إلى أين يمضي تسارع تطورات الأحداث في جنوب وشرق اليمن؟
يُخطئ من يظن أن تسارع تطورات الأحداث في جنوب وشرق اليمن في اليومين الأخيرين مبعثه شعور المجلس الانتقالي الجنوبي بزهوة النصر بعد السيطرة السريعة على وادي حضرموت ومحافظة المهرة.
ما حصل كان مرسومًا بعناية، أي لم يكن تعبيرًا لرغبة الانتقالي (المتهورة)، بل تنفيذا لتعليمات واضحة من الممول بملأ ما بقي من فراغ في خريطة النفوذ على امتداد جغرافيا المحافظات الثمان، التي بتن تحت سيطرته فعليًا، متحديًا بذلك ما تبقى من المفاعيل القائمة هناك.
وانطلاقًا من ذلك مضى في تعزيز مليشياته في محافظة المهرة بأعداد كبيرة من المسلحين والآليات، بالتوازي مع إخراج “قوات درع الوطن” المدعومة سعوديًا، ليس من المهرة فقط، بل حتى من عدن وغيرها، بموازاة تمدد قواته باتجاه مناطق الحدود مع السعودية.
وقبل ذلك، كان تحركه المفاجئ للسيطرة على مقر القصر الرئاسي في منطقة معاشيق بمدينة عدن، مما دفع القوات السعودية للانسحاب ليس من محيط القصر، بل وحتى من مطاري عدن والغيظة.
ولم يأت الإعلان السعودي عن خطة إعادة الانتشار إلا ردًا على هذا التمدد الميداني للانتقالي في تطور كان مباغتا.
وبموازاة استمرار سيطرته على الهضبة النفطية الحضرمية، بما فيها كبرى شركات النفط في اليمن (بترومسيلة)، وتجاوزه للاتفاق الذي رعته الرياض بين السلطة المحلية وحلف قبائل حضرموت، أعلنت قوات دفاع شبوه التابعة للانتقالي، أمس الاثنين، في المحافظة النفطية المجاورة لحضرموت تسلمها مهام حماية حقل ومنشأة العقلة النفطي، بعد مغادرة قوات اللواء 12 ميكا. وسبق لقوات الانتقالي السيطرة على ميناء ومنشأة بلحاف لتصدير الغاز في محافظة شبوة جنوب شرق البلاد.
لقد أصبحت جميع موانئ وجزر جنوب وشرق اليمن ومعظم سواحله من ميناء المخاء في الغرب وحتى ميناء نشطون في الشرق تحت سيطرة القوات المدعومة من أبوظبي.
ليس جديدًا القول إن المجلس الانتقالي الجنوبي ليس مكونًا وطنيًا يمتلك قراره، فهو مُمول، ويتحرك وفق ما يريده الممول الخارجي، وتحركه الأخير جاء بناءً على تعليمات واضحة، وطبقًا، كما سبقت الإشارة- لخريطة محددة الإحداثيات. أما التوقيت فلا يمكن استبعاد علاقته بخلاف قائم بين قطبي التحالف، إذ أن طلب ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التدخل في حرب السودان لن يكون ببعيد عن التطورات الأخيرة في اليمن، وهو ما أشار إليه من بعيد تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
أما ما حققه الانتقالي خلال الأيام القليلة الماضية فهي لا تعكس قوته، بقدر ما تعكس ضعف بقية المفاعيل القائمة، وفي مقدمتها الحكومة المعترف بها دوليا، التي لم تملك كرد فعل على ما حصل سوى مغادرة رئيس مجلس القيادة الرئاسي ورئيس وأعضاء الحكومة مدينة عدن، وهي الحكومة التي يشارك فيها الانتقالي، وفق اتفاق الرياض 2019.
إلى ذلك، نشرت وسائل إعلام محلية وثيقة تحمل توجيهات من قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي بالسماح بمرور موكب قائد المنطقة العسكرية الأولى (الحكومية)، اللواء صالح الجعيملاني، في النقاط العسكرية من حضرموت حتى مدينة عدن، في دلالة على ما يمكن اعتباره تواطؤ قيادة المنطقة مع الانتقالي عند دخول قوات الأخير مدينة سيئون ومديريات الوادي.
في السياق، أوضح قيادي في الانتقالي لرويترز، أمس الاثنين، أنه لم يُطلب من الحكومة مغادرة مدينة عدن.
في المقابل، ما تحمله الأخبار الرسمية، مؤخرًا، عن لقاءات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، مع السفراء في الرياض، يشعر معها المتابع أن العليمي كأنه لم يكن على علم بما كان يدور في الكواليس، وما كان يخطط له الانتقالي، على الرغم من أن الانتقالي كان يعلن عن أهدافه ومشاريعه بشكل واضح في وسائل إعلامه، بل إنه لم يكن يسمح للحكومة بتنظيم أي فعالية بأي مناسبة وطنية في المحافظات الجنوبية والشرقية بما فيها عدن، ويضاف إلى ذلك أن عيدروس الزُبيدي عند أداء اليمين الدستورية عضوا في مجلس القيادة الرئاسي عام 2022، في عدن ، رفض قراءة نص اليمين الرسمية، لانه يتضمن كلمة الوحدة، وقرأ نصًا آخرا لا يتضمن اسم اليمن وكلمة الوحدة.
