السعودية تؤكد دعم الشرعية ورفض التحركات الأحادية جنوب اليمن
الرأي الثالث - وكالات
جددت السعودية، اليوم الخميس، قائدة التحالف الداعم للحكومة المعترف بها دولياً في اليمن، رفضها التحركات العسكرية التي قام بها "المجلس الانتقالي الجنوبي"
مطالبة في بيان اليوم، بسحب قواته وخروجها بسلاسة "وبشكل عاجل" من محافظتي حضرموت والمهرة الشرقيتين، اللتين سيطر عليهما مطلع هذا الشهر، معبرة عن رفضها الواضح تصرفه "الأحادي".
وحذرت السعودية من عواقب هذا التصعيد، "لتجنب حدوث ما لا تحمد عقباه"، في تجديد للموقف الرافض تحركات الكيان العسكري الذي يتبنى خيار "استعادة الدولة الجنوبية".
رفض من البداية
ومنذ بداية الأزمة شرق اليمن كان واضحاً موقف السعودية الرافض التحركات الأحادية لـ"المجلس الانتقالي" في حضرموت والمهرة المحاذيتين لحدودها الجنوبية، وما تشكلانه من عمق أمني واجتماعي
وأظهرت الأيام الماضية حرصاً على بقاء حال الهدوء الذي تعيشانه، على رغم الحرب التي شهدتها بقية المحافظات بفعل الانقلاب الحوثي المدعوم من النظام الإيراني.
ووفقاً لذلك أشارت الخارجية السعودية إلى أن "التحركات العسكرية في محافظتي حضرموت والمهرة التي قام بها أخيراً ’المجلس الانتقالي الجنوبي‘ قد تمت بصورة أحادية من دون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة التحالف".
وهو ما يعني موقفاً واضحاً من هذه التحركات التي سعت إلى إحداث أمر واقع رفضته الرياض والحكومة الشرعية المدعومة منها، واعتبرت أن هذا "أدى إلى التصعيد غير المبرر الذي أضر بمصالح الشعب اليمني بمختلف فئاته، والقضية الجنوبية، وجهود التحالف".
التعويل على الدبلوماسية
وفي إطار المعالجات الدبلوماسية التي انتهجتها الرياض إزاء هذه الأزمة، التي تسببت في حال من القلق المحلي والدولي من شبح الانهيار والتشظي بدوافع التوسع والسيطرة التي باتت تتهدد البلاد، وتفاقم الأزمة الإنسانية،
أكدت الرياض أنها عملت مع أبوظبي ومجلس القيادة والحكومة اليمنيين "لاحتواء الموقف" عبر إرسال وفد عسكري مشترك، وذلك "لوضع الترتيبات اللازمة مع ’المجلس الانتقالي الجنوبي‘ بما يكفل عودة قواته إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين وفق إجراءات منظمة تحت إشراف قوات التحالف"
مؤكدة أنها "آثرت طوال الفترة الماضية التركيز على وحدة الصف، وبذل كل الجهود للوصول إلى حلول سلمية لمعالجة الأوضاع في المحافظتين".
وأمام حال الرفض التي يبديها "الانتقالي" إزاء هذه الجهود حتى اليوم، وإبقائه قواته على رغم المقترحات التي تقدمت بها الحكومة الشرعية والسلطة المحلية في حضرموت بإحلال قوات "درع الوطن" محل المناطق المتنازع عليها
شددت السعودية على أنها ما زالت "تعول على تغليب المصلحة العامة بأن يبادر ’المجلس الانتقالي‘ بإنهاء التصعيد وخروج قواته بسلاسة وبشكل عاجل من المحافظتين".
وكان "المجلس" الذي انضوى في إطار الحكومة الشرعية، سيطر على أجزاء واسعة من المحافظات الشرقية، مع سيطرته السابقة عام 2019 على كل المحافظات الجنوبية، بما فيها العاصمة الموقتة عدن،
مبرراً تحركاته الأخيرة "بتأمين تلك المناطق من عمليات تهريب السلاح الإيراني إلى ميليشيات الحوثي، باعتبار المنطقة العسكرية الأولى (محل النزاع في حضرموت) لم تقم بأي دور عسكري وطني منذ 35 عاماً، ووجودها يخدم تنظيم الإخوان المسلمين"، وفقاً لنائب رئيس الإعلام في "المجلس الانتقالي" منصور صالح.
هذه التطورات التي قوبلت برفض الرئيس العليمي وحكومته تعني للشرعية وللسعودية توسع نفوذ "الانتقالي" على مناطق استراتيجية جديدة،
لكن وسط قلق أبناء حضرموت الجنوبية، التي تشهد منذ عامين حال احتقان وتحشيد متصاعدين بعد نشر "الانتقالي" قوات "الدعم الأمني" في مناطق الساحل، وهو ما قوبل باحتجاج محلي، خصوصاً من قوات حماية حضرموت وحلف قبائلها بزعامة الشيخ عمرو بن حبريش، الذي يدعو إلى إقامة حكم ذاتي للمحافظة.
