الله، معتبراً أن كل ما يفعله لبنان هو "كلام، ولم يحدث أي عمل فعلي"،
مشيراً إلى أن الحكومة تتردّد خوفاً من اندلاع حرب أهلية، لافتاً إلى أن "الجيش اللبناني منظمة جيدة، ولكنه ليس مجهزاً بشكل جيد"، هذا إلى جانب اعتباره أن السلام في المنطقة وهمٌ.
وأثار كلام برّاك استياءً كبيراً في الأوساط السياسية اللبنانية، خصوصاً أنه يعطي ذريعة لإسرائيل للاستمرار في ضرباتها ويعد بمثابة "ضوء أخضر" مسبق لأي توسيع للعمليات العسكرية،
كما أنه يشكّك بكل الخطوات التي قامت بها الحكومة اللبنانية، رغم أنها حظيت بإشادة عربية ودولية واسعتين، حتى من جانب برّاك نفسه،
الذي كان قد اعتبر بعد إقرار لبنان أهداف الورقة الأميركية وتكليف الجيش بوضع خطة تطبيقية لحصر السلاح، في جلستي الخامس والسابع من أغسطس/آب الماضي أنه بات على إسرائيل أن تقوم بخطوة مقابلة وذلك قبل أن يتراجع ويتبنى كامل السردية الإسرائيلية.
وعبّر رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، أمس الثلاثاء، عن استغرابه تصريحات برّاك التي تشكّك بجدية الحكومة ودور الجيش، وفق تعبيره،
مؤكداً أن الحكومة ملتزمة بتنفيذ بيانها الوزاري كاملاً ولا سيما لجهة القيام بالإصلاحات التي تعهدت بها وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية وحصر السلاح في يدها وحدها كما ترجمته قرارات مجلس الوزراء في هذا الخصوص.
وقال سلام "كلّنا ثقة بأن الجيش اللبناني يضطلع بمسؤولياته في حماية سيادة لبنان وضمان استقراره ويقوم بمهامه الوطنية ومن ضمنها تنفيذ الخطة التي عرضها على مجلس الوزراء بتاريخ الخامس من سبتمبر/أيلول الجاري".
في هذا الإطار، قالت مصادر رسمية لبنانية ، إن "كلام برّاك مستغربٌ جداً. صحيح أنه طالب لبنان بخطوات عملية أكبر،
ولكنه استمع إلى الهواجس اللبنانية وإلى العوائق أمام تنفيذ الجيش خطته كما يجب، من بينها استمرار الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الخمس وحاجته إلى الدعم، وكان هناك تفهّم لها،
كما اعتبر أن ما قامت به الحكومة ملفتٌ وتوقّف عنده بإيجابية"، لافتة إلى أن "لبنان سيواصل دعواته للمجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف خروقاتها لاتفاق وقف الأعمال العدائية الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي،
وكذلك لدعم الجيش اللبناني بغية تطبيق خطته والقيام بالمهام الكبرى الملقاة عليه في هذه المرحلة".
وأشارت المصادر إلى أن "الرئيس جوزاف عون نقل موقف لبنان إلى جميع الذين التقاهم في نيويورك، ومن بينهم وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو،
وكان هناك تشديد على مضيه والحكومة بقرار حصر السلاح بيد الدولة، والالتزام بالقرارات الدولية، كما القيام بالإصلاحات المطلوبة على الصعد كافة، وعرَض العديد من الخطوات التي قام بها لبنان في هذه الملفات،
وكان هناك تنويه حتى أميركي بما يقوم به العهد الجديد في لبنان، واتخاذه قرارات وُصفت بالتاريخية".