يفترض أن ذلك الموقف كان كافيًا لمعرفة نوايا الرجل، إلا أنه تم مداراته لأهداف لا نعرف فحواها بدقة، لكنها كانت تمضي نحو الإضرار بوحدة البلاد، لدرجة كان يتم اسقاط كلمة الوحدة من بعض التصريحات الأجنبية في وسائل الإعلام الحكومية… وها هو الانتقالي اليوم يستفرد بجنوب وشرق البلاد، وعادت الحكومة للمنفى مجددًا.
خلال لقائه، أمس الاثنين، سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن، تحدث رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، عن مسؤولية المجتمع الدولي في حماية فكرة الدولة «والحيلولة دون تكريس منطق السلطات الموازية».
ووضع العليمي السفراء في صورة التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، مشيرًا إلى «أن الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي، تمثل خرقًا صريحًا لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وتهديدًا مباشرًا لوحدة القرار الأمني والعسكري، وتقويضًا لسلطة الحكومة الشرعية، وتهديدا خطيرا للاستقرار، ومستقبل العملية السياسية برمتها». وحذّر مما اعتبرها «التداعيات الاقتصادية والمعيشية الخطيرة لأي اضطراب خصوصًا في محافظتي حضرموت والمهرة»، بما فيها «تعثر دفع مرتبات الموظفين، ونقص الوقود لمحطات الكهرباء، وتفاقم الأزمة الإنسانية، ونسف كل ما تحقق من إصلاحات اقتصادية، وإضعاف ثقة المانحين بالحكومة الشرعية».
وطالب العليمي «بموقف دولي موحد، واضح وصريح، يرفض الإجراءات الأحادية».
كما دعا «المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف موحد برفض منازعة الحكومة لسلطاتها الحصرية، وممارسة ضغط علني لعودة القوات الوافدة من خارج محافظتي حضرموت والمهرة».
وجدد «دعوته إلى تحمل المسؤولية الجماعية، لمنع انزلاق البلاد إلى مزيد من التفكك والفوضى».
وطبقًا لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بنسختها التابعة للحكومة فقد «جدد سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن التزامهم الكامل بدعم مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة، ووحدة اليمن واستقراره، وسلامة أراضيه».
عودة إلى حضرموت، يستمر التصعيد هناك من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، وهذه المرة ضد المحافظ سالم الخنبشي.
وعقب مطالبة المحافظ بخروج كافة القوات المستقدمة من خارج المحافظة، سارع الانتقالي ونظم، صباح أمس الاثنين، وقفة لأنصاره أمام مبنى المحافظة مطالبين المحافظ بالاستقالة، وذلك غداة اعتراض قوات للانتقالي موكب المحافظ ومعه رئيس اللجنة السعودية الخاصة، محمد القحطاني، خلال زيارتهم لوادي حضرموت، ما اضطرهم للعودة إلى المكلا، في رسالة يؤكد من خلالها الانتقالي أن المسيطر على الأرض هو صاحب القرار.
يأتي هذا مع استمرار قوات الانتقالي في أعمال السلب والنهب والاعتقالات التعسفية بمدينة سيئون وغيرها من مدن ومديريات وادي حضرموت ضد أنباء المحافظات الشمالية، وهو ما عبّرت عنه تدوينات عديدة على منصات التواصل الاجتماعي، عكست واقع المعاناة الإنسانية الصعبة التي يعيشها أبناء تلك المحافظات هناك.
وذكرت بعض تلك التدوينات أن نتائج السلب والنهب باتت واضحة من خلال ما يتم عرضه للبيع في الأسواق علاوة على حرص كثير من أرباب الأسر من أبناء المحافظات الشمالية على عدم الخروج من منازلهم، ومع ذلك تتواتر اقتحامات المنازل ليلا، والاعتداءات أمام النساء والأطفال من خلال الإهانة والضرب وتمزيق وثائق اثبات الهوية، التي تحمل اسم اليمن، وغيرها من أشكال الانتهاكات.
إحداثيات الأخبار تُشير إلى أن الأحداث تمضي باليمن إلى مآل التقسيم، لكن بطريقة مختلفة تُبقي على الكل كقطع الشكولاتة المجزأة الهشة والمهيأة للقضم.
وقال نائب رئيس مجلس النواب الموالي للحكومة المعترف بها دوليا، عبد العزيز جباري في رسالة للتحالف نشرها على حسابه في منصة فيسبوك، “إن استمرار تمزيق اليمن وإدخاله في صراع لا ينتهي مسؤولية تاريخية تقع على عاتق دول التحالف، خاصة حين تتعارض الأفعال مع البيانات المعلنة”. وطالبهم في حال لم تتطابق الممارسات بالتعهدات، أن يتركوا اليمن وشأنه.
أحمد الأغبري