Logo

مصر من الدعم السياسي إلى التلويح العسكري في السودان

الرأي الثالث - وكالات

غداة تلويح الرئاسة المصرية، أول من أمس الخميس، باتخاذ إجراءات لضمان عدم المساس بخطوطها الحمراء أو تجاوزها في ما يتعلق بالسودان حيث تتواصل المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي باتت مسيطرة حالياً على إقليم دارفور غربي البلاد ومناطق واسعة من إقليم كردفان جنوب وسط البلاد 

 قال مصدر مصري مطّلع ، إن القاهرة أبلغت جميع الأطراف المتداخلة مع الأزمة السودانية -بما فيها الولايات المتحدة والسعودية والإمارات (ضمن الرباعية الدولية)- 

أن أي محاولة على الأرض لتقسيم السودان فعلياً ستدفع مصر إلى مواجهتها "بشكل حاسم" حتى لو استدعى ذلك تدخلاً عسكرياً. 

يأتي ذلك وفق المصدر نفسه، بالنظر إلى ما يمثله هذا السيناريو، أي التقسيم، من خطورة شديدة على الأمن القومي المصري والسوداني، وعلى أمن الإقليم بوجه عام.

وبحسب المصدر المصري، فإن التلويح بتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك مع السودان، الذي ورد في بيان الرئاسة المصرية وصدر بالتزامن مع زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة ولقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، 

جاء بعد استنفاد القنوات الدبلوماسية والأمنية وسلسلة اتصالات أجرتها القاهرة مع الأطراف المعنية بالأزمة. وأشار إلى أن الهدف كان أن تُعلن الرسالة في توقيت محسوب "حتى تكون واضحة" وأن ترتبط بالزيارة نفسها وباللقاء على أعلى مستوى.

خطوط حمراء

وتضمن بيان الرئاسة المصرية، أول من أمس، صياغات لافتة تتحدث عن "خطوط حمراء" لا يمكن تجاوزها باعتبارها تمس مباشرة الأمن القومي المصري "المرتبط مباشرة بالأمن القومي السوداني" 

مع تشديد خاص على وحدة السودان وسلامة أراضيه ورفض "انفصال أي جزء" ورفض "إنشاء كيانات موازية أو الاعتراف بها". 

فضلاً عن اعتباره الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية خطاً أحمر آخر، مع الإشارة إلى حق مصر الكامل "في اتخاذ جميع التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي واتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين لضمان عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء أو تجاوزها".

 واتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والسودان تعني التزام كل من الطرفين الدفاع عن الآخر عسكرياً لدى الحاجة.
 
ويقرأ مراقبون في القاهرة أن إدخال مفردات من قبيل "الخطوط الحمراء" و"اتفاقية الدفاع المشترك" في نص رئاسي بهذه المباشرة يمثل تحولاً في اللغة السياسية المصرية تجاه السودان، من خطاب يركز على المسار السياسي ووقف إطلاق النار إلى منطق ردعي يضع سقفاً محدداً لما تعتبره القاهرة "قضايا وجودية" على حدودها الجنوبية.

 وفي خلفية هذا التصعيد، أعاد البيان المصري تسليط الضوء على الوضع الإنساني، متحدثاً عن "مذابح مروعة وانتهاكات سافرة" بحق المدنيين "خصوصاً في الفاشر" عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي نقطة تتقاطع مع موجة تحذيرات وتقارير حديثة عن تدهور الأوضاع في دارفور وشمالها،

 بما جعل الفاشر عنواناً مكثفاً لانزلاق الحرب إلى مستويات أشد خطورة على المدنيين، واحتمالات اتساعها إقليمياً. 

وتأتي الرسائل المصرية كذلك في سياق انخراط القاهرة داخل إطار تنسيقي يضم واشنطن والرياض وأبوظبي إلى جانب مصر (الرباعية)، وهو ما يظهر في بيانات وتحركات مشتركة خلال الأشهر الماضية بهدف الدفع نحو وقف إطلاق نار وترتيبات سياسية/إنسانية، مع بقاء التباينات الإقليمية حول المسار النهائي للحل.  

وبحسب المصدر المطّلع تعتبر القاهرة أن سيناريو "التقسيم الفعلي" أو تثبيت "كيانات موازية" على الأرض لا يهدد السودان وحده، بل يفتح الباب أمام فوضى حدودية وتغيرات في خرائط النفوذ والسلاح والهجرة غير النظامية، بما يرفع كلفة الحرب على دول الجوار ويُحوّل السودان إلى ساحة نزاع إقليمي طويل الأمد. 

وفي المقابل، تبقى مسألة "التدخل العسكري" محكومةً -حتى اللحظة- بكونها إشارة ردع سياسية في بيان رسمي، دون إعلان آليات أو سيناريوهات تنفيذية، وإن كان توقيت الرسالة وربطها بزيارة البرهان ولقاء السيسي، يعكس رغبة في رفع منسوب الضغط على الأطراف المؤثرة لمنع أي خطوات أحادية تُفضي إلى تفكك الدولة السودانية.

