ما بعد حرب غزة.. الأزمات الدولية تحذر من خطر مزدوج يواجه اليمن
حذرت مجموعة الأزمات الدولية من خطر مزدوج يواجه اليمن، يتمثل في استمرار الحرب الأهلية وتداعيات أزمة البحر الأحمر الناتجة عن هجمات جماعة الحوثي.
وقالت المجموعة في تقرير لها إن وقف إطلاق النار في غزة يخلق فرصة لتخفيف أزمة البحر الأحمر، إلا أن البناء على هذه الفرصة سوف يتطلب دبلوماسية شاملة، سواء لضمان استمرار الهدنة أو للبحث عن مخرج من الحرب الأهلية في اليمن.
وأضافت "كانت لهجمات الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر تداعيات عالمية، بينما لا تزال الحرب الأهلية في اليمن دون حل".
ودعت الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية لإنهاء هذا الخطر المزدوج وإنقاذ اليمن من هذا المأزق المعقد.
وأكدت أن للاتحاد الأوروبي مصلحة كبيرة في هذا المشهد. فقد أثّر انقطاع شحنات النفط وغيرها من الشحنات التي تمر عبر الممر المائي الاستراتيجي في البحر الأحمر، وسط هجمات الحوثيين، سلبًا على بعض الدول الأعضاء. مشيرة إلأى أن معظم السفن المستهدفة مرتبطة بدول الاتحاد الأوروبي.
وحثت الأزمات الدولية، الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء على النظر في الخطوات التالية فيما يتعلق بسياستهم تجاه اليمن:
- الضغط على الحوثيين بجميع القنوات المتاحة لإنهاء عنفهم الآن بعد أن تمت معالجة ذريعة هجماتهم من خلال وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه العمل على ضمان صمود وقف إطلاق النار بغزة حقًا.
- دعم الجهود الرامية إلى بناء هيكل أمني فعال في البحر الأحمر، سواء من خلال إحياء مبادرات مثل مجلس البحر الأحمر، أو استكشاف بدائل ذات أهداف مماثلة. ويمكن استخدام علاقات الاتحاد الأوروبي المتنامية مع مصر والمملكة العربية السعودية لتشجيع دعمهما لنهج جماعي للأمن الإقليمي؛
- تشجيع تلخيص محادثات السلام، بدءًا من خارطة الطريق السعودية-الحوثية الخاملة التي تعثرت مع اندلاع الأعمال العدائية في البحر الأحمر، واستخدامها كأساس للتحرك نحو مفاوضات سياسية أوسع نطاقًا، تشمل مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة اليمنية، تحت رعاية الأمم المتحدة؛
- دعم مبادرات المسار الثاني وغيرها من المشاريع التي تسعى إلى إعادة بناء العلاقات بين المجتمعات الخاضعة لسيطرة الحوثيين وتلك الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا؛
- تكثيف الدعم الإنساني والتنموي، مع الأخذ في الاعتبار أن مساحة المناورة ستكون أكبر بكثير في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة مقارنةً بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
خارطة طريق متعثرة
وحسب التقرير فإن المواجهة في البحر الأحمر تلقي بظلالها الثقيلة على محادثات إنهاء الصراع بين الحوثيين المدعومين من إيران من جهة، والحكومة المعترف بها دوليًا والتحالف الذي تقوده السعودية والذي يدعمها من جهة أخرى.
وقال "قبل انطلاقها، كانت المفاوضات التي توسطت فيها عُمان بين الجماعة والتحالف الذي تقوده السعودية تتقدم، حيث توصل الطرفان إلى مجموعة من التفاهمات حول خارطة طريق من ثلاث مراحل تهدف إلى إضفاء الطابع الرسمي على الهدنة الفعلية وتنفيذ المرحلة الإنسانية من الاتفاق، والتي تشمل دفع الرواتب وتقاسم الإيرادات.
إلا أن هذه المحادثات تعثرت بمجرد أن بدأ الحوثيون هجماتهم على الملاحة الدولية، إذ اعتقدت الرياض وواشنطن (وشركاء آخرون) أن استمرار المحادثات في ظل هذه الظروف من شأنه أن يُضفي الشرعية على الحوثيين ويكافئهم.
وأردف "وفي غياب أي تقدم في هذه المحادثات، لا يُحافظ على السلام على الأرض إلا من خلال هدنة فعلية، وهي التي تحكم سلوك الطرفين منذ انتهاء وقف إطلاق النار الرسمي عام 2023. وفي ظل هذه الخلفية، وجد المبعوث الخاص للأمم المتحدة صعوبة في إيجاد مسار دبلوماسي عملي. رفض الحوثيون مناقشة أزمة البحر الأحمر أو هجماتهم على إسرائيل - التي يعتبرونها مرتبطة بالحرب في غزة - وحتى في المسائل الإنسانية، مثل تبادل الأسرى أو فتح الطرق، واجه مكتب المبعوث صعوبة في ممارسة نفوذه".
