عودة العليمي لعدن تحرك ملف التوافق الشائك
على وقع سلسلة من الأزمات الداخلية التي تعصف بالحكومة اليمنية المعترف بها، دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي القوى والمكونات السياسية إلى "توحيد الصف" وبدء مرحلة جديدة من العمل البناء تركز على استعادة مؤسسات الدولة وتخفيف معاناة المواطنين التي فاقمتها سياسات الميليشيات الحوثية المدعومة من النظام الإيراني.
وجاء خطاب العليمي لمناسبة ذكرى ثورة الـ14 من أكتوبر (تشرين الأول) ضد الاستعمار البريطاني عام 1963 في جنوب اليمن، عقب ساعات من عودته للعاصمة الموقتة عدن التي غادرها قبل شهر إلى السعودية الداعم الأبرز لحكومته، على خلفية أزمة جديدة بين أعضاء مجلس القيادة الذي يترأسه،
إضافة إلى سلسلة أزمات اقتصادية من بينها انقطاع مرتبات الموظفين ضمن المناطق التابعة لسيطرة الشرعية، في حين ترفض جماعة الحوثي صرفها في المناطق الخاضعة لسيطرتها شمالاً، مما فاقم المشكلات التي تزدحم بها طاولة أعلى كيان سياسي شرعي في البلاد.
ترجمة التوافق
وتكشف دعوة العليمي عن مساعي طي صفحة الخلاف الرأسي الذي طرأ على كيان مجلسه خلال الشهرين الماضيين، عندما أصدر أعضاؤه سلسلة تعيينات في الجهاز الإداري للدولة بقرارات أثارت جدلاً واسعاً ودفعت الخلافات من تحت طاولة المداراة إلى العلن،
إذ يطالب كل عضو داخل المجلس الرئاسي المكون من ثمانية أشخاص، يترأسهم العليمي، بحصة تتناسب وحجم الخلفية السياسية التي جاء منها، مما وسع فجوة الشقاق وفاقم المشكلات الإنسانية المعقدة في البلاد.
وعقب احتكامه خلال الأسابيع الماضية إلى التهدئة والتحاور برعاية سعودية، كما جرت العادة، لجأ المجلس الائتلافي إلى تعيين فريق قانوني للفصل في الخلافات داخله ووقف حال التباين أو تأجيلها في الأقل،
وعقب أشهر من الانقطاع عقد المجلس منتصف الشهر الماضي اجتماعاً استثنائياً في العاصمة السعودية الرياض، أقر خلاله إجراء "مراجعة شاملة للقرارات الصادرة عنه منذ تشكيله عام 2022".
وتصاعد الخلاف مطلع الشهر الماضي عندما أصدر عضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي الذي يشغل أيضا منصب "رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي" ويتبنى مشروع "استعادة الدولة الجنوبية" التي توحدت مع الشمال عام 1990، قراراً شمل تعيينات لعدد من أعضاء المجلس الانتقالي في وزارات حكومية وسلطات محلية، مما اعتبره مراقبون "تجاوزاً لصلاحياته"،
فيما برره مناصرو "الانتقالي" بأنه إجراء مستحق يستجيب لمبدأ "الشراكة الجنوبية الغائبة"، مما تسبب بأزمة سياسية داخل الرئاسي اليمني.
إنذار من الشقاق مجدداً
وعلى رغم بعض التحسن الذي طرأ على عمل الحكومة خلال الفترة الماضية باستقرار نقدي وإصلاحات مالية بدعم من السعودية، فإن خطاب الرئيس العليمي ينذر بعودة الشقاق السياسي الذي قد يؤدي إلى وقف جهود "الحكومة والبنك المركزي في تنفيذ مصفوفة الإصلاحات وتحقيق مؤشرات ملموسة في الاستقرار النقدي".
فقرارات الزبيدي وتباين آراء باقي المكونات السبعة يجعلان دعوة العليمي إلى "العمل بروح الفريق الواحد" بمثابة إنذار بضرورة التصحيح قبل فوات الأوان، ولهذا جاء تأكيده على "أهمية مواصلة هذا المسار بروح الفريق الواحد لتعزيز ثقة المجتمع الدولي بالاقتصاد الوطني".
وفي هذا الإطار وجّه شكره إلى السعودية والإمارات على دعمهما المتواصل لمسار الإصلاحات وتدخلاتهما الإنسانية والتنموية، مشيراً إلى أن مواقفهما تمثل ركيزة أساسية في مسيرة اليمن نحو السلام والاستقرار وإعادة الإعمار.
في القصر فقط
وخلال بقائه في عدن، يقيم العليمي غالبية وقته في قصر المعاشيق الرئاسي من دون نشاط ميداني معلن في المدينة التي يحكم "المجلس الانتقالي الجنوبي" قبضته العسكرية والأمنية عليها.
ومن وجهة نظر الانتقالي، فمجلس القيادة الرئاسي ما هو إلا "تجربة انتقالية بنيت على قاعدة المناصفة بين الجنوب والشمال على أن تدار وفقاً لمبدأ الشراكة التوافقية"،
ويتهم الانتقالي العليمي بالانفراد واتخاذ القرارات طوال الأعوام الأربعة الماضية التي يرى أنها جاءت على حساب الانتقالي.
وتشير بعض المعلومات المتداولة إلى أن القرارات الصادرة عن المجلس الرئاسي التوافقي بلغت نحو 500 قرار، يتعلق معظمها بتعيينات عليا في الجهازين الإداري والعسكري للدولة، وسط تباين حاد بين بقية الأعضاء،
مما فاقم الخلاف داخل الجهاز الذي ينتظر منه اليمنيون تحسين ظروفهم الاقتصادية والإنسانية الصعبة واستعادة الدولة من قبضة الميليشيات الحوثية الموالية لإيران.
توفيق الشنواح
صحافي وكاتب يمني