تمسك مصر بمواقفها

في هذا الصدد قال حسام عيسى، مساعد وزير الخارجية المصري ومدير إدارة السودان وجنوب السودان، إن لهجة القاهرة المستجدة بشأن السودان "تعكس التمسك بالمواقف المصرية الثابتة،

 لكنها تأتي هذه المرة من موقع قوة"، وذلك في ضوء التطورات الخطيرة التي شهدتها الساحة السودانية خلال الفترة الماضية.

 وأوضح عيسى أن هذا التصعيد في اللغة جاء على خلفية ما جرى في مدينة الفاشر (أكتوبر/ تشرين الأول الماضي) ثم توسع العمليات العسكرية لقوات الدعم السريع بدخولها مدينة بابنوسة، عاصمة ولاية غرب كردفان، وصولاً إلى سيطرتها على منطقة هجليج البترولية ذات الأهمية الاستراتيجية، الواقعة على الحدود مع جنوب السودان،

 معتبراً أن هذه التطورات تمثل "منعطفاً بالغ الخطورة" في مسار الأزمة.

وأشار عيسى إلى أنه رغم إعلان مليشيات الدعم السريع موافقتها (الكلامية) على مبادرة الرباعية، التي تتضمن وقف إطلاق النار، فإن التجربة السابقة تؤكد -بحسب تعبيره- أن هذه المليشيات "لا تلتزم بأي تعهدات أو تصريحات، ولا تحترم الاتفاقيات التي توقع عليها" مستشهداً بإعلان جدة لوقف إطلاق النار عام 2023، والذي قال إن قوات الدعم السريع كانت أول من خرقه. 
 
ولفت عيسى إلى أن خطورة الوضع لا تتوقف عند ما جرى في دارفور أو غرب كردفان، بل تمتد إلى التهديد المباشر لمدينتي كادوقلي والدلنج في إقليم كردفان، اللتين تشهدان حصاراً من جانب قوات الدعم السريع، محذراً من احتمالات تكرار السيناريو الإنساني الكارثي الذي شهدته الفاشر، لا سيما في ظل الكثافة السكانية للمدينتين، حيث يقطن كادوقلي نحو 52 ألف نسمة. 
 
وأضاف أن هناك كذلك تهديداً متزايداً لمدينة الأبيض، عاصمة شمال كردفان، باعتبارها مدينة كبرى ذات ثقل سكاني واستراتيجي، وهو ما يرفع من احتمالات وقوع تطورات إنسانية بالغة الخطورة في حال استمرار التصعيد العسكري. 

وشدد عيسى على أن هذه المعطيات مجتمعة فرضت ضرورة أن تتبنى مصر "لهجة واضحة ومن موقع قوة"، تؤكد ثوابت الموقف المصري، وتوجه تحذيراً صريحاً من استمرار ما وصفه بـ"الجرائم الجسيمة"، سواء تلك التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية أو الانتهاكات الواسعة التي تُرتكب بحق المدنيين. 

وقال إنّ القاهرة ترى أن استمرار هذه الأوضاع يهدد السودان ويقوض أمن الإقليم بأكمله.
 
بدورها اعتبرت الخبيرة في الشؤون الأفريقية، نجلاء مرعي، إن مصر كانت من أوائل الدول المعنية بالملف السوداني منذ اندلاع الحرب في إبريل/نيسان 2023، بحكم العلاقات الاستراتيجية والروابط الجغرافية والتاريخية، وكذلك التأثيرات المباشرة للأزمة السودانية على مصر ودول الجوار، خصوصاً في ما يتعلق بأمن الحدود وحركة اللاجئين. 

وأوضحت مرعي أن القاهرة تحركت مبكراً على المسار الدبلوماسي لدعم جهود التهدئة والحل السياسي، مؤكدة منذ اليوم الأول للأزمة دعمها لمؤسسات الدولة السودانية، ووحدة واستقرار السودان، ورفضها لأي تدخلات خارجية، مع التشديد على ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تُنهي الحرب، وتفتح الطريق أمام مرحلة انتقالية يكون الحل فيها "سودانياً بالأساس".

وأشارت مرعي إلى أن سقوط مدينة الفاشر مثّل نقطة تحول استراتيجية في مسار الحرب، لكنها شددت على أن ذلك لا يعني نهاية الصراع، بل انتقاله إلى مرحلة أكثر تعقيداً، حيث بات صراعاً مركباً ومتعدد الأطراف، يتجاوز السيطرة على المدن إلى التنازع حول الهوية وبنية السلطة داخل الدولة السودانية، وهو ما وصفته بأنه "جوهر الأزمة الراهنة". 

ولفتت مرعي إلى أهمية زيارة وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى بورتسودان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، باعتبارها حملت رسائل سياسية واضحة، من بينها أن مصر لن تقبل بتقسيم السودان.

 واعتبرت أن زيارة البرهان إلى القاهرة ولقاءه السيسي تأتي لتؤكد هذا الموقف المصري الثابت، القائم على الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، وصون مؤسسات الدولة السودانية، وعلى رأسها القوات المسلحة. 

وأكدت أن توقيت الزيارة يكتسب أهمية إضافية في ظل التدهور الإنساني غير المسبوق.