Logo

حضرموت و"الانتقالي"... بين المعلن الأمني والسياسي الخفي

الرأي الثالث 

مع التوسع المفاجئ لـ"الانتقالي الجنوبي" شرق اليمن ظل الكيان الناشئ عام 2017 يردد أن عملية انتشاره تحمل دوافع أمنية بالمقام الأول كطرف في الشرعية هدفها تأمين مناطق تزود الحوثي بما يحتاج إليه من السلاح الإيراني قبل أن يلحقها خلال الأيام التالية بسلسلة إجراءات شملت التحشيد الجماهيري لأنصاره داخل ساحات المحافظات الجنوبية، 

والتصعيد السياسي عبر الوزراء التابعين له في قوام الحكومة المعترف بها الذين أعلنوا اليوم الأحد تأييدهم ودعمهم الكامل لـ’الانتقالي‘ وجاهزيتها لإعلان دولة الجنوب العربي".

ونشر كل من وزراء الشؤون الاجتماعية والعمل والخدمة المدنية والتأمينات والمياه والبيئة والثروة السمكية والزراعة والري ونائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة، في بيانات منفصلة ومقاطع فيديو كل منهم على حدة أعلنوا خلالها تأييدهم لإجراءات "الانتقالي" الذاهبة إلى "استعادة الدولة الجنوبية" 

ممهورة بخلفية مكتبية عُلقت عليها صورة زعيم "الانتقالي" عيدروس الزبيدي وعلم "جمهورية اليمن الديمقراطية" المعترف به قبل الوحدة مع الشمال 1990 في إجراء يكشف عن تصعيد جديد في خطوات المجلس الماضي في مشروعه،

 بعدما دعت البيانات الصادرة "دول التحالف العربي والمجتمع الدولي والأمم المتحدة لاحترام تطلعات شعب الجنوب وإرادته في استعادة دولته السيادية".

وفيما يستمد "الانتقالي" شرعية تحركه على الأرض من كونه طرفاً مهماً في الشرعية والقوى المناهضة للحوثي، ينفي في مواقع أخرى ارتباطه بها (الشرعية) ويقدم نفسه خصماً لها وصاحب الحق الحصري في تمثيل الجنوبيين وحمل مشروع استعادة دولتهم التي كانت قائمة قبل دخولها في وحدة طوعية مع الشمال اليمني خلال عام 1990، 

وهو تناقض يضعه في موقف مثير للتساؤل عن حقيقة أهدافه لكنه لا ينفك عن استخدامه للمناورة هنا وهناك.

بهذا يكشف هذا التيار جزءاً من رسائله السياسية التي يطرحها على أكثر من صعيد، بين محلي لكسب تأييد القطاع الجماهيري المطالب بـ"تقرير المصير" واستعادة الدولة،

 من خلال حشده هذه الأيام للساحات الهاتفة بهذا المطلب الذي لا ينكره أحد كورقة يضغط بها لتبرير سلوكه، ودولي يسعى من خلاله وفق مراقبين لكسب تأييد إقليمي ودولي لمشروعه التوسعي الجاري بمحافظتي حضرموت والمهرة.

والمجلس الانتقالي الجنوبي هو كيان سياسي يمني يتبنى مشروع "استعادة الدولة" الجنوبية بدعم من دولة الإمارات. تشكلت هيئته الرئاسية خلال الـ11 من مايو (أيار) 2017 إثر خلافات حادة بين قادته والرئيس السابق عبدربه منصور هادي، 

تضم هيئته عدداً من الشخصيات المنتمية لجنوب البلاد تمثل جغرافياً ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ويرأسه عيدروس الزبيدي الذي عين لاحقاً عضواً في مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الائتلاف اليمني المناهض للحوثيين.

الترمومتر في الرياض

مع انتشاره الواسع خلال الأسابيع الماضية داخل محافظتي حضرموت والمهرة اللتين تشكلان نحو نصف مساحة اليمن ضمن بقعة غنية بالثروات، يتضح مشروع "الانتقالي" الحثيث نحو إعلان "دولة الجنوب" على الحدود السياسية التي كانت قائمة عشية الوحدة اليمنية عام 1990 بين اليمن الجنوبي والشمالي، في ظل تعقيدات وتحديات سياسية واقتصادية وإنسانية ودولية وتثير المخاوف حول مستقبل البلاد،

 وما سيفاقمه هذا التصعيد في جسد البلد المهدد بالتمزق والاقتتال القائم على دوافع التوسع.

يرى المستشار في الرئاسة اليمنية ثابت الأحمدي أن لـ"الانتقالي" مشروعاً واضحاً ومعلناً، ولم يعد خافياً وهو يسعى حثيثاً لاستكماله معززاً بدعم رعاة إقليميين، في إشارة لفصل اليمن إلى جنوبي وشمالي. هذا المشروع وفقاً للأحمدي "يتنافى تماماً مع منظومة المرجعيات السياسية ومع مصالح اليمن ومصالح الأشقاء في الخليج وتحديداً السعودية، 

الدولة الراعية للقضية اليمنية التي يعول عليها اليمنيون كثيراً من الحسابات التي يمكن أن تنقذ اليمن من أزماته التي تعصف به".