في غضون ذلك، واصل خصوم الحوثيين في اليمن تعزيزاتهم العسكرية. على جبهات عدة، وخاصة في محافظة مأرب الوسطى وعلى طول الساحل الغربي، عزز المقاتلون الموالون للمجلس التشريعي الفلسطيني مواقعهم وتلقوا تعزيزات، كما أرسل الحوثيون قوات وإمدادات جديدة.
يولي الحوثيون أهمية خاصة للساحل الغربي، خوفًا من أن يهاجمه خصومهم، وخاصة من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المقاومة الوطنية، وهي فصيل متحالف مع المجلس التشريعي الفلسطيني بقيادة طارق صالح. ونتيجة لذلك، عززوا دفاعاتهم في ذلك القطاع، ووقعت بعض الاشتباكات المتقطعة بين الجانبين، وفق التقرير.
الأزمة الاقتصادية والإنسانية
واستدرك "على الرغم من كل التحديات السياسية والعسكرية التي تواجهها اليمن، فإن التحدي الأكبر الذي يواجهها هو الحرب الاقتصادية بين الحوثيين وخصومهم. لا يزال النظام المالي منقسمًا بين بنكين مركزيين - أحدهما في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والآخر في عدن الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليًا".
ووفق التقرير فإن الانقسام تفاقم في يوليو/تموز 2025 بعد أن طبع الحوثيون عملة جديدة دون تنسيق مع عدن، مما قوّض التفاهمات التي تم التوصل إليها في عام 2024 لتخفيف التوترات. وتشهد عائدات الحوثيين انخفاضًا، ويعود ذلك جزئيًا إلى تعطل حركة التجارة عبر الحديدة".
وزاد "في ظل هذه الظروف، يواجه اليمن أزمة إنسانية متفاقمة ومتعددة الجوانب. يواجه أكثر من 17 مليون شخص في اليمن اليوم خطر الجوع، منهم ما لا يقل عن 41 ألف شخص على شفا المجاعة. ويعاني حوالي 2.4 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد.
وقد تراجع حجم المساعدات بسبب نقص التمويل، مع خفض الولايات المتحدة مساهماتها، وشعور العديد من المنظمات الدولية بضائقة مالية. وقد تم تقليص أو تعليق برامج الإغاثة التي كانت تدعم في السابق أعدادًا كبيرة من السكان، لا سيما في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
في الوقت نفسه، شددت الجماعة القيود على وكالات الإغاثة، واعتقلت العشرات من الموظفين بتهمة التجسس، مما دفع المنظمات إلى تقليص أنشطتها وعرقل تدفق المساعدات بشكل أكبر. وقد أدى إعادة تصنيف إدارة ترامب للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في مارس/آذار، إلى جانب عقوبات اقتصادية أخرى فرضتها على الجماعة، إلى خلق المزيد من العقبات، مما أجبر الوكالات على إعادة توجيه المساعدات أو تخصيصها.
ما الذي يمكن للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء فعله؟
تشير المجموعة إلى أن أصداء هجمات الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر ترددت خارج نطاق اليمن، بما في ذلك في أوروبا، التي تعتمد بشكل كبير على هذا الممر لتزويدها بالنفط وغيره من السلع التجارية. في حين أن الضغط القسري والانتشار الدفاعي سيظلان بلا شك جزءًا من المشهد، في ظل سعي الجهات الخارجية إلى استعادة حرية الملاحة في الممر الاستراتيجي، إلا أن الوقت مناسب أيضًا لبروكسل ودولها الأعضاء لمضاعفة جهودها الدبلوماسية.
أولًا، مع أن هجمات الحوثيين لم تكن يومًا ذريعة مشروعة، إلا أن المتمردين برروا حملتهم في البحر الأحمر بأنها إظهار للتضامن مع الفلسطينيين في غزة وسط الحملة العسكرية الإسرائيلية. لكن وقف إطلاق النار الأخير يُسقط هذه الذريعة. في ظل هذه الخلفية، ينبغي على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء الضغط على الحوثيين عبر جميع القنوات المتاحة لإنهاء هجماتهم في البحر الأحمر، والعمل بالتوازي مع ذلك مع قطر ومصر والمملكة العربية السعودية - ومن خلال ضغوطهم الخاصة على إسرائيل - للمساعدة في ضمان أن يُفضي الاختراق الأخير الذي حققته الولايات المتحدة إلى نهاية دائمة للأعمال العدائية ويزيل تلك الذريعة نهائيًا.
ثانيًا، بالنظر إلى الأفق، ينبغي على الاتحاد الأوروبي الاستثمار في بنية أمنية طويلة الأمد للبحر الأحمر، يمكن أن تكون محركًا للاستقرار الإقليمي. إن إحياء مبادرات مثل مجلس البحر الأحمر - أو دعم أطر عمل جديدة ذات أهداف مماثلة - من شأنه أن يُمكّن الدول المطلة على البحر الأحمر من تولي زمام الاستقرار الإقليمي.