وأردفت "كما كانت هناك مطالبة في المقابل بضرورة الضغط لوقف خروقات إسرائيل سريعاً وانسحابها من النقاط التي تحتلها وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، إلى جانب طلب دعم الجيش اللبناني لأداء مهامه وبدء مسار إعادة الإعمار،
لكن لبنان لم يحصل على أي ضمانة حتى الساعة بذلك". ولفتت المصادر إلى أن "القلق لا يزال موجوداً طبعاً، وحتى عربياً ودولياً من توسّع العدوان الإسرائيلي، خصوصاً بعد التصعيد الأخير وما ارتكبه العدو من مجزرة في بنت جبيل، وقبلها في البقاع وبعلبك والجنوب،
وكذلك بعد العدوان أيضاً على قطر. لبنان يواصل تكثيف اتصالاته ودعواته للخارج بضرورة الضغط على اسرائيل لتنفيذ مضمون اتفاق وقف الأعمال العدائية".
من جهته، يقول مصدر نيابي في حزب الله ، إن "تصريحات برّاك معروفة، وليست بجديدة، لكنه أحياناً يغيّر في الطريقة والأسلوب، وكلّه للضغط على لبنان وعلى المقاومة وبيئة المقاومة، ولكنه لن ينجح بذلك"،
مشيراً إلى أن "الموفد الأميركي لم نعتبره يوماً وسيطاً أو طرفاً محايداً، فهو يعمل فقط لمصلحة إسرائيل، وقالها بالفمّ الملآن إن أميركا لا تسلّح الجيش اللبناني ليقاتل إسرائيل، وهو ما كنّا ولا نزال نردّده في كل موقف ومناسبة،
ولن تفعل يوماً ذلك، لأن همّها الوحيد هو خدمة إسرائيل وأجندتها، وهذا ما نبّهنا الحكومة اللبنانية منه".
ويلفت المصدر إلى أن "الحراك الذي يقوم به براك في سورية لتنفيذ المخططات الأميركية الإسرائيلية يريدونه أن ينسحب على لبنان، وذلك ضمن إطار مشروع إسرائيل الكبرى،
وهو ما ينبّه منه دائماً الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ويكرره بأن إسرائيل لن تتوقف عن اعتداءاتها وخروقاتها حتى لو سلّم سلاح حزب الله، فأطماعها كثيرة، ومخططاتها أكبر من ذلك".
كذلك، يشير المصدر إلى أنه "رغم كل ما فعلته الحكومة اللبنانية لم تفعل إسرائيل شيئاً، لا بل زادت وتيرة اعتداءاتها، وهي برفضها ورقة برّاك تكون قد سقطت بالكامل،
في حين أن تصريحاته تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام بأي عمل عسكري، وتبرر لها مسبقاً أي عدوان، وأميركا بالتالي لن تفعل شيئاً من أجل الضغط عليها لوقف اعتداءاتها، لأن ما يريدونه واحد وهو إنهاء وجود حزب الله عسكرياً وحتى سياسياً، وهذا لن يحصل..
على الحكومة اللبنانية أن لا ترضخ لهذه الضغوط، وحزب الله فتح يديه للحوار والتفاهم حتى مع السعودية، شرط أن يكون بشأن كيفية مواجهة إسرائيل لا المقاومة، والدعوة لا تزال مفتوحة".
وفي الذكرى السنوية الأولى لتوسع العدوان الاسرائيلي على لبنان في 23 سبتمبر 2024، قال رئيس البرلمان نبيه بري أمس إنّ "ما صدر عن الموفد الأميركي في توصيفه للحكومة اللبنانية وللجيش والمقاومة هو توصيف مرفوض بالشكل والمضمون، لا بل مناقض لما سبق وقاله".
وأكد بري أن "الجيش اللبناني قائداً وضباطاً ورتباء وجنوداً هم أبناؤنا وهم الرهان الذي نعلق عليه كل آمالنا وطموحاتنا للدفاع عن أرضنا وعن سيادتنا وحفظ سلمنا الأهلي في مواجهة أي عدوان يستهدف لبنان، وسلاحه ليس سلاح فتنة،
ولتكن ذكرى العدوان مناسبة لإيقاظ الوعي لدى جميع اللبنانيين بأن ما تبيته إسرائيل من نوايا عدوانية لا يستهدف فئة أو منطقة أو طائفة إنما هو استهداف لكل لبنان ولكل اللبنانيين ومواجهته والتصدي له مسؤولية وطنية جامعة".