ولكن نائب رئيس الإعلام في "الانتقالي الجنوبي" منصور صالح يقول إن عملياتهم في الشرق لم تكن إلا "ضرورة أمنية وعسكرية لقطع منافذ تهريب السلاح والمخدرات للحوثيين واستجابة للمناشدات المتكررة لأبناء الوادي والصحراء وحضرموت كافة، جراء ما يتعرض له أهالي تلك المناطق من قتل وتقطع على يد منتسبي المنطقة العسكرية الأولى".

ومثلما قوبل إصرار "الانتقالي" على السيطرة والتفرد بكامل التراب الجنوبي برفض الحكومة الشرعية ورئيسها رشاد العليمي وبعض أعضاء مجلسه الذي يضم في قوامه زعيم الانتقالي عيدروس الزبيدي، برز الموقف السعودي الرافض لتلك الإجراءات، فسارع العليمي إلى الرياض ومعه عدد من أعضاء مجلسه 

إضافة إلى رئيس حكومته سالم بن بريك "الجنوبي" وهو لجوء تعودت عليه القوى السياسية اليمنية عند كل منعطف تقابله 

ولهذا ينتظر اليمنيون ما الذي ستتوصل إليه السعودية في شأن هذه الأزمة. وخلال الأيام الماضية كان واضحاً أن موقف الرياض ظل بمثابة ترمومتر المواقف الدولية الذي يتأثر تبعاً لها لتأتي البيانات مؤكدة الحرص على وحدة البلاد ورفض الإجراءات الأحادية التي اتخذها الزبيدي وقواته.

يصف الأحمدي الوضع بـ"المتأزم جداً"، ولكنه على رغم ذلك يرى أن هناك "رفضاً محلياً واسعاً لمكون ’الانتقالي‘ من قبل المجتمع والنخب الاجتماعية التي تعول أملاً كبيراً على الدور الإيجابي الكبير للأشقاء في المملكة تحديداً، وعلى الجهود الحثيثة التي يبذلها رئيس مجلس القيادة الرئاسة الدكتور رشاد العليمي مسنوداً برجالات الدولة".

وتكتسب هذه المستجدات أهمية محلية وإقليمية واسعة، نظراً إلى المكانة التاريخية والاقتصادية التي تحظى بها محافظة حضرموت وموقعها الحساس، بما يميزها من مناطق اقتصادية ومنشآت عسكرية وخدمية وفي طليعتها مطار سيئون المنفذ الجوي الأبرز للكتلة البشرية القادمة من المحافظات الشمالية والشرقية،

 إضافة إلى أهمية موقعها بمحاذاة الحدود السعودية التي أوفدت فريقاً أمنياً وعسكرياً في زيارة تؤكد أهمية تحرك الرياض الفوري لاحتواء التصعيد داخل البلد الجار، والمساعدة في تطبيع الأوضاع الأمنية والعسكرية والخدمات.

ويرى مراقبون أن السعودية وهي الداعم الأكبر للحكومة تمكنت من نزع فتيل التوتر بعدما توصلت لاتفاق يقضي بانسحاب قوات "الانتقالي" وإحلال "قوات درع الوطن" الموالية للحكومة الشرعية، لكن الجزء الأبرز في الاتفاق لم ينفذ بعد، ممثلاً بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه وانسحاب قوات "الانتقالي" إلى المواقع التي تقع تحت يدها جنوب البلاد.

يقول الصحافي الموالي لحلف قبائل حضرموت المناوئ لـ"الانتقالي" عبدالجبار باجبير إنهم "يأملون على رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي والأشقاء بقيادة التحالف العربي ممثلاً بالمملكة العربية السعودية اتخاذ إجراءات رادعة إضافة لأبناء حضرموت الذين لن يصمتوا، لا سيما حلف قبائل حضرموت الذي يتخذ خطوات حاسمة وحدد موقفه من دخول هذه القوات منذ وقت مبكر وأعلن المقاومة ضدها".

لماذا لا تسند الجبهات؟

مقابل هذا دائماً ما يدعو "الانتقالي" ومعه قطاع يمني واسع إلى أهمية توحيد الجبهات ضد الحوثي، وترك الصراعات البينية بدوافع المصلحة والنفوذ داخل مناطق محررة أصلاً والتوجه نحو خطوط التماس مع مليشيا الحوثي شمالاً بدلاً عن التكدس في مناطق هادئة جنوباً في ظل احتياج جبهات القتال كما جرى سابقاً في الجوف ومأرب وشمال شبوة والبيضاء وغيرها من المناطق التي سقطت بيد الحوثيين،

 خصوصاً وتحركاته الأخيرة في حضرموت كما يعلق منصور صالح ، 

تأتي في إطار "تنفيذ اتفاق الرياض (الذي أبرم بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي خلال عام 2019 عقب سيطرة الأخير على العاصمة الموقتة عدن)، وينص على ضرورة خروج الوحدات العسكرية من المدن إلى جبهات القتال ضد الحوثي".

