دمشق و"قسد"... تنازلات صعبة من أجل تفاهم يقترب
الرأي الثالث - وكالات
أبقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني الباب موارباً أمام قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ، للتفاهم حول كلّ القضايا والملفات العالقة ما خلا موضوعة الفيدرالية،
فهي "غير خاضعة للنقاش" في المفاوضات الجارية بين دمشق و"قسد" على أساس اتفاق 10 مارس/آذار الماضي بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، وهو اتفاق لم يجد طريقه للتنفيذ بعد بسبب تعقيدات واشتراطات متبادلة.
وقال الشيباني، في مقابلة مع قناة "الإخبارية السورية" بُثّت أول من أمس السبت، إن ملف الشمال الشرقي من البلاد "من الملفات التي يجب أن ننتهي منها"،
مشيراً إلى أن الاتفاق بين دمشق و"قسد" الذي أبرمه الشرع مع عبدي في 10 مارس الماضي "لم يكن مُرضياً للدول المهتمة بهذا الملف"، في إشارة ربما إلى تركيا.
وأضاف: "لقد أقنعناها بأن هذا الاتفاق هو الأفضل لمصلحة مستقبل سورية".
وأشار إلى أنه "حان الوقت لدمج قسد" في المنظومة العسكرية في البلاد، معتبراً أن بقاء هذه القوات خارج مؤسسات الدولة "يعمّق الانقسام"،
مضيفاً أن "أي اتفاق يضمن تنازلات من طرفيه، وإلا تحوّل إلى فرض. من يريد أن يربح كل شيء، سيخسر كل شيء".
وأكد أن تحفظات "قسد" حول بعض القضايا، ومنها الإعلان الدستوري، "تفصيلية وليست جوهرية"، مشيراً إلى أن المنطقة أمام "فرصة تاريخية".
وشدّد الشيباني على أن "الحكومة ترفض أي شكل من أشكال التقسيم بما فيها الفيدرالية"، معتبراً أن "هذا الأمر غير خاضع للنقاش".
مفاوضات دمشق و"قسد"
وجاءت تصريحات الشيباني في خضم مفاوضات تجرى بين "قسد"، التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي لا سيما لجهتي القيادة والتوجيه، ووزارة الدفاع السورية، من أجل دمجها في المنظومة العسكرية وفق اتفاق مارس الماضي.
ونصّ الاتفاق على "دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".
بيد أن الاتفاق ما زال يتعثر بسبب اشتراطات متبادلة، خصوصاً من جانب "قسد" التي تريد اندماجاً بالشكل في الجيش بحيث تبقى هي الجهة المسيطرة على شمال شرق سورية.
كما تربط "قسد" الدمج بالقضية الكردية في البلاد، وتشترط الحصول على مناصب عليا في قيادة الجيش الجديد.
وكان مظلوم عبدي قد قال في تصريحات لوكالة أسوشييتد برس، يوم الخميس الماضي، إنه جرى التوصل إلى "اتفاق مبدئي" مع دمشق يقضي بدمج قواته كتلةً موحدةً ضمن الجيش السوري،
مشيراً إلى أن الاتفاق ينص على منح قادة وعناصر قواته "مناصب رفيعة داخل وزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية"، معتبراً أن هذه الخطوة "ستضمن تمثيلاً عادلاً لقوات سوريا الديمقراطية ضمن المؤسسة العسكرية الرسمية".
كما أشار إلى أن قوات الشرطة والإدارات الأمنية العاملة في شمال وشرق سورية ستندمج ضمن أجهزة الأمن الوطنية السورية، لتوحيد المؤسسات العسكرية والأمنية في البلاد.
وأوضح أن أحداث الساحل السوري والسويداء كانت أحد الأسباب التي ساهمت في تأخير تنفيذ اتفاق مارس مع الحكومة السورية.
وأضاف: "مع ذلك، نعتقد أنه إذا أُحرز تقدم في اتفاق مارس وطُبقت جميع بنوده عملياً، فسنتمكن من منع تكرار مثل هذه الأحداث".
