Logo

قصة الاتحاد.. الإمارات تحتفي بـ54 عاماً من الإنجازات

الرأي الثالث

 مع احتفال دولة الإمارات بعيد الاتحاد الـ54، تعود الذاكرة إلى واحدة من أنجح تجارب الدولة العربية الحديثة، حين اجتمع القادة المؤسسون عام 1971 حول رؤية موحدة لوطن قادر على تحويل الصحراء إلى حاضنة تنمية وابتكار واستقرار.

بمثل هذا اليوم الـ2 من ديسمبر قبل 54 عاماً، أدرك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ومعه الآباء المؤسسون للإمارات، أن المستقبل يبدأ من الاستثمار في الإنسان، وأن الاتحاد هو السبيل لصناعة دولة تتجاوز حدودها الجغرافية نحو تأثير سياسي واقتصادي عالمي.

وفي وقت كانت المنطقة تشهد اضطرابات سياسية واقتصادية، راهنت الإمارات على قوة الوحدة والتكامل، فكانت النتيجة نموذجاً تنموياً فريداً ارتكز على التقدم العلمي والانفتاح الدولي وسياسات اقتصادية مرنة، لتنجح في معركة الاستقرار والنماء في محيط مليء بالأزمات.

الاتحاد.. من الفكرة إلى التأسيس

تعود جذور الاتحاد إلى سلسلة من اللقاءات التاريخية التي عقدها الآباء المؤسسون، وفي مقدمتهم حاكم أبوظبي ورئيس الدولة لاحقاً الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وحاكم دبي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، في أواخر الستينيات من القرن الماضي.

وتشير الوثائق التاريخية، ومنها سجلات المجلس الأعلى للاتحاد ومحاضر الاجتماعات المنشورة لاحقاً، إلى أن اللقاء الشهير في 18 فبراير 1968 في منطقة السميح كان الشرارة الأولى نحو مشروع وطني أكبر من حدود كل إمارة على حدة.

وفي 2 ديسمبر 1971، تم الإعلان رسمياً عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة بمشاركة ست إمارات، لتنضم رأس الخيمة في فبراير 1972، مكتملة بذلك منظومة الاتحاد. 
 
وقد وصفت الأمم المتحدة هذا الحدث في تقاريرها آنذاك بأنه "تحوّل سياسي نادر في منطقة مضطربة" نتيجة طبيعته السلمية وتوافقه الداخلي.

وما ميز تجربة الإمارات أنها قامت على التوافق والرضا الشعبي، وليس على الإكراه أو الحرب أو الهيمنة، لتقدم تجربة استقرار نادرة في الشرق الأوسط المضطرب حتى منذ ما يزيد على 100 عام.

واليوم تصنف الإمارات ضمن أكبر عشر دول في التجارة العالمية، وفق تقرير منظمة التجارة العالمية لعام 2024، وتحتل دبي تحديداً موقعاً مركزياً في حركة الشحن العالمية.

ومع حلول الذكرى الـ 54 هنأ الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان شعبه والمقيمين في بلاده، متمنياً أن تظل بلاده بعطاءاتها وجهودها وقوة مجتمعها، عزيزة متقدمة ملهمة على الدوام.
 
من الحكومة الذكية إلى الذكاء الاصطناعي

منذ عام 2013، دخلت الإمارات في مرحلة التحول الرقمي المكثف، بعدما أطلقت "الحكومة الذكية" كأول تجربة من نوعها عربياً.

وتشير تقارير الأمم المتحدة حول تطور الحكومة الإلكترونية إلى أن الإمارات حافظت على موقعها ضمن أفضل 15 دولة عالمياً في هذا المجال خلال الأعوام 2018–2024.

وفي عام 2017، أطلقت الإمارات الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031 تهدف إلى:

—  جعل الإمارات في صدارة الدول المتقدمة في الذكاء الاصطناعي.
— تعزيز كفاءة الحكومة بنسبة 100% باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
— رفع الإنتاجية الاقتصادية عبر الأتمتة والتحليلات الذكية.
— تطوير التعليم والمهارات المستقبلية للطلاب.
— إنشاء منظومة أخلاقية وتشريعية متقدمة للذكاء الاصطناعي
— هذه النقلة الاستراتيجية تجسدت لاحقاً في مشاريع ومؤسسات ضخمة، منها:
 — مركز محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وهو أول جامعة بحثية متخصصة بالذكاء الاصطناعي في العالم، وتظهر بيانات QS لعام 2024 تقدماً كبيراً للجامعة في التصنيف البحثي.
— مجموعة "G42" إحدى أبرز الشركات الإقليمية العاملة في تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، والتي دخلت في شراكات عالمية واسعة النطاق.
 — مبادرة دبي للميتافيرس (2022)، التي تهدف لخلق 40 ألف وظيفة افتراضية وزيادة مساهمة اقتصاد الميتافيرس بـ4 مليارات دولار خلال خمس سنوات.