 يوضح صالح أن المنطقة العسكرية المعنية "لم تقم بأي دور عسكري وطني منذ 35 عاماً ووجودها يخدم تنظيم ’الإخوان المسلمين‘ لا أكثر 

إضافة إلى سيطرتهم على المناطق الغنية بالثروات". وأن هذا التوسع جاء "ضمن توحيد مسرح العمليات الجنوبية من عدن إلى المهرة ، 

وبهذا أصبح الجنوب اليوم مسرح عمليات واحداً وتأمينه بما يكفل توحيد الجبهات لمواجهة ميليشيات الحوثي دون الخشية من أية عمليات اختراق كما حدث في أوقات سابقة".
 
والمنطقة العسكرية الأولى محل الخلاف الأبرز، هي إحدى المناطق العسكرية اليمنية الثماني التي يقع مسرح عملياتها في وادي وصحراء حضرموت والمهرة ومركز قيادتها في مدينة سيئون وتتكون من سبع قوات قتالية. 

وتتهم خلال الحرب الأخيرة بالتبعية لحزب الإصلاح (جماعة الإخوان المسلمين) وتكتسب أهميتها بوقوع الحقول النفطية وشركات الاستخراج في نطاقها وتحت حمايتها وفي مقدمها شركة بترومسيلة في القطاع 14.

وأول من أمس الأربعاء دعا عيدروس الزبيدي لتوحيد الجهود نحو معركة صنعاء، قائلاً إن الهدف المشترك للقوى الوطنية المناهضة "يتمثل في تحرير مناطق الشمال الخاضعة لسيطرة الميليشيات وصولاً إلى العاصمة صنعاء"،

 وأضاف خلال استقباله قيادات جبهة مريس وحجر شمال محافظة الضالع، في قصر معاشيق الرئاسي بالعاصمة الموقتة عدن، أن "محاولات التشويش لن تغير مسار المعركة".

حق حمل المشروع

هذا الاحتدام اليمني يثير التساؤلات عن حقيقة دوافع الصراع ومستقبله، ويفتح باب التساؤل عن الأحقية في تمثيل الجنوبيين في ظل قوى جنوبية أخرى تناوئ مشروعه أو تختلف مع طريقته وخلفياته السياسية وتوقيته، 

ناهيك بجملة التحديات الاقتصادية والعسكرية وفي مقدمها مشروع استعادة العاصمة صنعاء من قبضة ميليشيات الحوثي المدعومة من النظام الإيراني.

ويقول المستشار الأحمدي إن الانتقالي "ليس الممثل الوحيد للجنوب ولن يستطيع بلع الجنوب كله لأسباب كثيرة، منها عدم تقديمه نموذجاً إيجاباً حتى اللحظة،

 وبخاصة أنه مسيطر على العاصمة السياسية الموقتة منذ أعوام طويلة ويسيطر على الموارد المحلية والقرار في الجنوب، 

وربما يكون في المستقبل أعجز عن تقديم شيء للجغرافيا الواسعة التي سيطر عليها".

والسبت الماضي قال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي إن مجلسه "ماض بثبات" في مشروعه السياسي الرامي إلى استعادة "دولة الجنوب"،

 وذلك غداة لقاء جمعه بوفد سعودي – إماراتي داخل عدن ناقش التطورات التي تقلق أبناء حضرموت عقب عامين على حال احتقان وتحشيد متصاعد بعد نشر "الانتقالي" قوات "الدعم الأمني" داخل مناطق الساحل، 

وهو ما قوبل باحتجاج محلي خصوصاً من قوات حماية حضرموت وحلف قبائلها بزعامة الشيخ عمرو بن حبريش الذي يدعو إلى إقامة حكم ذاتي للمحافظة.

ملاحقات لفرض الواقع

يقول باجبير إن حضرموت تعيش حالاً مزرية عقب هيمنة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بقوة السلاح وشنها حملات اعتقالات ومطاردات في حق المدنيين داخل عدد من المناطق، منها مدينة الشحر ومنطقة ريدة المعارة بهضبة حضرموت وكذا مناطق الوادي.

وشبه ما يجري بما "تقوم به ميليشيات الحوثي من خلال فرض سيطرة أمر واقع وملاحقة كل من يقف في طريقها". واتهم "الانتقالي" بـ"ملاحقة واعتقال المنتمين لحلف قبائل حضرموت (المناوئ لـ’الانتقالي‘) وأصدر أوامر قبض قهرية على رئيسه الشيخ عمرو بن حبريش العليي واللواء مبارك العوبثاني قائد قوات حماية حضرموت".

ويجدد مطالبهم في حلف حضرموت بـ"إقامة حكم ذاتي" لمحافظتهم "أمنياً وعسكرياً واقتصادياً وإدارياً ورفض وجود أية قوات وتشكيلات عسكرية تحت أي مبرر"، مشيراً إلى وجود "قوات درع الوطن التي تضم فيها فرقة حضرمية وإلى جانب قوات النخبة وقوات حماية حضرموت"، كقوات مقترحة ضمن صيغ حل الأزمة لتحل محل قوات "الانتقالي" كونهم "الأحق بحماية محافظتهم ومواردهم".

توفيق الشنواح 
صحافي يمني