عودة التوترات بين إثيوبيا وإريتريا... هل تقود إلى حرب؟
الرأي الثالث - وكالات
أثارت تصريحات رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد، في كلمة له أمام البرلمان الإثيوبي نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، موجةً من المخاوف من عودة التوترات بين إثيوبيا وإريتريا،
في وقت يصف البعض الوضع القائم بينهما بالحرب الباردة. وقال أبي أحمد، إن بلاده لن تبقى منغلقة على نفسها "سواء أراد البعض ذلك أم لا"، مؤكداً أن السلام والحوار يمثلان السبيل الأمثل لمعالجة القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها قضية البحر الأحمر.
وتابع قائلاً إنّ إثيوبيا فقدت منفذها البحري في ظروف "لم تُحسم بعد"، مضيفاً أن استعادة الحقوق المفقودة لا تستلزم عقوداً طويلة.
وأشار إلى أن القرار الذي حرم البلاد حدودها البحرية "لم يصدر بموافقة الشعب ولا عُرض على ممثليه"، لافتاً إلى غياب أي وثائق رسمية تُثبت هوية الجهة التي اتخذته، ما يجعل القرار محلّ شك من الناحية القانونية.
في المقابل، اعتبرت وزارة الإعلام الإريترية في منشور على حسابها بموقع فيسبوك، يوم الجمعة الماضي، تهديدات أبي أحمد بأن إثيوبيا "لن تبقى حبيسة طويلاً"، تصريحات استفزازية تعكس "السياسات الإثيوبية العدائية" تجاه إريتريا،
وأكدت أن محاولات إثيوبيا التدخل في شؤون إريتريا لن تنجح، وأن أي خطاب سياسي أو برلماني إثيوبي يفتقر إلى الأسس القانونية والتاريخية لا يعكس الواقع على الأرض.
الرسالة الأساسية كانت واضحة: إريتريا مصمّمة على حماية وحدتها ومصالح شعبها ولن تسمح لأي ضغط أو تهديد بالتأثير عليها، فالتحركات الإثيوبية تجاه إقليم تيغراي الإثيوبي وإريتريا، تعكس استمرار عدم الاستقرار الداخلي والخارجي لإثيوبيا،
مع تهديدات مبطنة لإريتريا وإعادة رسم النفوذ في المنطقة.
 
ضياع فرصة
وفي السياق الداخلي في إثيوبيا، انتقد السياسي المعارض من قومية أورومو، جوهر محمد، في تغريدة له على "إكس"، سياسة أبي أحمد بخصوص البحر الأحمر،
وقال "إنّ الأسلوب الذي اعتمده رئيس الوزراء في ملف تأمين المنفذ البحري لإثيوبيا، اتّسم بالعشوائية وافتقار الرؤية الاستراتيجية، فضلاً عن سوء تقدير التوقيت والإمكانات".
وأدّى ذلك، بحسب رأيه، إلى "تعقيد تحقيق هذا الهدف، لا في الحاضر فحسب، بل ربما في المستقبل أيضاً، إذ أضاع على البلاد فرصة حقيقية لتأمين مصالحها البحرية بصورة مستدامة من خلال إدخال المنطقة في صراعات لا ضرورة لها، واستفزاز قوى إقليمية مؤثرة، وضعت إثيوبيا نفسها في موقف حرج، وأهدرت جزءاً كبيراً من رصيدها الدبلوماسي".
 
وأوضح محمد أن "منطقة أرض الصومال (إقليم صوماليلاند الانفصالي غير المعترف به في الصومال) شكّلت أولى محاولات إثيوبيا للحصول على منفذ هناك، لكنها أصبحت غير محسوبة، 
وبالتالي، أشعلت توتراً حاداً مع الصومال الذي سارع إلى توقيع اتفاقية استراتيجية طويلة الأمد مع تركيا لحماية ثرواته البحرية، كما دفعت مصر إلى إرسال قوات لدعم الموقف الصومالي. ونتيجة لذلك، تراجعت آمال أديس أبابا في الوصول إلى الموانئ الصومالية على نحوٍ كبير، وكذلك الحال مع العرض الجيبوتي، فقد رفض أبي أحمد مقترحاً جيبوتياً يتيح لإثيوبيا استخدام ميناء تاجورا لفترة طويلة، فاستغلت السعودية الفرصة واستأجرت الميناء بعقد طويل الأمد، لتصبح التجارة الإثيوبية عبره خاضعة فعلياً لرقابة سعودية مباشرة".