اصطفاف الشرعية
ورداً على البيان السعودي، ثمن رئيس مجلس القيادة اليمني، رشاد العليمي، الخميس "الموقف الثابت للمملكة العربية السعودية إلى جانب شعب اليمن"،
وقال "نثمن جهود السعودية لخفض التصعيد في اليمن وحماية المركز القانوني للدولة، وأضاف "نؤكد التزامنا الشراكة مع السعودية وتوحيد الصف لتحقيق تطلعات اليمنيين".
سبق ذلك ترحيب من الحكومة اليمنية بالبيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية التي "ثمنت الدور القيادي الذي تضطلع به السعودية بالتنسيق مع دولة الإمارات في دعم مسار التهدئة ومعالجة الأوضاع بروح الشراكة والمسؤولية بما يكفل إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه".
ونوهت الحكومة اليمنية بما تضمنه بيان وزارة الخارجية السعودية من موقف واضح ومسؤول إزاء التطورات الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، وجهود السعودية الحثيثة الرامية إلى احتواء التصعيد وحماية مصالح الشعب اليمني، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المحافظات الشرقية.
وجددت الحكومة اليمنية، في بيانها، موقف الدولة الثابت من القضية الجنوبية، واستحقاقاتها الملزمة، باعتبارها قضية عادلة ذات أبعاد تاريخية واجتماعية وحقوقية، وقد حققت مكاسب مهمة في إطار التوافق الوطني القائم، وبما يضمن العدالة والشراكة ويحفظ السلم المجتمعي، بعيداً من منطق الغلبة أو التصعيد.
من جانبها أصدرت السلطة المحلية بمحافظة حضرموت بياناً أكدت فيه متابعتها ببالغ الاهتمام البيان الصادر عن وزارة الخارجية في السعودية الذي "عكس الحرص الأخوي الصادق على أمن واستقرار اليمن عموماً ومحافظة حضرموت خصوصاً"،
وفي هذا الصدد أكدت السلطة المحلية بالمحافظة الاستراتيجية والغنية بالنفط سلسلة من النقاط، منها تجديد السلطة المحلية في حضرموت "وقوفها الكامل والمطلق خلف رئيس ومجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية المعترف بها دولياً"
مؤكدة أن "التزام مؤسسات الدولة هو السبيل الوحيد لضمان الأمن والتنمية، كذلك تثمن السلطة المحلية عالياً الجهود المستمرة للسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في دعم استقرار المحافظة وتجنيبها منزلقات الصراع".
وقالت إن سلطة حضرموت المحلية التي تضم المحافظ سالم الخنبشي ومديري مختلف القطاعات التنفيذية، "تشارك الأشقاء في التحالف العربي الرأي بأن التحركات العسكرية الأحادية التي شهدتها المحافظة أخيراً والتي تمت من دون تنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي أو قيادة التحالف قد تسببت في تصعيد غير مبرر،
وأن مثل هذه الخطوات تضر بشكل مباشر بمصالح أبناء حضرموت، وتعوق جهود التنمية، وتؤثر سلباً في وحدة الصف الوطني في مواجهة التحديات الكبرى".
عودة إلى الثكنات
وكشفت السلطة المحلية عن ترحيبها "بوصول الفريق العسكري المشترك من السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى المحافظة"، من دون تحديد موعد وصوله،
مؤكدة "ضرورة عودة جميع القوات التي استحدثت مواقعها - في إشارة إلى قوات "المجلس الانتقالي" - إلى ثكناتها السابقة خارج المحافظة، وتسليم المعسكرات والمواقع الحيوية لأبناء حضرموت تحت إشراف السلطة المحلية، بما يضمن استتباب الأمن تحت راية الدولة".
وأكدت السلطة المحلية بحضرموت أن القضية الجنوبية قضية عادلة ذات أبعاد تاريخية عميقة، وأن مكانها الطبيعي هو طاولة الحوار السياسي الشامل،
معتبرة أن استغلالها في تحركات عسكرية ميدانية يضعف عدالتها ويشتت الجهود الرامية إلى الوصول إلى حل مستدام يحظى بتوافق واسع.
وكان رئيس دائرة الإعلام في حلف قبائل حضرموت، صبري بن مخاشن، قال إن "الانتقالي" شن ما وصفه بـ"غزو عسكري" في محاولة لفرض مشروع سياسي بالقوة على أبناء حضرموت، الذين يرفضون، من وجهة نظر المجتمع المحلي، أي مشاريع تفرض بالسلاح.
وأضاف بن مخاشن لـ"اندبندنت عربية" أن الحلف يسعى "إلى إقامة حكم ذاتي ضمن الجغرافيا اليمنية"، معتبراً أن نهج "الانتقالي" يشكل "سلوكاً خارج نطاق الشرعية الدستورية للدولة"
وهو موقف عبر عنه رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، إضافة إلى رفض المجتمع الدولي هذا النهج.
