Logo

حضرموت والمهرة تحت سيطرة "الانتقالي"... ماذا بعد ؟

 فجأةً ومن دون مقدمات، انقضّ المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن على محافظتي حضرموت والمهرة، موسعاً سيطرته على الأراضي اليمنية، في عملية بدأت أقرب إلى التسليم من قبل مجلس القيادة الرئاسي الذي أمر قواته بتسليم مواقعها ومعسكراتها لـ"الانتقالي" من دون وقوع صدامات. 

وفي حين يستبعد مراقبون أن يكون تحرك "الانتقالي" قد تم من دون ضوء أخضر من داعميه، فإن تساؤلات عديدة تُطرح حول مستقبل مشروع الانفصال الذي يسعى إليه "الانتقالي" منذ تأسيسه، 

وعما إذا كانت التطورات تعني اتجاهاً لفرض هذا المشروع أمراً واقعاً، في حين تبدو المعركة مع الحوثيين بعيدة عن الأولويات راهناً. 

وتُعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على حضرموت شرقي اليمن، أول من أمس الأربعاء، محطة فارقة في مسيرة المجلس المطالب بانفصال جنوب اليمن وإعلان الدولة الجنوبية على الحدود الجغرافية لـ"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" أو ما كان يعرف باليمن الجنوبي،

 والذي اتحد مع اليمن الشمالي (الجمهورية العربية اليمنية) في 22 مايو/ أيار 1990، ليتم الإعلان بموجب هذه الوحدة عن قيام الجمهورية اليمنية.

دور حضرموت في اليمن

وتمثل محافظة حضرموت شوكة الميزان في معادلة الوحدة اليمنية أو الانفصال، باعتبارها صاحبة الثقل الأكبر، والكلمة الفصل، فهي المحافظة الكبرى من حيث المساحة والتي تقدر بـ36% من مساحة الجمهورية اليمنية،

 كما أنها تحتوي على 80% من الثروة النفطية لليمن، بالإضافة إلى المقومات الأخرى وأبرزها امتلاكها عددا من الموانئ أبرزها ميناء المكلا، وميناء الضبة النفطي، 

ولديها مطاران دوليان هما مطار الريان ومطار سيئون، ومنفذ بري مع السعودية هو منفذ الوديعة، وشريط ساحلي على بحر العرب يمتد لـ350 كيلومتراً، ما يعني أن سيطرة أي طرف على هذه المحافظة، تعني امتلاكه نفوذاً على شواطئ مهمة وطرق تجارة وثروات نفطية ضخمة.
 
وجاءت سيطرة "الانتقالي الجنوبي" على حضرموت بشكل متسارع، في عملية أطلق عليها اسم "المستقبل الواعد" بعد تحشيد عسكري لحشد كبير من قواته من محافظات عدن وشبوة وأبين ولحج والضالع، وهي محافظات واقعة تحت سيطرته. 

وتزامن التحشيد مع عرض عسكري أقامه المجلس للقوات المساحة الجنوبية في ساحة العروض بعدن، في الذكرى الـ58 للاستقلال في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، 

لكن اللافت في العرض العسكري هو مشاركة عدد من وزراء الحكومة الشرعية أبرزهم وزيرا الدفاع محسن الداعري، والخارجية شائع الزنداني. مشاركة ترسم ملامح الدور الذي لعبه مجلس القيادة الرئاسي في عملية تسليم محافظة حضرموت لـ"الانتقالي"، 

وهو المشهد الذي اكتمل بإصدار المنطقة العسكرية الأولى أوامرها للجنود بتسليم المعسكرات والمواقع، على الرغم من السلاح الضخم المتكدس داخل المنطقة العسكرية والذي يضم أسلحة ثقيلة بما فيها مئات الدبابات والمدرعات، وعشرات الطائرات المروحية وغيرها. 

لكن المشهد كان مفاجئاً، حيث سيطر "الانتقالي" خلال يوم واحد على مدينة سيئون عاصمة حضرموت الوادي بالكامل، فسيطر على قيادة المنطقة العسكرية، والمعسكرات، والقصر الجمهوري، ومطار سيئون، ومجمع المكاتب الإدارية.

وأكد "الانتقالي" في بيان أن عملية "المستقبل الواعد" التي انطلقت "تأتي بعد استنفاد كافة الخيارات التي طُرحت خلال الأعوام الماضية لإعادة الاستقرار لوادي حضرموت، وإنهاء حالة الانفلات الأمني، ووقف استغلال المنطقة من قبل قوات دخيلة على الوادي والمحافظة".