هنا، يمكن لعُمان وقطر أن تلعبا دورًا محوريًا، بالاعتماد على قنواتهما القوية مع الحوثيين وإيران، بالإضافة إلى القوى العربية. ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يستخدم علاقاته الدبلوماسية المتنامية مع مصر والمملكة العربية السعودية لدفعهما نحو التقدم في دعمهما لحل متعدد الأطراف، من خلال التأكيد على عدم مسؤولية أي دولة بمفردها عن الأمن في هذه المياه.
ثالثًا، يتطلب الاستقرار الدائم أيضًا حلاً للحرب الأهلية في اليمن بجميع أبعادها الإقليمية - وهو أمر أقره الاتحاد الأوروبي في استنتاجات مجلسه الصادرة في مايو 2025. قد تكون نقطة البداية لدفعة دبلوماسية جديدة هي خارطة الطريق الحوثية السعودية التي وُضعت قبل أزمة البحر الأحمر، والتي تتضمن وقف إطلاق نار على مستوى البلاد، ودفع رواتب موظفي القطاع العام، واستئناف صادرات النفط،
والأهم من ذلك، أنها تُمهّد الطريق لمحادثات يمنية-يمنية بقيادة الأمم المتحدة، والتي من شأنها أن تشمل العوامل المستبعدة من الحوار الثنائي السعودي-الحوثي. وبينما تشجع الدبلوماسية على المضي قدما على هذا المنوال، ينبغي للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أيضا أن تتعاون بهدوء مع واشنطن بشأن مسألة كيفية استخدام رفع العقوبات المحتمل كحافز للتقدم، مع منعها أيضا من تقويض احتمالات التوصل إلى تسوية سياسية.
رابعًا، يمكن لبروكسل بذل المزيد من الجهود لتشجيع إعادة بناء العلاقات بين المجتمعات المتحالفة مع الحوثيين وتلك المتحالفة مع الحكومة. على سبيل المثال، بينما يُقيّم الاتحاد الأوروبي دعمه طويل الأمد لجهود وساطة المسار الثاني في اليمن، ينبغي عليه النظر في زيادة الاستثمار في تعزيز التبادلات بين الوسطاء المحليين ولجان المصالحة. كما يمكنه العمل على تعزيز العلاقات بين المجتمعات المحلية من خلال دعم الخدمات المشتركة.
وأخيرًا، ينبغي على الاتحاد الأوروبي مواصلة - ومن الأفضل تكثيف - جهوده الإنسانية والتنموية في جميع أنحاء اليمن. ويجب أن يمتد هذا الدعم إلى ما وراء المناطق التي تسيطر عليها الحكومة ليصل إلى السكان الخاضعين لسيطرة الحوثيين بالقدر الذي تسمح به التراخيص الإنسانية بموجب أنظمة العقوبات المختلفة.
ونظرًا للاختلاف الكبير في الظروف بين شطري البلاد يؤكد التقرير أن ثمة حاجة إلى نهج مزدوج. في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، تواجه المنظمات غير الحكومية الدولية - الشريك الإنساني الرئيسي للاتحاد الأوروبي على الأرض - حملات قمع من قبل الجماعة وارتفاع تكاليف التوصيل (بسبب تكاليف التأمين والسفر البري من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة).
وقال "ليس من السهل تحقيق ذلك، لكن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء قد يستكشفون قنوات بديلة، بما في ذلك الشراكات مع المنظمات المحلية والقطاع الخاص، مع استخدام المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة كمركز لوجستي للوصول إلى المحافظات الشمالية".
وتابع "في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، تسمح الظروف بمشاركة أكثر طموحًا. ينبغي ترجمة علاقات الاتحاد الأوروبي الراسخة مع الحكومة اليمنية إلى دعم ملموس: تعزيز مؤسسات الدولة، وتعزيز قدرة السلطات المحلية على تقديم الخدمات العامة، ومساعدة المجتمعات المحلية على بناء قدرتها على الصمود.
وأفاد "يمكن أن يشمل ذلك زيادة الدعم للمؤسسات الرئيسية مثل خفر السواحل، والبنك المركزي في عدن، والمكاتب المحلية التي تقدم الخدمات العامة، لتعزيز قدرتها التشغيلية. كما ينبغي على الاتحاد الأوروبي مضاعفة جهوده في مساعدة السلطات المحلية في دعم النازحين داخليًا وغيرهم من اليمنيين المستضعفين من خلال المبادرات الإنسانية والتنموية. لن تُحسّن هذه الجهود الحوكمة في هذه المناطق فحسب، بل ستُشكّل أيضًا نموذجًا مُلهمًا للسكان الخاضعين لسيطرة الحوثيين للمطالبة بخدمات أفضل ومساءلة أفضل".
وخلصت مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها إلى القول إن "وقف إطلاق النار في غزة يتيح فرصةً لتخفيف أزمة البحر الأحمر، لكنّ الاستفادة من هذه الفرصة تتطلب دبلوماسية شاملة، لضمان كشف الحقيقة، وللسعي إلى إيجاد مخرج من الحرب الأهلية في اليمن".