Logo

السودان: الأزمة الإنسانية تتفاقم وسط تحركات دولية ومسارح قتال متغيرة

الرأي الثالث - وكالات

 يتزامن ارتفاع وتيرة التحركات السياسية والدبلوماسية المتعلقة بالأزمة السودانية مع توسع رقعة الانتهاكات الإنسانية وتدهور الأوضاع المعيشية لملايين المدنيين المتضررين من الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين ونصف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. 

وفي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى إمكانية اختراق سياسي يقود إلى مفاوضات لوقف إطلاق النار، تكشف المؤشرات الميدانية والإنسانية عن واقع متدهور يهدد بموجة أوسع من الانهيار.

تحرك أمريكي – سعودي

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال منتدى أمريكي – سعودي للأعمال في الرياض الأسبوع الماضي، أنه تلقى طلباً مباشراً من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للتدخل العاجل لوقف الحرب في السودان، 

مشيراً إلى أنه لم يكن مُلماً بتفاصيل الملف قبل المحادثات الأخيرة. الإعلان لقي ترحيباً من المجلس السيادي السوداني وقوات الدعم السريع وعدد من القوى السياسية، من بينها تحالف «صمود» الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك وقوى إسلامية 

بالإضافة إلى أحزاب أخرى مناوئة أو مساندة للحرب.

غير أن لجان المقاومة، وخاصة في مدينة الفاشر، أبدت تحفظاً على التحركات الجديدة، وقالت في بيان صادر عنها إن أي مسار للسلام يجب أن ينطلق من «نزع سلاح الميليشيات ومنعها من أي دور سياسي أو اقتصادي»،

 معتبرة أن تجاوز هذا الشرط قد يؤدي إلى إعادة إنتاج الحرب.

ويأتي التحرك الأمريكي-السعودي في ظل ضغوط دولية متصاعدة، ووسط مشاورات تقودها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في القاهرة وأديس أبابا، من دون أن يتبلور حتى الآن مسار مشترك بين الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة.

عقوبات أوروبية على قائد ثانٍ في الدعم السريع

في تطور بارز، فرض الاتحاد الأوروبي الخميس الماضي عقوبات على عبد الرحيم حمدان دقلو، النائب الأول لقائد قوات الدعم السريع، وشقيقه الأكبر، على خلفية اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في دارفور 

وفي أثناء العمليات العسكرية في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور. وتشمل العقوبات حظر دخوله إلى أراضي الاتحاد الأوروبي وتجميد أصوله.

وقال الاتحاد الأوروبي أن الفظائع المرتكبة، بما فيها القتل على أسس عرقية والعنف الجنسي المنهجي، «قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية». 

ويعد هذا القرار أحد أقوى المواقف الأوروبية، خاصة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر في 26 تشرين الأول/اكتوبر عقب حصار استمر 18 شهراً.

تبدلات ميدانية ومعارك ممتدة

على الصعيد العسكري، تواصل المعارك في ولايات كردفان المتاخمة لإقليم دارفور، غرب البلاد. في وقت تسعى فيه قوات الدعم السريع إلى تعزيز مكاسبها الميدانية بعد السيطرة على معظم دارفور.

في المقابل، يتبع الجيش استراتيجية ترتكز على ضرب خطوط الإمداد وشن هجمات عبر قوات جوالة لاستنزاف الخصم، من دون التركيز على السيطرة الأرضية. 

ورصدت غارات جوية على طرق الإمداد وتجمعات الدعم السريع في شمال كردفان، تسببت في إرباك خطوط التزويد وخلق أزمة وقود في عدد من المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع.

وتشير المعطيات إلى دخول جبهات كردفان مرحلة جديدة من القتال غير الخطي، تعتمد على المناورة السريعة في مناطق مفتوحة، مع تكثيف العمليات لاستنزاف الطرف الآخر وإضعاف قدرته على المبادرة.

أزمة إنسانية هي الأكبر عالمياً

على الرغم من التطورات السياسية والعسكرية، تبقى الكلفة الإنسانية هي الأثقل. فقد وصفت الأمم المتحدة الوضع في السودان بأنه «أكبر أزمة إنسانية في العالم»، حيث يحتاج أكثر من ثلثي السكان إلى مساعدات عاجلة، وسط تراجع حاد في التمويل الدولي.

وفيات الأطفال في جنوب كردفان

وثقت شبكة أطباء السودان وفاة 23 طفلاً بين 20 تشرين الأول/أكتوبر و20 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري في مدينتي الدلنج وكادوقلي بولاية جنوب كردفان، نتيجة سوء التغذية الحاد ونقص الإمدادات الطبية والغذائية.

 وتشير الشبكة إلى أن الحصار المفروض على المدينتين أدى إلى انهيار الخدمات الصحية ومنع دخول المواد الأساسية. وقالت الشبكة إن الوفيات تمثل «مؤشراً خطيراً» على تفاقم الأزمة، 

محذرة من أن استمرار الحصار قد يؤدي إلى كارثة صحية واسعة النطاق تتجاوز حدود الولاية.

وحذرت من أن الحصار المستمر قد أدى إلى انهيار الخدمات الصحية وتعطيل عملية وصول المساعدات الإنسانية، ما يفاقم معاناة الأطفال والنساء وكبار السن في المنطقة.