ووفقاً لوكالة أنباء الإمارات "وام"، بلغ إجمالي الاستثمارات الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي منذ عام 2024 حتى الآن نحو 543 مليار درهم، أي ما يعادل قرابة 148 مليار دولار.

تتضمن هذه الاستثمارات 100 مليار درهم (نحو 27.2 مليار دولار) مخصصة لمشروع "ستارجيت الإمارات"، إضافة إلى 180 مليار درهم (قرابة 49 مليار دولار) استثمارات خارجية، ما يعكس حجم الثقة الدولية في القدرات الرقمية الإماراتية وتسارع حضورها في سوق الذكاء الاصطناعي العالمي.

وعلى مستوى الشركات الدولية، أعلنت مايكروسوفت عن استثمارات بقيمة 17 مليار دولار داخل الإمارات للفترة من 2023 إلى 2027، بينما ضخت شركة "KKR" العالمية قرابة 5 مليارات دولار في مشاريع الذكاء الاصطناعي في الدولة، وهو ما يؤكد تنامي اهتمام المؤسسات العالمية الكبرى بالاقتصاد الرقمي الإماراتي.

وفي جانب تنمية رأس المال البشري، حققت الإمارات أحد أبرز إنجازاتها في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير الكفاءات المحلية، حيث ارتفع عدد المبرمجين في الدولة إلى أكثر من 450 ألف مبرمج، بعدما كان الهدف 300 ألف بحلول 2025.

وتمثل هذه الزيادة نمواً يصل إلى 376.9% مقارنة بعام 2020، وهو ما يعكس نجاح البرامج الوطنية في جذب وتمكين المهارات المحلية والعالمية.

كما احتلت الإمارات المرتبة الثالثة عالمياً من حيث نسبة العاملين في الذكاء الاصطناعي مقارنة بعدد السكان، وفق تقرير "لينكد إن" بالتعاون مع جامعة ستانفورد لعام 2023.

وتُظهر البيانات أن 58% من أفراد المجتمع الإماراتي باتوا يستخدمون تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الحياة، ما يجعل الإمارات الأولى عالمياً في معدل الاستخدام المجتمعي لهذه التقنيات.
 
نحو مئوية 2071

وبحلول الذكرى الـ54 للاتحاد تمضي الإمارات نحو رؤية مئوية 2071 التي أطلقت عام 2017، وتقوم على العمل لتجهيز جيل يحمل راية المستقبل في الدولة، ويتمتع بأعلى المستويات العلمية والقيم الأخلاقية والإيجابية، لضمان الاستمرارية وتأمين مستقبل سعيد وحياة أفضل للأجيال المقبلة، ورفع مكانة الدولة لمنافسة أفضل دول العالم.

وأكد حينها نائب رئيس الإمارات رئيس الوزراء حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أن "أجيال المستقبل ستحتاج ممكّنات نضعها من اليوم، وأسساً نرفعها من الآن، وبيئة للنمو لا بد من التفكير فيها من هذه اللحظة".

كما لفت إلى أنه "لا مجال للتأجيل أو الإبطاء في اتخاذ الخطوات"، مضيفاً أن "تسارع التغيرات من حولنا يتطلب أن نجهّز أجيالنا بأدوات جديدة ومعارف مختلفة ومهارات يستطيعون من خلالها النجاح في عالم سيكون مختلفاً تماماً عن العالم اليوم، والعمل على رؤية ممتدة للأجيال، وهو أمانة لضمان استمرارية التنمية واستدامة السعادة لعقود طويلة في دولتنا".

وتستند مئوية الإمارات 2071 على أربعة محاور رئيسية هي:

- حكومة تستشرف المستقبل واعية برؤية بعيدة المدى، تعمل على تعزيز الرفاه الاجتماعي، وترسيخ الصورة الإيجابية للدولة، وتنويع الإيرادات والقدرات المالية والاستثمارية بعيداً عن النفط.

- تعليم للمستقبل عبر تطوير تدريس العلوم والتكنولوجيا المتقدمة خصوصاً الفضاء والهندسة والابتكار والعلوم الطبية، وترسيخ القيم الأخلاقية والتوجهات الإيجابية في المنظومة التعليمية.

- اقتصاد معرفي متنوع يقوم على رفع الإنتاجية ودعم الشركات الوطنية للوصول إلى العالمية، والاستثمار في البحث والتطوير والقطاعات القائمة على الابتكار والصناعات المتقدمة.

- مجتمع أكثر تماسكاً عبر ترسيخ قيم التسامح والاحترام والولاء للوطن، وتمكين الشباب والنساء، وجعل السعادة وجودة الحياة والصحة والرياضة جزءاً أساسياً من نمط حياة المجتمع.

ومع مرور 54 عاماً على الاتحاد، يدرك الإماراتيون أنهم على مشارف فصل جديد من قصتهم، فصل يحمل ملامح دولة لا تنظر إلى عقود مضت، بل إلى قرن كامل قادم يخطط له اليوم ليكون أبناء 2071 شهوداً على قصة نجاح الاتحاد.