 وشدّد "الانتقالي" على أن "القوات التي تمت إزاحتها كانت، وللأسف، الرئة التي يتنفس منها الحوثي والإخوان والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وتستغل مواقعها للنفوذ والتربح بعيداً عن مصالح الوطن والمواطن"، 

موضحاً أن "حضرموت كانت وستظل ركناً أساسياً في مشروع الدولة الجنوبية، ولن نقبل أن تبقى رهينة لمشاريع الإرهاب أو الهيمنة أو التهريب". 

بالتزامن مع ذلك زار وفد أمني سعودي برئاسة اللواء محمد عبيد القحطاني، مدينة المكلا عاصمة حضرموت، والتقى مع قيادات رسمية وعسكرية وشخصيات قبلية واجتماعية في مدينة المكلا، 

وطالب المسؤول السعودي "بخروج أي قوات عسكرية أو تشكيلات أمنية وصلت من خارج المحافظة".

وأعلنت السلطة المحلية في حضرموت التوصل إلى اتفاق تهدئة بين السلطة المحلية بمحافظة حضرموت، وحلف قبائل حضرموت برئاسة عمرو بن حبريش (حلف قبلي يسيطر على حقول النفط، ويطالب بحكم ذاتي لحضرموت)، بوساطة محلية مدعومة من السعودية، لاحتواء التوترات العسكرية التي اندلعت قرب منشآت نفطية استراتيجية في المحافظة. 

لكن هذا الإعلان لم يمنع مواصلة "الانتقالي" لتحركاته العسكرية، حيث اتجه شرقاً للسيطرة على محافظة المهرة على الحدود العمانية،

 وأعلن "الانتقالي الجنوبي"، فجر أمس الخميس، أن قواته تسلمت مهام حماية القصر الجمهوري بمدينة الغيضة عاصمة المحافظة وتأمينه، كما ميناء نشطون، وقيادة محور الغيضة واللواء 137 مشاة، وجميع المواقع العسكرية والنقاط الأمنية.
 
وبحسب مصادر ، فقد تمت عملية استلام المهرة بعد الاتفاق مع محور الغيضة، وقائد الشرطة العسكرية بمحافظة المهرة، على تسليم جميع النقاط العسكرية (الدمخ، نشطون، الغيضة، الغيضة الشرقية) لقوات الشرطة العسكرية بقيادة اللواء محسن مرصع بجنود ينتمون للمحافظات الجنوبية، مع إخراج الجنود الذين ينتمون للمحافظات الشمالية من كافة المعسكرات. 

وأضافت المصادر أن "محور الغيضة أصدر أوامر بعدم اعتراض أي قوات قادمة من حضرموت، مؤكدة أنه تم إنزال علم الجمهورية اليمنية ورفع علم الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) في جميع المواقع العسكرية، والدوائر الحكومية في المهرة".

وتعد محافظة المهرة ثاني أكبر المحافظات اليمنية من حيث المساحة بعد حضرموت، ويوجد فيها منفذان حدوديان مع سلطنة عمان هما صيرفت وشحن، 

كما تملك أطول شريط ساحلي يمني مطل على بحر العرب يقدر طوله بـ560 كيلومتراً، وفيه ميناء نشطون الاستراتيجي.

 سيطرة "الانتقالي" على حضرموت والمهرة تطرح التساؤلات عن الدور الذي يمكن أن تعجل به في مشروع الانفصال الذي يسعى له "الانتقالي" منذ تأسيسه في 2017، 

كما يطرح تساؤلات عن مستقبل الشرعية اليمنية، والمعركة ضد الحوثيين. 

وعن ذلك، قال المحلل السياسي هشام الحارثي، إن "الأحداث تسارعت أخيراً بشكل دراماتيكي، فالشرعية المتمثلة بالمجلس الرئاسي أصدرت قراراً بنقل المنطقة العسكرية الأولى،

 لكن قوات الانتقالي الجنوبي تدخلت بسرعة، وأعتقد أن هذا التدخل السريع للانتقالي كان بتواطؤ من بعض أعضاء مجلس الرئاسة كون تلك القوات لا تتحرك إلا بإشارة من عضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي".

وأضاف الحارثي أن "الجميع يعلم أن المجلس الانتقالي مدعوم من الإمارات، وهو لم يتحرك إلا بضوء أخضر منها، حيث تهدف الإمارات إلى أن يكون لها حضور في وادي حضرموت". 

وتابع: "بالنسبة للسعودية كانت متحفظة على هذا التحرك، بدليل أنها لم تتدخل عسكرياً في الموضوع، ولديها قوات درع الوطن التابعة لها والتي تحمي الحدود اليمنية السعودية، وكأن ما حدث هو تقاسم لوادي حضرموت بحيث يكون لكل من الإمارات والسعودية حضور فيه".

