Logo

إلى أين يمضي صراع النفوذ في حضرموت؟

 ماذا ينتظر محافظة حضرموت شرقي اليمن لاسيما بعد أحداث الأسبوع قبل الماضي، والتي يقول حلف قبائل حضرموت أنها ليست الأولى: فصيل مسلح مناوئ يعبّر عن نفسه من خلال مواجهات، حوادث إعدام ميداني، وعقب ذلك بيانات مثيرة للتساؤلات أكثر من كونها تقدّم إجابات؟

ما تشهده المحافظة من تشابك أحداث وتعقيد ملفات ينبئ أن وراء الأكمة ما وراءها؛ ما يثير الخوف مما تخبئه الأيام المقبلة لهذه المحافظة الاستراتيجية التي كانت مثلًا يمنيًا في الاستقرار والهدوء؛

 لكن هذا لا يلغي كونها أكبر محافظات البلاد وأغناها نفطا؛ ما جعلها ساحة جذب واستقطاب في سياق صراع النفوذ.

ننطلق من قراءة تداعيات أحداث منطقة الكعدة في مديرية غيل بن يمين بتاريخ 12 تشرين الثاني/نوفمبر؛ وما شهدته من مواجهات، وما جاء عليه بيان حلف قبائل حضرموت، يقابله ييانا المنطقة العسكرية الثانية والمجلس الانتقالي الجنوبي .

يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي في مركز الدراسات والبحوث اليمني في صنعاء، عبدالكريم غانم، أن «ما يحدث في حضرموت هو تصعيد لمستوى الاستقطاب والتنافس المحتدم، الذي يتداخل فيه البعدان المحلي والإقليمي لتعزيز النفوذ وبسط السيطرة لملء الفراغ، الذي تركه غياب الدولة وتغييبها».

ويعتقد ، أن «هذا التنافس الذي بلغ ذروته، من غير المستبعد أن يتحول من نار تحت الرماد إلى صراع مسلح، بين قوات النخبة الحضرمية وقوات الدعم الأمني، التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، من جهة وقوات حماية حضرموت، التابعة لحلف قبائل حضرموت من جهة ثانية،

 فالتحولات العسكرية التي أحدثها المجلس الانتقالي الجنوبي لتغيير موازين القوى العسكرية والأمنية في حضرموت خلال العامين الماضيين، والتي تطورت بشكل أكبر خلال الأشهر القليلة الماضية، تضع المحافظة أمام خيارين: 

إما القبول بفرض السيطرة الكاملة للمجلس الانتقالي الجنوبي على حضرموت أو الدخول في صراع مسلح مع الفصائل العسكرية المناوئة له، الأمر الذي يجعل سيناريوهات اندلاع القتال واردة».

أما عن دور «قوات درع الوطن» في احتمال نشوب القتال، فيضيف: «على الرغم من وجود قوات درع الوطن، وهي تشكيلات عسكرية غير رسمية محسوبة على الحكومة ، وتحظى بتأييد جزء من قبائل حضرموت،

 إلا إن حرص الفاعل الإقليمي الممول لها على خفض التصعيد في هذه المحافظة الحدودية، يجعل انخراط هذه القوات في الصراع غير وارد على المدى القريب، الأمر الذي يعزز فرص المجلس الانتقالي الجنوبي، في التوسع جنوب شرق اليمن».

لكن إزاء ما شهدته مديرية غيل بن يمين؛ جاء بيانا المنطقة العسكرية الثانية والمجلس الانتقالي الجنوبي يقدمان رواية مختلفة لما جاء في بيان حلف قبائل حضرموت، إذ لم يشر بيانا المنطقة والانتقالي إلى الفصيل المسلح «قوات الدعم الأمني».

يرى عبدالكريم غانم، أنه من المتوقع أن يتماهى موقف المنطقة العسكرية الثانية التي تضم قوات النخبة الحضرمية مع موقف المجلس الانتقالي الجنوبي، ويختلف مع موقف الحلف.

وقال: «من المتوقع أن يختلف بيان المنطقة العسكرية الثانية مع بيان حلف قبائل حضرموت؛ فالمنطقة العسكرية الثانية، تتماهى مع توجهات المجلس الانتقالي، وتضم قوات النخبة الحضرمية، وهي قوات تابعة للمجلس الانتقالي،

 في حين يتبنى حلف قبائل حضرموت موقفًا معارضا لتوجهات المجلس الانتقالي الجنوبي في بسط السيطرة على محافظة حضرموت، ولهذا الحلف فصيله العسكري، وهو مرشح أكثر من أي فصيل آخر للتصدي لمطامح المجالس الانتقالي الجنوبي في السيطرة الأمنية والعسكرية على حضرموت».

