تنديد يمني ودولي وحقوقي عقب أوامر إعدام حوثية لـ17 يمنياً
الرأي الثالث
توالت الإدانات الرسمية والدولية والحقوقية في اليمن وخارجها، عقب إصدار الجماعة الحوثية المدعومة من إيران أوامر قضت بإعدام 17 مواطناً يمنياً، بعد أن نسبت إليهم تهماً مزعومة بالتخابر مع دول أجنبية.
كما حكمت الجماعة بالسجن لامرأة ورجل آخرَين بمدد تتراوح بين 3 و10 سنوات، في محاكمات وُصفت بأنها «صورية» اعتمدت بشكل أساسي على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، وفق ما أكدته منظمات حقوقية.
الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا كانت في طليعة الدول التي أدانت بشدة هذه الأحكام. ففي بيان صادر عن سفارات الدول الثلاث لدى اليمن، أكدت أن أحكام الإعدام «تعكس بوضوح نهج الترهيب والقمع» الذي تمارسه الجماعة الحوثية بحق اليمنيين.
وجاء في البيان أن «المحاكمات الصورية والإدانات الظالمة تبرز مرة أخرى أن الحوثيين لا يستطيعون الحكم إلا عبر التخويف وانتهاك الحقوق الأساسية».
وطالب البيان الغربي كذلك بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والبعثات الدبلوماسية المحتجزين لدى الحوثيين، إلى جانب وقف الاعتقالات التعسفية التي تواصل الجماعة تنفيذها بحق المدنيين في مناطق سيطرتها.
وشددت السفارات في بيانها على أن مثل هذه الإجراءات تشكل «خرقاً صارخاً» لالتزامات اليمن في إطار القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
وحسب منظمات حقوقية محلية ودولية، فإن المحكمة الجزائية المتخصصة الخاضعة للحوثيين في صنعاء والتي أصدرت أوامر الإعدام لا تمتلك أي ولاية قانونية منذ نقل اختصاصاتها إلى محافظة مأرب بقرار مجلس القضاء الأعلى عام 2018؛ الأمر الذي يجعل جميع أحكامها «باطلة ومعدومة الأثر»، وفق معايير القانون اليمني.
إدانات حقوقية
المنظمات الحقوقية اليمنية بدورها أطلقت مواقف شديدة اللهجة ضد أوامر الإعدام الحوثية. فقد أدانت الرابطة الإنسانية للحقوق، والشبكة اليمنية للحقوق والحريات، ومؤسسة تمكين المرأة اليمنية ومنظمة مساواة للحقوق والحريات، الأحكام التي عدَّتها «منعدمة العدالة والنزاهة»
مؤكدة أن المتهمين حُرموا من حقهم في التمثيل القانوني، ومنعوا من التواصل مع الدفاع، كما جرت جلسات المحاكمة في ظروف غير شفافة تفتقر للمعايير الأساسية للمحاكمات العادلة.
وأشارت المنظمات إلى أن الاعترافات التي بُني عليها الحكم «انتُزعت بالقوة وتحت التعذيب»؛ ما يجعلها غير قانونية ويضع السلطات الحوثية تحت طائلة المساءلة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، خاصة في ظل توثيق حالات سابقة مشابهة استخدمت فيها الجماعة أساليب الإكراه والإخفاء القسري.
وطالبت المنظمات الحقوقية بتدخل دولي عاجل لوقف تنفيذ أحكام الإعدام قبل فوات الأوان، ودعت الأمم المتحدة والمبعوث الأممي والمفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى إدانة واضحة لهذه الانتهاكات.
كما حمّلت الجماعة الحوثية كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن سلامة المتهمين، داعية إلى إحالة القيادات المتورطة إلى المحكمة الجنائية الدولية لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.
«القضاء سلاحاً»
في سياق التنديد الحكومي، وصف وزير الإعلام معمر الإرياني أوامر الإعدام الحوثية بأنها تجسد «الانهيار الأخلاقي والقانوني» للجماعة التي حولت القضاء «أداةً للقتل وتصفية الحسابات السياسية».
وأوضح أن بث الحوثيين سلسلة من «الاعترافات» التلفزيونية والتسريع في إجراءات المحاكمة يمثلان «محاولة بائسة لصناعة انتصارات إعلامية وهمية»، تهدف إلى صرف الأنظار عن «الاختراقات الأمنية» التي تضرب بنية الجماعة خلال الفترة الأخيرة.