وأشار الحارثي إلى أن "هدف التسليم للانتقالي الجنوبي المعلن عنه هو تحرير وادي حضرموت من القوات الشمالية، وحكم وإدارة الوادي بقوات جنوبية وحضرمية، ولكن هناك هدف مخفي وهو وجود وحضور للقوى المحلية والدولية بواسطة الولاءات والأتباع". 

ولفت إلى أن "الشارع الحضرمي انقسم حول سيطرة الانتقالي على حضرموت الساحل والوادي بين مؤيد ومعارض، فالمؤيد يرى أن هذه السيطرة ستعيد لحضرموت حقوقها المنهوبة، وستتحسن الخدمات العامة فيها،

 أما المعارض فرأى أن سيطرة الانتقالي بالقوة ستؤلب عليهم القبائل والعشائر الأخرى كونه حكما بالقوة العسكرية، كما سيؤدي إلى بروز صراعات على الثروات الموجودة في حضرموت، ولا ننسى أن المناطق التي تحت سيطرة الانتقالي منهارة من حيث الخدمات العامة التي يطلبها المواطن".

وشرح الحارثي أن "حضرموت تعد أكبر محافظة من حيث المساحة، والأغنى من حيث الثروات وفي مقدمتها الثروة النفطية، 

كما أن الانتقالي يسيطر على العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المجاورة، فهذا يعطيه الحضور في الميدان، ويجعله سلطة أمر واقع، ويمنحه قوة ضغط على الشرعية والتحالف العربي للتعامل معه بوصفه قوة موجودة على الواقع وبالتالي يفرض مطلبه المتمثل بالانفصال".
 
من جهته، قال المحلل العسكري المقدم أحمد المليكي، إن "السيطرة العسكرية للانتقالي الجنوبي على حضرموت والمهرة تعني سيطرة شبه كاملة على الحدود الجغرافية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل وحدة 1990،

 وبالتالي هذه السيطرة ستنعكس سياسياً من خلال التعجيل بإعلان الانفصال، والذي يبدو أنه سيُعلَن ويُفرض على المجتمع الدولي والإقليمي باعتباره أمراً واقعاً". 

وأضاف: "إذا نظرنا إلى سيناريو السيطرة العسكرية للانتقالي فإنها تمت وفق مبدأ التسليم، حيث لم يكن هناك معارك عسكرية باستثناء بعض الاشتباكات البسيطة هنا أو هناك، 

وهذا يعني وجود مخطط مفروض بتوافق القوى والدول المسؤولة عن الملف اليمني وتحديداً الرباعية الدولية (الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات) وخلال الأيام المقبلة ستنكشف تفاصيل هذا المخطط".

مصير العقيدة القتالية للجيش اليمني

واعتبر المليكي أن "مشهد التسليم للانتقالي الجنوبي قضى تماماً على ما تبقّى من عقيدة قتالية للجندي في الجيش اليمني، فلا يمكن أن يقاتل في معركة مقبلة وهو يرى نفسه جزءاً من تفاصيل مرسومة سلفاً، 

وفي الأحداث الأخيرة بدأ اهتزاز العقيدة القتالية للجنود وهم يشاهدون وزير الدفاع في الحكومة المعترف بها دولياً يؤدي التحية العسكرية لجنود الجيش الجنوبي خلال العرض العسكري الذي أقيم الأحد الماضي في ذكرى يوم الاستقلال، 

ومن ثم توجهه إلى مصر في أوج التحشيد العسكري للانتقالي نحو حضرموت، وبعدها التوجيهات الصادرة من قيادة المنطقة العسكرية الأولى وقيادات الألوية العسكرية بالتسليم، وهروب هذه القيادات وترك الجنود يواجهون مصيرهم في الميدان".

ورأى المليكي أنه "لا مجال حالياً للحديث عن معركة تحرير ضد الانقلابيين الحوثيين، ففعلياً رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي لا يسيطر إلا على حوالي 1% فقط من الأرض اليمنية، وهي عبارة عن مربعات صغيرة في مأرب وتعز وأطراف محافظة حجة على الحدود مع السعودية 

 بينما بقية الأرض المحسوبة على الشرعية تتقاسمها تشكيلات عسكرية يمثل الانتقالي الجزء الأكبر والأهم منها".

 وتابع: "المعروف أن الانتقالي هدفه استعادة الدولة الجنوبية، بمعنى أنه غير معني بما يحدث في شمال اليمن وتحديداً في الحدود الجغرافية للجمهورية العربية اليمنية قبل الوحدة، 

ما يعني أن الحوثيين هم المستفيدون مما حدث أخيراً في حضرموت، وأعتقد أن هذا الحدث سيمثل فرصة للحوثيين للتعبئة العسكرية والتحشيد نحو الجنوب تحت شعار الحفاظ على الوحدة اليمنية".

فخر العزب
صحافي يمني