وتشي التطورات الأخيرة في هذا الملف بأن "قسد" تنازلت عن مبدأ "اللامركزية السياسية" التي كانت تطالب به وربما تكتفي بـ"لامركزية إدارية" موسعة في المناطق ذات الغالبية الكردية من السكّان في محافظة الحسكة شمال شرقي سورية.
في المقابل، ربما تتخلى وزارة الدفاع السورية عن شرطها بدمج "قسد" بشكل إفرادي على أن تُشكَّل فرق وألوية عسكرية من قوام هذه القوات تنتشر في شمال شرق سورية.
كما يجري الحديث عن دمج قوات مكافحة الإرهاب (YAT) التابعة لـ"قسد" ضمن وزارة الدفاع السورية، ونشرها في مختلف المحافظات السورية، للاستفادة من خبرتها الواسعة في محاربة تنظيم "داعش" وتسليحها القوي من التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة.
معضلة الفيدرالية
وتعليقاً على تصريحات الشيباني، رأى كادار هوزان، مدير مؤسسة "كرد بلا حدود" في باريس، أن كلام وزير الخارجية السوري عن أن الفيدرالية غير مطروحة للنقاش "عقبة أمام الحوار بين دمشق و"قسد" والذي يسعى إليه الطرفان"،
مضيفاً أن "كل هذه الأمور تُحل بالنقاش". كما رأى أن الإعلام العربي "شيطن الفيدرالية واعتبرها تقسيماً"، مضيفاً أن "الفيدرالية هي اتحاد طوعي".
وبرأيه، فإن هذه التصريحات تندرج في سياق "إرضاء أطراف إقليمية، وأعني هنا تركيا التي ترفض مبدأ الفيدرالية في سورية وتربطها بالداخل التركي"،
معرباً عن اعتقاده أن التصريحات الإيجابية التي صدرت أخيراً من قيادة "قسد" وتشكيلها لجاناً متخصصة لمناقشة اتفاق مارس تشير إلى إمكانية التوصل إلى حلول بين دمشق و"قسد".
وأشار إلى اختلاف في التفكير بين الجانبين، موضحاً أن "قسد علمانية متنوعة تضم كل فئات الشعب السوري، بينما الحال مختلف في دمشق حيث اللون الواحد".
ورأى أنه "لو تُرك السوريون يناقشون شؤونهم مع بعضهم ستكون قسد ركيزة أساسية في مستقبل سورية"، معتبراً أن "إمكانية الحلّ موجودة وهناك رغبة من الطرفين للتوصل إلى حلول".
وحول التنازلات المطلوبة من دمشق من أجل التوصل إلى حل، رأى هوزان أن "الوضع السوري لم يعد كما كان قبل عام 2011"، مشيراً إلى أن سورية بحاجة لـ"تغيير جذري في بنيتها وأن تكون لامركزية".
وأضاف: "يجب أن تأخذ دمشق قرارها السيادي. لا نريد المزيد من الدماء، والحوار الجاد هو الحل، ويجب ألا يتوقف بين قوات قسد ودمشق".
من جهته، رأى الخبير الأمني والعسكري ضياء قدور، أن التنازلات التي تحدث عنها الشيباني "يجب أن تكون في السياق الوطني".
وقال إن التصريحات الإيجابية التي تصدر من الطرفين "تُبعدنا على الأقل في مدى متوسط عن شبح الحرب"، مشيراً إلى أنه "من غير الواضح شكل ومضمون الاتفاقات الجديدة، وهل هي تستند إلى جوهر اتفاق مارس أم أنها مختلفة".
وأعرب عن اعتقاده بأن الحكومة السورية "تسعى إلى جذب قسد بعيداً عن هيمنة حزب العمّال الكردستاني عليها وبما يخدم الأهداف الوطنية".
وبرأيه، فإنه "ما دام هذا الحزب يسيطر على مفاصل القرار في قوات قسد، فلن نصل إلى حلّ وستكون هناك فجوات كبيرة وتوتر عسكري".