بينما يحتدم التنافس في حضرموت بين مشروع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يطالب بإنشاء «دولة الجنوب» في جنوب وشرق البلاد على حدود ما قبل عام 1990، 

وبين مشروع حلف قبائل حضرموت الذي يطالب بحكم ذاتي لحضرموت انطلاقًا من وثيقة أطلقها الحلف تتضمن محددات تكون معها حضرموت أقرب للاستقلال منه للحكم الذاتي، يستمر تمدد «قوات درع الوطن» ، وخاصة في محافظتي حضرموت والمهرة.

وفي محافظة حضرموت لم تحظ هذه القوات بقبول قبلي؛ إذ ما زال التباين بين القبائل واضحًا في الترحيب بها؛ وآخر البيانات التي صدرت بشأنها بيان الترحيب الصادر عن قبيلة نهد، وبيان الرفض الصادر عن قبائل الصيعر.

 لكن ما علاقة هذه القوات بإعلان «ميثاق قبائل حضرموت والمهرة»؟

يقول غانم: «تشهد محافظة حضرموت تنافسًا حادًا بين ثلاثة مشاريع تقدم نفسها كبديل لأجهزة الدولة العسكرية والأمنية،

 فإلى جانب القوى التابعة للمجلس الانتقالي ، تبرز المكونات القبلية والفصائل العسكرية الأخرى، ومنها تحالف قبائل المهرة وحضرموت، الذي أصدر بيانًا يعلن عن تأييده لقوات درع الوطن، وهي تشكيلات عسكرية سلفية لا تتبع وزارة الدفاع اليمنية. 

وعلى الرغم من أنها محسوبة على الحكومة اليمنية إلا إنها في الواقع لا تقف عسكريًا أمام طموحات المجلس الانتقالي الجنوبي، ولم تختبر حتى الآن في التصدي لتوجهاته الانفصالية ومساعيه لبسط نفوذه في حضرموت».

ويضيف: «وتنظر بعض قبائل حضرموت، لاسيما التي تقطن المناطق الحدودية، لهذه القوات بأنها تخدم المصالح الأمنية والعسكرية للمملكة العربية السعودية بالدرجة الأولى، الأمر الذي يُضعف ثقة هذه القبائل في مدى جدوى قوات درع الوطن في الدفاع عن سيادة مناطقها».

في ظل هذا التنافس المحموم بين مشاريع النفوذ في حضرموت، يبقى السؤال الأكثر الحاحًا: ما مدى احتمال تحولها لساحة مواجهات مسلحة، أم أن الهدف من هذا التوتر هو إدامة عدم الاستقرار وإبقاء هيمنة قطبي التحالف قائمة؟

يستبعد غانم، «على المدى القريب أن تتحول حضرموت إلى ساحة مواجهة مسلحة بين قوات النخبة الحضرمية وقوات الدعم الأمني من جهة، وقوات درع الوطن من جهة ثانية،

 فعلى الرغم من التوسع المستمر في قوام هذه القوات إلا إن مصلحة السعودية في استتباب الأمن في محافظة حضرموت الحدودية تجعل الصراع يأخذ بعدًا ناعمًا، وتحول دون تحوله إلى صراع مسلح».

أما على صعيد المواجهة بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات حماية حضرموت التابعة لحلف قبائل حضرموت فيوضح (لما سبق وأشار إليه) أن «الأحداث تسير باتجاه التصعيد العسكري، واحتمالات المواجهة العسكرية بين قوات المجلس الانتقالي وقوات حلف قبائل حضرموت واردة، 

لكن اختلال موازين القوى لصالح قوات المجلس الانتقالي، قد تحسم الصراع لمصلحة قوات الانتقالي في وقت قصير، ما لم تحظ قوات حماية حضرموت بدعم يمكنها من الصمود».

وخلص إلى أن استمرار حالة التوتر المسموح به تعمل على تأجيل الالتزام بإعادة الإعمار، وإحداث تغييرات جيوسياسية مرتبطة بالهواجس الأمنية والمطامح الاقتصادية للفاعلين الإقليميين في اليمن.

أحمد الأغبري
 القدس العربي