وفي إطار مشهد النفوذ والسيطرة في محافظة حضرموت، ضمن الصراع السياسي المحتدم في اليمن، ظلت هذه المناطق خارج النفوذ الكامل للمجلس الانتقالي،
على رغم محاولات تمدده في المكلا، المركز الإداري للمحافظة الأكبر مساحة والغنية بالنفط، ومدن أخرى، وصولاً إلى هضبة حضرموت،
ولا تزال بعض المواقع تحت سيطرة قوات "حماية حضرموت" الموالية لـ"حلف قبائل حضرموت"، الذي يتبنى رؤية لإدارة المحافظة بعيداً من أطراف الصراع،
إضافة إلى مدينتي العبر والوديعة على الحدود مع السعودية، في وقت تسيطر فيه ميليشيات الحوثي على صنعاء ومحافظات مجاورة شمالاً.
حماية الاستقرار الميداني
يرى المستشار السياسي الدكتور أحمد الخزاعي أن الموقف السعودي الأخير إزاء التطورات العسكرية في حضرموت والمهرة يعكس ثباتاً في مقاربة السعودية تجاه الملف اليمني،
ويؤكد أن دعم الرياض الشرعية لا يقتصر على الجانب السياسي، بل يشمل البعدين الأمني والعسكري، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن أي ترتيبات ميدانية يجب أن تتم حصراً عبر المؤسسات الشرعية المعترف بها دولياً، وفي مقدمها مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية.
ويشير الخزاعي إلى أن تشديد السعودية على التنسيق الكامل مع مجلس القيادة الرئاسي يهدف بالدرجة الأولى إلى منع انزلاق الأوضاع نحو صدام داخلي،
خصوصاً في مناطق حساسة مثل حضرموت والمهرة، التي تمثل عمقاً استراتيجيا لليمن من جهة الموقع الجغرافي والارتباط بالحدود البرية والبحرية، فضلاً عن دورها في حفظ التوازن الأمني في شرق البلاد،
ويرى أن أي تصعيد أو تحركات منفردة في هذه المناطق قد تفتح الباب أمام حال من الفوضى يصعب احتواؤها، وتنعكس سلباً على مجمل المشهد اليمني.
ويؤكد الخزاعي أن الموقف السعودي يحمل أبعاداً إقليمية واضحة، إذ يعكس حرص السعودية على استمرار التنسيق الوثيق مع شركائها في التحالف العربي، وفي مقدمهم دولة الإمارات، لضبط المشهد العسكري ومنع نشوء فراغات أمنية قد تستغلها أطراف أخرى، سواء داخل اليمن أو خارجه،
ويعتبر أن إرسال وفد عسكري سعودي - إماراتي مشترك لترتيب عودة القوات إلى مواقعها السابقة يشكل دليلاً عملياً على أن الرياض لا تكتفي بالتصريحات السياسية، بل تتحرك ميدانياً لضمان الاستقرار ومنع التصعيد.
وعلى المستوى الدولي يرى الخزاعي أن البيان السعودي يبعث برسالة واضحة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن السعودية لا تزال ملتزمة مسار الحل السياسي في اليمن،
وترفض أي خطوات يمكن أن تفسر على أنها إضعاف للدولة اليمنية أو تهديد لوحدتها، ويضيف أن هذا الموقف يوجه في الوقت ذاته رسالة مباشرة إلى القوى اليمنية المختلفة بأن الشرعية تمثل الإطار الوحيد المقبول لإدارة الترتيبات السياسية والعسكرية،
وأن أي تجاوز لهذا الإطار يعد تقويضاً لجهود السلام وإعادة بناء الدولة.
ويشير الخزاعي إلى أن توصيف التحركات العسكرية الأخيرة في حضرموت والمهرة بأنها أحادية من دون موافقة مجلس القيادة الرئاسي يحمل دلالات سياسية وأمنية عميقة،
إذ يهدف إلى نزع الغطاء السياسي عن هذه التحركات وإبرازها كتصرفات خارج السياق الشرعي والمؤسسي، ويعكس هذا التوصيف رفضاً سعودياً واضحاً لتفكك القرار الوطني اليمني، انطلاقاً من قناعة بأن وحدة الصف السياسي والعسكري شرط أساس لاستمرار الدعم الإقليمي والدولي.
ويخلص الخزاعي إلى أن الموقف السعودي يمثل إعادة تأكيد لخطوط حمراء إقليمية ودولية تقوم على رفض أي تغيير في المعادلة اليمنية خارج إطار الشرعية والحل السياسي الشامل
مؤكداً أن السعودية تسعى من خلال ذلك إلى الحفاظ على وحدة اليمن، ومنع الانزلاق نحو صراعات داخلية جديدة، وضمان أن أي تسوية مستقبلية تتم عبر المؤسسات الشرعية وبالتوافق مع المجتمع الدولي.