عائدو غزة... فرحة ممزوجة بغصّة الدمار وانعدام الحياة
الرأي الثالث - وكالات
تتواصل لليوم الثالث عودة مئات آلاف النازحين الفلسطينيين من وسط وجنوبي قطاع غزة إلى ما تبقّى من مدينة غزة ومحافظة الشمال، وسط مزيجٍ من الفرحة والغصّة، جرّاء مشاهد الدمار الواسع وانعدام شتّى مقوّمات الحياة.
ومع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، تحرّكت أعداد كبيرة من النازحين الفلسطينيين باتجاه غزة، في محاولة للعودة إلى منازلهم التي هُجّروا منها تحت وطأة القصف والدمار.
لكن ما كان يُفترض أن يكون بداية للتهدئة ولمّ الشمل، تحوّل سريعاً إلى أزمة إنسانية جديدة،
إذ إنّ العودة محفوفة بمعاناةٍ لا تنتهي يفاقمها الواقع المعيشي المُزري، والبُنى التحتية المتصدّعة، والمؤسّسات الخدماتية المتدهورة، إلى جانب انقطاع المياه والتيار الكهربائي في مختلف أنحاء قطاع غزة، علاوةً على حجم الدمار الهائل الذي يكسو المدينة المنكوبة.
يقول الفلسطيني، سعيد اصليبي، من سكان مخيّم الشاطئ شمال غربي مدينة غزة، إنّه صُدم من هول الدمار الشاسع، ويتابع : "كانت المدينة مدمّرة إلى حدّ كبير قبل الإخلاء الأخير، لكنّها تحوّلت بعد بضعة أسابيع إلى كومةٍ من الردم والمعاناة"،
ويلفت إلى أنّ مشاهد الدمار ليست الأزمة الوحيدة أمام العائدين الذين ذُهلوا كذلك من أزماتٍ عديدة تمسّ أدقّ تفاصيل حياتهم، جراء انعدام مختلف مقوّمات الحياة، وفي مقدّمتها خدمات المياه والكهرباء، ما يبقيهم في دائرة المعاناة المتواصلة.
ويوضح اصليبي أنّ عودة النازحين إلى غزة لا تعني انتهاء مأساتهم، بل تُنذر بمرحلة جديدة من العذاب والشقاء، وتكشف هشاشة الواقع والآثار الكارثية للحرب الدامية التي استمرّت عامين.
وتسبّبت العودة الجماعية لعشرات آلاف النازحين الفلسطينيين إلى قطاع غزة، بأزمةٍ مرورية حادّة على الطرق والمفترقات والمداخل الرئيسية، ما فتح المجال أمام استغلال حاجة الأهالي للوصول إلى مناطقهم، وسط الطلب المرتفع على وسائل النقل ونُدرتها.
وعن ذلك، يكشف الفلسطيني، أدهم أبو سيدو، الذي عاد من النزوح القسري في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، أنّ أجرة النقل من مناطق النزوح إلى قطاع غزة شهدت ارتفاعاً جنونيّاً،
ويضيف : "استغلّ العديد من السائقين الأزمة لرفع الأسعار واقتطاع مبالغ باهظة، في وقت يعاني فيه معظم النازحين من فقدان مصادر دخلهم بالكامل، بعد أن دُمّرت منازلهم وأماكن عملهم، أو اضطرّوا إلى بيع ممتلكاتهم لتأمين الحد الأدنى من البقاء خلال النزوح".
وتقول الفلسطينية سمر مسعود ، إنّها لم تتعرّف على ملامح مدينتها بعد عودتها، على الرغم من فترة النزوح القصيرة مقارنةً بالنزوح الأول مع بداية الحرب، إذ دُمّرت البيوت والمعالم البارزة والشواهد التي تدلّ على مفترقات الطرق والمناطق السكنية،
وتوضح أنّ الأزمة لا تقتصر على تعب الطريق والتكاليف المرتفعة فحسب، أو الصراخ المتواصل جرّاء صدمة الأهالي من الدمار أو الفراق، إنّما تتلخّص بحالة الضياع المتواصلة.
وتخبر سمر أنّها عادت بجسدها، لكن روحها لا زالت تائهة بفعل اقتلاع الاحتلال الإسرائيلي جذور الحياة من المدينة.
من ناحيتها، تقول الفلسطينية هناء أبو سعدة، وهي من حي الصبرة جنوب مدينة غزة: "عُدنا ونحن ندرك أنّنا سنبدأ من الصفر لكنّنا لم نجد الصفر، إذ دُمّرت شقتنا التي حاولنا إصلاحها على مدار الأشهر الماضية، قبل إجبارنا على النزوح مجدداً. لقد تبدّدت آمالنا بعد أن رأينا حجم الدمار الواسع".
وتتابع "عُدنا من مخيّم النصيرات بشاحنة تقاسمنا أُجرتها المرتفعة مع بعض الأقارب، لكنّنا وجدنا منزلنا كومة ركام، وكذلك البقّالة الصغيرة وهي مصدر رزقنا الوحيد".
وتلفت أبو سعدة إلى أنّها فكرت في النزوح العكسي مجدّداً نحو وسط القطاع، إلّا أن زوجها قرّر البقاء ونصب خيمة بالقرب من ركام منزله على أمل إعادة إعماره قريباً، خصوصاً بعد الفترة القاسية التي عاشوها خلال موجات النزوح المتكرّر.
ولا يقلّ ألم ما بعد القصف عمّا قبله، إذ لا يجد الفلسطينيون العائدون إلى غزة سوى الأنقاض والطرقات المزدحمة بالألم والدمار، في ظل غياب تامّ لملامح الحياة الطبيعية، وسط آمالٍ بتحقيق الوعود والبنود التي تشملها خطة وقف إطلاق النار في غزة.
وفي السياق تحركت 400 شاحنة مساعدات إنسانية متنوعة إلى غزة، في السادسة من صباح اليوم الأحد (03:00 بتوقيت غرينتش)، وذلك من معبر رفح إلى معبريْ كرم أبو سالم والعوجة؛ تمهيداً لدخولها إلى غزة.
وقد عبَرت 90 شاحنة، خلال الساعة الأولى، من معبر رفح من الجانب المصري إلى معبريْ كرم أبو سالم والعوجة تمهيداً لدخولها إلى غزة.
يشار إلى أنه، لأول مرة منذ شهر مارس (آذار) الماضي، يجري إرسال المساعدات الإنسانية إلى معبر العوجة أيضاً؛ وذلك نظراً لكثرة أعداد الشاحنات المتوقع إدخالها.
وجارٍ التنسيق مع كل الأطراف لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني، يوم الثلاثاء المقبل؛ من أجل السماح باستقبال الجرحى والمصابين والمرضى الفلسطينيين القادمين من غزة،
وكذلك استقبال الأفراد من الفلسطينيين والأجانب وحاملي الجنسيات المزدوجة ومن العالقين في مصر أيضاً.