موجة اعتقالات حوثية تطال موظفين أمميين في صنعاء
الرأي الثالث
قالت مصادر حقوقية في صنعاء، ان جماعة الحوثي نفذت حملة اعتقالات طالت نحو تسعة على الأقل من موظفي الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية دولية.
وشملت الحملة موظفاً في برنامج الأغذية العالمي، وآخر في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وثالثاً في مكتب المنظمة بمحافظة صعدة، إلى جانب آخرين لم يُكشف عن هوياتهم بعد.
وأوضحت المصادر أن مسلحين من جهاز الأمن التابع للجماعة داهموا منازل الموظفين واقتادوهم إلى جهة مجهولة بعد تفتيش دقيق لمساكنهم بمشاركة الجناح النسائي المعروف باسم «الزينبيات».
وأضافت أن فرق المداهمة صادرت الوثائق والأجهزة الإلكترونية، بما في ذلك الهواتف المحمولة الخاصة بأسر المعتقلين.
وتأتي هذه الحملة في حين لا تزال الجماعة تستولي على مقري برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في صنعاء، منذ مداهمتهما عقب الغارة الجوية التي استهدفت في نهاية أغسطس (آب) الماضي اجتماعاً سرياً لحكومة الحوثيين، نتج منها مقتل رئيسها وتسعة من وزرائها في هجوم أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عنه.
عدد المحتجزين ارتفع إلى 53 شخصاً
ندَّد الأمين العام للأمم المتحدة بمواصلة الجماعة الحوثية حملة الاعتقالات التي تطال موظفي المنظمة الدولية والعاملين في المجال الإنساني،
وهو تصعيد وصفته مصادر حقوقية بأنه «الأخطر» منذ انقلاب الجماعة؛ وذلك لما يمثله من تهديد مباشر لعمل الوكالات الإنسانية في المناطق اليمنية المختطفة.
وقال المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، في بيان صدر في نيويورك، إن سلطات الحوثيين «احتجزت تسعة موظفين إضافيين من الأمم المتحدة، ليرتفع بذلك عدد المحتجزين تعسفياً إلى 53 موظفاً منذ عام 2021».
وأوضح المتحدث الأممي أن «هذه الإجراءات تُعيق قدرة الأمم المتحدة على العمل وتقديم المساعدات الأساسية، وتثير قلقاً بالغاً على سلامة موظفيها».
وأكد البيان أن الأمين العام «يدين بشدة استمرار الاعتقالات التعسفية والاستيلاء غير القانوني على مباني وأصول الأمم المتحدة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين».
ودعا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، مشدداً على أن مباني المنظمة وأصولها «مصونة ويجب احترامها وحمايتها في جميع الأوقات».
وأكد الأمين العام أن الأمم المتحدة ستواصل «بلا كلل» جهودها لضمان الإفراج الآمن والفوري عن جميع موظفيها المحتجزين، مجدداً التزام المنظمة بدعم الشعب اليمني وتطلعاته إلى سلام عادل ودائم رغم ما تواجهه من تحديات غير مسبوقة في الميدان.
تدهور غير مسبوق
ويرى مراقبون يمنيون أن حملة الاعتقالات الأخيرة تمثل تحدياً صريحاً للتحذيرات الأممية، وتكشف عن تصعيد حوثي غير مسبوق ضد الوكالات الدولية التي كانت حتى وقت قريب تشكل خط الإمداد الرئيسي للمساعدات الإنسانية في مناطق سيطرة الجماعة.
وكانت الأمم المتحدة وجَّهت سلسلة دعوات إلى الجماعة الحوثية طالبت فيها بوقف الاعتقالات وإطلاق سراح عشرات الموظفين المحتجزين منذ أكثر من عام، لكن الجماعة تجاهلت جميع المناشدات واستمرت في تنفيذ حملات جديدة تحت ذرائع أمنية.
وفي وقت سابق، أعلنت المنظمة نقل مكتبها الرئيس من صنعاء إلى عدن، وعلّقت معظم أنشطتها الميدانية في مناطق سيطرة الحوثيين، بعد أن خفّضت برامج المساعدات إلى أدنى مستوياتها، مقتصرةً على التدخلات المنقذة للحياة.
ووفقاً لتقارير صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وبرنامج الأغذية العالمي، فقد أدت القيود المفروضة من قِبل الحوثيين إلى عرقلة ما يزيد على 70 في المائة من عمليات الإغاثة خلال العام الماضي، ومنع فرق التقييم من الوصول إلى المناطق المتضررة من الفيضانات والجوع في محافظات الحديدة وحجة وإب.
إدانة دولية
في السياق ذاته، أدانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» حملة الاعتقالات الواسعة التي شملت عشرات المدنيين بسبب احتفالهم بذكرى «ثورة 26 سبتمبر»/أيلول أو نشرهم آراء على وسائل التواصل الاجتماعي، ووصفتها بأنها «هجوم ممنهج على حرية التعبير».
وقالت الباحثة في المنظمة نيكول جعفراني إن الحوثيين «ينفقون موارد ضخمة لملاحقة المواطنين بسبب منشورات غير ضارة، في حين يتجاهلون الكارثة الإنسانية المتفاقمة». وأضافت: «بدلاً من إسكات الناس، ينبغي على الجماعة أن تركز على ضمان حصول السكان على الغذاء والماء».
وطالبت المنظمة بالإفراج عن جميع المعتقلين، بمن فيهم موظفو الأمم المتحدة، مؤكدة أن الاعتقال دون مذكرة توقيف أو تهم محددة «ينتهك المادة 132 من قانون الإجراءات الجزائية اليمني»، ويخالف القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وأعادت المنظمة الدولية التذكير بتقرير فريق الخبراء الأمميين المعني باليمن لعام 2023، حيث أفاد بأن الحوثيين تورطوا في عشرات حالات الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب، كما أكدت أن عام 2024 شهد تزايداً في هذه الانتهاكات، خصوصاً ضد العاملين في المنظمات الدولية.
وفي حال استمرار هذا السلوك القمعي من قِبل الحوثيين لا يستبعد العاملون في مجال الإغاثة أن تنهار الثقة بين الأمم المتحدة والحوثيين بالكامل؛ وهو ما سيجعل من المستحيل استئناف أي برامج إنسانية جديدة داخل مناطق سيطرتهم.