أما على صعيد المنطقة، فرأى محمد أن "الدول المعنية (الصومال، جيبوتي، مصر، السعودية) تخوض تنافساً محتدماً مع الإمارات في البحر الأحمر والمحيط الهندي، ومع اعتبار إثيوبيا في عهد أبي أحمد بمثابة "ذراع" للمشاريع الإماراتية في المنطقة،
فقد باتت هذه الدول تعمل على إحباط أي تحرك إثيوبي يخدم النفوذ الإماراتي، وفق قوله.
وهكذا تحولت خطوات أبي أحمد إلى مكسب لخصومه، إذ ساهمت في عزل إثيوبيا سياسياً، وأدخلت السودان في دائرة نفوذ تلك القوى بعد دعمه لقوات الدعم السريع، ما أضعف حكومة عبد الفتاح البرهان وفتح الموانئ السودانية أمام التأثير الخارجي"،
وختم أن "موضوع الموانئ الذي يروجّه أبي أحمد أصبح بمنزلة أداة سياسية لصرف الأنظار عن الأزمات الاقتصادية والأمنية الداخلية، ولتعزيز شرعيته المتآكلة داخلياً.
غير أن حصيلة هذه السياسات كانت وخيمة، إذ خلّفت شرخاً عميقاً بين إثيوبيا وجيرانها الساحليين، وجعلت قضية الوصول إلى البحر أكثر تعقيداً للأجيال المقبلة، التي ستجد نفسها مضطرة لمواجهة إرثٍ من الشكوك والعداوات المتراكمة بسبب خيارات الحاضر الخاطئة".
 
إثيوبيا وعقيدة البحر الأحمر
وعن هذه التطورات، قال الباحث الإريتري عبد القادر محمد علي، إنّ عقيدة البحر الأحمر تشكل محوراً مركزياً في السياسة الخارجية لأبي أحمد، إذ إنّ فكرة "العودة إلى البحر" أو الحصول على منفذ بحري دائم على البحر الأحمر أصبحت في صلب رؤيته لمستقبل الدولة الإثيوبية،
وقد عبّر في أكثر من مناسبة عن أن حاجة بلاده للوصول إلى البحر ليست مجرد مسألة اقتصادية أو ديموغرافية، بل هي قضية وجودية تمسّ هوية الدولة ومستقبلها،
وأضاف أن أبي أحمد "يرى أن مصير إثيوبيا نفسه مرتبط بهذه المسألة، وأن استمرارها دولةً قوية ومؤثرة يتوقف على قدرتها على كسر عزلتها الجغرافية والوصول إلى الموانئ البحرية"،
وتابع أن "هذا التحول في الرؤية الاستراتيجية الإثيوبية من دولة حبيسة إلى دولة بحرية الهوية يُعد تطوراً بالغ الخطورة، لأنه ينقل النقاش من المجال الاقتصادي إلى الوجودي والسيادي، أي من البحث عن التنمية والانفتاح التجاري إلى الصراع حول الهوية والكيان.
ومن هنا، فإنّ تصريحات أبي أحمد حول الضرورة الوجودية للوصول إلى البحر ليست مجرد خطاب رمزي، بل تمثل تحولاً في عقيدة الدولة الإثيوبية ذاتها.
 
وبحسب الباحث الإريتري، انعكست هذه العقيدة على الواقع الإقليمي خلال العامَين الماضيَين، إذ دخلت إثيوبيا في حالة توتر متصاعد مع جيرانها. فقد كادت مذكرة التفاهم التي وقّعتها مع إقليم أرض الصومال الانفصالي أن تشعل مواجهة مباشرة مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو، 
كما تتصاعد اليوم حدة الخلاف مع إريتريا وسط مؤشرات على احتمال اندلاع حرب جديدة بين البلدين.