وأكد الإرياني أن الحوثيين يلجأون إلى فبركة قضايا التجسس كلما واجهوا «أزمة داخلية أو فضيحة أمنية»؛ بهدف تكريس الخوف وإظهار قبضتهم الأمنية على السكان.
وربط الوزير بين هذه القضية وسلسلة الإعدامات السابقة التي نفذتها الجماعة بحق مدنيين تحت ذريعة «التخابر»، بما في ذلك إعدام تسعة من أبناء الحديدة عام 2021 بعد محاكمة وُصفت حينها بأنها «منعدمة العدالة».
أحكام باطلة
وفي سياق الإدانات المتتالية، أصدرت منظمة «شهود لحقوق الإنسان» بياناً نددت فيه بما وصفته بـ«أوامر الإعدام الجماعي» الصادرة عن محكمة خاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء «منعدمة الولاية»
مشيرة إلى أن الأحكام «باطلة ومعدومة الأثر» بموجب قرار مجلس القضاء الأعلى في الحكومة الشرعية لعام 2018، الذي نقل اختصاصات المحكمة الجزائية المتخصصة إلى محافظة مأرب.
وقالت المنظمة إن المحاكمة «شابتها انتهاكات جسيمة»، شملت مداهمة منازل المتهمين واعتقالهم دون أوامر قضائية، والإخفاء القسري لمدد طويلة، وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب، وإجبار المتهمين على الظهور في وسائل إعلام الجماعة لتقديم اعترافات مفبركة قبل صدور الأحكام.
وطالبت بفتح «تحقيق دولي مستقل» في الانتهاكات التي رافقت عمليات الاعتقال والتحقيق والمحاكمة.
ودعت المنظمة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى ممارسة ضغوط قوية على الحوثيين «لوقف استخدام القضاء أداةً للتصفية السياسية»، وضمان حماية حياة المدنيين، والإفراج عن جميع المعتقلين الصادرة بحقهم أحكام إعدام أو سجن في هذه القضية.
محاكمة صورية
وفي موقف حقوقي مماثل، أدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات «بأشد العبارات» الأحكام الحوثية، ووصفتها بأنها «أحكام جائرة» صادرة عقب «محاكمة صورية لم تستغرق سوى أسبوعين»، افتقرت – حسب البيان – إلى أدنى معايير العدالة والإجراءات القانونية الواجبة.
وأضافت الشبكة أن ما قامت به الجماعة يجسّد «أبشع صور تسييس القضاء»، بعد أن حُرم المتهمون من حق الدفاع، ومن الحصول على محامين مستقلين، ومن الاطلاع على ملفات الاتهام، فضلاً عن تعرض بعضهم للتعذيب النفسي والجسدي لانتزاع اعترافات بالإكراه.
وعدَّت الشبكة أن اتهامات «التخابر مع بريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل» ليست سوى «ذرائع جاهزة» تستخدمها الجماعة لتخويف المجتمع وتصفية الخصوم.
وأشار البيان إلى أن التلويح بتنفيذ الإعدامات في «ساحة عامة» يهدف إلى «بث الرعب» وتعزيز سياسة «القمع العلني» التي تمارسها الجماعة بلا رقيب أو محاسبة.
وطالبت الشبكة بتدخل دولي عاجل لوقف تنفيذ الأحكام، وإدانة واضحة من الأمم المتحدة والمبعوث الأممي والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، إلى جانب تشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في الانتهاكات التي رافقت الاعتقال والتحقيق والمحاكمة.
وأكدت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات أن هذه الأحكام ليست سوى جزء من سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تمارسها الجماعة بحق المدنيين، مشددة على استمرار دورها في توثيق الانتهاكات ومناصرة الضحايا في مختلف المحافظات.
ويرى مراقبون أن المحاكمات الحوثية تعكس «قلقاً داخلياً متزايداً» داخل الجماعة، بعد سلسلة ضربات أمنية واختراقات إسرائيلية أدت إلى مقتل الكثير من قادتها السياسيين والعسكريين؛ وهو ما دفعها - وفق قولهم - إلى «تفريغ شحنة الفشل» عبر تصعيد قضائي وأمني يستهدف المدنيين.