دارفور: ملايين النازحين وتدهور يومي

أعلنت المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين في دارفور أن عدد النازحين داخلياً تجاوز 7 ملايين شخص، وسط انهيار في القدرة الاستيعابية للمجتمعات المضيفة، ونقص حاد في الغذاء والمياه والرعاية الصحية. 

وأشار المتحدث باسمها آدم رجال إلى إصابة 1700 طفل و3600 مسن بسوء التغذية الحاد في الإقليم، إضافة إلى 1600 حالة عنف قائم على النوع الاجتماعي و3100 إصابة بطلقات نارية. 

كما استقبل مخيم طويلة شمال دارفور أكثر من مليون نازح منذ اندلاع الحرب، إلى جانب مئات الآلاف الوافدين بعد أحداث الفاشر الأخيرة.

وحذر رجال من التدهور المتسارع للأوضاع الإنسانية في المخيمات، حيث يعاني النازحون من غياب الأمن، وافتقار المرافق الصحية، وتفشي الأوبئة، مشيرا إلى أن المخاطر تصاعد مع استمرار المعارك وتدفق النازحين.

وطالبت المنسقية بفتح ممرات إنسانية آمنة والتحقيق في الانتهاكات واسعة النطاق، بما فيها القتل خارج القانون والعنف الجنسي والنهب واستخدام التجويع كسلاح حرب.

شمال كردفان: العنف الجنسي في الواجهة
 
وثّقت مبادرة «صيحة» المعنية بحقوق المرأة في القرن الأفريقي 40 حالة عنف جنسي في مدينة بارا شمال كردفان عقب اجتياحها في 24 تشرين الأول/اكتوبر. وتحقق المنظمة في 10 حالات حتى الآن، بينها حالتان لقاصرين يبلغان 15 و17 عاماً.

وأشارت المنظمة إلى شهادات لضحايا أكدوا تعرضهم للاغتصاب الجماعي تحت تهديد السلاح، وفصل الرجال عن النساء أثناء مداهمات المنازل، ونهب الممتلكات واستخدام عبارات عنصرية. 

ودعت إلى تقديم دعم طبي ونفسي عاجل للضحايا، وإلى توثيق الانتهاكات ومتابعتها عبر آليات دولية.

الفاشر: شهادات مروعة وتزايد الانتهاكات
 
قدرت منظمات محلية عدد ضحايا اجتياح الفاشر بـ 2000 قتيل، إضافة إلى آلاف المحتجزين الذين يُطلب من ذويهم دفع فدية للإفراج عنهم. 

وذكرت شبكة أطباء السودان توثيق 32 حالة اغتصاب مؤكدة خلال أسبوع واحد، لفتيات وصلن إلى مخيم طويلة بعد فرارهن من المدينة.

وأكدت الشبكة أن الانتهاكات تشمل اعتداءات داخل المدينة وخلال محاولات النزوح، وأنها تمثل «خرقاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني» ودليلاً على «انفلات واسع» في المناطق التي دخلتها قوات الدعم السريع.

انتهاكات بحق الصحافيين وتعتيم كامل

بعد نحو شهر على اعتقاله، طالبت نقابة الصحافيين السودانيين وشبكة الصحافيين بالإفراج الفوري عن الصحافي معمر إبراهيم الذي اعتقل في 27 تشرين الأول/أكتوبر، بعد ظهور تسجيلات مصورة تُظهر احتجازه واستجوابه على يد عناصر من الدعم السريع.

وأبدت الأجسام الصحافية مخاوف من تصريحات صدرت مؤخراً عن وزير الصحة في حكومة «تأسيس» غير المعترف بها، اتهم فيها معمر بلعب دور في «تأجيج الحرب».

 واعتبرت الشبكة أن هذه الاتهامات قد تُستخدم لتبرير استمرار اعتقاله أو تعريضه لانتهاكات إضافية.

كما اختفى أثر المصور الصحافي إبراهيم جبريل أبكر بعد ظهوره في مقطع مصور أثناء احتجازه. وتطالب النقابة بالكشف عن مصيره، مؤكدة أن حماية الصحافيين أثناء النزاعات واجب تفرضه المواثيق الدولية.

ووفق تقرير صادر عن النقابة في 5 تشرين الثاني/نوفمبر، كان داخل الفاشر ومعسكر أبو شوك أكثر من 20 صحافياً وصحافية قبل الاجتياح؛ نجا 12 منهم ووصلوا إلى مدينة طويلة، بينما لا يزال اثنان رهن الاعتقال، وفُقد الاتصال بسبعة آخرين.

وتشير النقابة إلى أن التعتيم الإعلامي وانقطاع الاتصالات يجعل الوصول إلى المعلومات الدقيقة شبه مستحيل، خصوصاً مع ازدياد المخاوف من استمرار حملات الاعتقال والإخفاء.

ويسبق الوضع الإنساني في السودان في تعقيده وعمقه أي تقدم سياسي أو عسكري محتمل. فمع ارتفاع أعداد النازحين، وتدهور الخدمات الصحية، وانتشار العنف الجنسي، 

وتراجع التمويل الدولي، تبدو الحاجة ملحة لتحرك عاجل لفتح ممرات إنسانية ووقف استهداف المدنيين.