ولفت كذلك إلى هناك توتراً مكتوماً مع جيبوتي التي تنظر بقلق إلى الطموح البحري الإثيوبي، إلى جانب مخاوف أوسع لدى دول جوار البحر الأحمر من أن تؤدي هذه النزعة التوسعية إلى زعزعة التوازنات الجيوسياسية في المنطقة.
وبذلك اعتبر أن "عقيدة البحر الأحمر" أصبحت اليوم أخطر عناصر التحول في السياسة الإثيوبية، إذ لم تعد مجرد طموح استراتيجي، بل هي إيمان سياسي جديد يربط وجود الدولة ومكانتها بالبحر، وهو ما جعل القرن الأفريقي يعيش واحدة من أشد فتراته توتراً منذ عقود.
وعن أسباب عودة هذا التوتر من جديد بين الدولتين، رأى عبد القادر محمد علي أن ميناء عصب الإريتري بات يعد من أكثر النقاط حساسية في الصراع الإثيوبي الإريتري راهناً،
إذ تعتبره أديس أبابا المنفذ البحري الطبيعي والتاريخي الذي يجب أن تعود ملكيته أو سيادته إليها، بينما ترى أسمرة في هذه المطالب تهديداً مباشراً لسيادتها الوطنية،
وأضاف: بلغ التصعيد حداً خطيراً حين لوّح رئيس الوزراء الإثيوبي بإمكانية احتلال عصب بالكامل، ما جعل المنطقة تقف فعلياً على حافة مواجهة عسكرية مفتوحة،
واعتبر أنه رغم عدم اندلاع حرب شاملة حتّى الآن، فإنّ ما يجري يمكن وصفه بأنه "حرب باردة" بين الطرفين، تتجلى في المناوشات السياسية، والتحركات العسكرية على الحدود، والحملات الإعلامية المتبادلة، إلى جانب استنزاف سياسي واقتصادي متبادل.
وتترك هذه الحالة، برأيه، تداعيات مدمرة ليس على إثيوبيا وإريتريا فحسب، بل على الأمن الجماعي في منطقة القرن الأفريقي بأكملها.
ووفق عبد القادر، فإنّ القرن الأفريقي يعيش أصلاً أزمات أمنية عميقة في الصومال والسودان وغيرهما ولا يحتمل بؤرة توتر جديدة بهذا الحجم،
وإذا تحولت المواجهة الإثيوبية ـ الإريترية إلى حرب فعلية، فإن ذلك قد يؤدي إلى انهيار منظومة الأمن الإقليمي بأكملها، وتحويل المنطقة إلى بؤرة للجريمة المنظمة وعدم الاستقرار تمتد آثارها إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي.
وتابع: كما أن استمرار هذا التوتر قد يدفع بعض دول المنطقة إلى مراجعة تحالفاتها الاستراتيجية أو حتى مواجهة تحديات وجودية تهدد تماسكها وبقاءها بوصفها دولاً.
فالقرن الأفريقي اليوم يقف على مفترق طرق حاسم: إمّا احتواء النزعة التوسعية الإثيوبية وضمان الأمن الجماعي، أو الانزلاق نحو فوضى إقليمية شاملة تهدّد استقرار القارة بأسرها.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد استقبل الخميس الماضي في القاهرة، الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، في لقاء تناول تطورات الأوضاع الإقليمية، وفق بيان الرئاسة المصرية.
وأكد السيسي دعم مصر الدائم لسيادة إريتريا وسلامة أراضيها، فيما أشاد أفورقي بدور مصر في تعزيز الاستقرار ودفع جهود التنمية في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا،
مرحباً بتوسيع التعاون الاقتصادي وتعزيز التنسيق بشأن القضايا الدولية والإقليمية المشتركة. وشدّد اللقاء على أهمية تعزيز الأمن في البحر الأحمر وحماية الملاحة فيه، مع تكثيف التنسيق بين مصر وإريتريا والدول العربية والأفريقية المشاطئة لضمان الاستقرار في المنطقة.