"الهدنة اليمنية الموسعة" تصطدم بأزمة الرواتب

عادت قضية رواتب الموظفين المدنيين في اليمن للظهور مرة أخرى في نفس الشهر الذي توقفت فيه عملية صرفها قبل نحو ست سنوات بعد أن دخلت طي النسيان خلال العامين الماضيين.
يأتي ذلك، على ضوء ما حملته التحركات الأخيرة لجميع الأطراف في إطار النقاشات التي تجريها الأمم المتحدة لإبرام اتفاق هدنة موسعة في اليمن، إذ يبرز ملف رواتب الموظفين المدنيين في طليعة القضايا التي ستحملها بنود توسيع الهدنة بالرغم من تعثر تنفيذ أهم إجراءات الهدنة المتفق عليها برعاية أممية منذ مطلع إبريل/ نيسان الماضي والمتعلقة بقضية فتح الطرقات في تعز وجميع المحافظات اليمنية.
ويعيش ما يقرب من 600 ألف موظف في الخدمة المدنية يعيلون أسرا يقدر عدد أفرادها بنحو 5 ملايين فرد للعام السادس على التوالي في معاناة قاسية بسبب التوقفات المتكررة لرواتبهم وانقطاع السبل بهم لعدم وجود أي مصادر دخل أخرى تعينهم على مواجهة متطلبات الحياة المعيشية المكلفة.
ومثلت رواتب القطاع العام أهمية بالغة وشريان حياة لملايين اليمنيين، لذا كان فقدانها وانقطاعها في طليعة العوامل التي أدت إلى تدهور الاقتصاد الوطني وانحدار العملة المحلية وتفجير أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم.
وتباينت التحركات والتصريحات التي رافقت أزمة الوقود الأخيرة ما بين رفض سلطة الحوثيين في صنعاء تمديد الهدنة دون أن تتضمن دفع الرواتب، أو دعوات الحكومة اليمنية المتواصلة حول ضرورة تخصيص إيرادات سفن الوقود الواصلة إلى ميناء الحديدة غربي اليمن لدفع رواتب الموظفين المدنيين.

وكشفت مصادر مطلعة عن تداول مقترح شامل لعقد هدنة موسعة في اليمن بحلول الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول يتضمن آلية شفافة وفعالة لصرف منتظم لرواتب موظفي الخدمة المدنية ومعاشات المتقاعدين المدنيين في اليمن، إضافة إلى بقية البنود الأخرى كفتح طرق إضافية في تعز ومحافظات أخرى والمزيد من الوجهات من وإلى مطار صنعاء الدولي وانتظام تدفق الوقود إلى جميع موانئ الحديدة.
يأتي ذلك، بالتوازي مع تحركات أخرى تستهدف إعادة تصدير الغاز الطبيعي المسال من ميناء بلحاف في محافظة شبوة جنوب اليمن المتوقف منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2015، لكن هذه الجهود تصطدم بتعقيدات واسعة بالنظر إلى وضعية الميناء والتوترات المحيطة به.
كذلك، كشف رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في تصريحات صحافية أدلى بها في نيويورك الجمعة 23 سبتمبر/ أيلول الجاري، رفض الشركة المستثمرة في تصدير الغاز اليمني، توتال الفرنسية، متذرعة بالوضع الأمني وتهديدات الحوثيين للشركات الأجنبية المستثمرة في قطاع النفط والغاز، تصدير الغاز والنفط من دون التنسيق مع صنعاء بهذا الخصوص.

اتساع دائرة الخطر
تسعى الأمم المتحدة من خلال اتفاق الهدنة الموسعة الذي تعمل عليه إلى إتاحة المجال أمام التحرك في عملية متعددة المسارات لمعالجة القضايا الإنسانية والاقتصادية وخلق بيئة مواتية للشروع في مناقشات حول وقف دائم لإطلاق النار في جميع أنحاء البلاد والاستعداد لاستئناف عملية سياسية يقودها اليمنيون تحت رعاية الأمم المتحدة.
وتعتمد الأطراف المعنية في مناقشة هذه الأزمة على ملحق خاص باتفاق استوكهولم، نص على أن تودع جميع إيرادات موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى في البنك المركزي اليمني من خلال فرعه الموجود في الحديدة للمساهمة في دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في محافظة الحديدة وجميع أنحاء اليمن.
وتبلغ معدلات نفقات الأجور لموظفي الخدمة المدنية سنوياً، وفق كشوفات الصرف المعتمدة للفترة من 2010 إلى 2014، نحو 572 مليار ريال سنوياً بمعدل 50 مليار ريال شهرياً (الدولار= 1125 ريالاً في عدن و560 ريالاً في صنعاء)، في حين يتسم الهرم الوظيفي في اليمن بتركز معظم الموظفين في المستوى الأقل وهم من ذوي الدخول الدنيا في الأسفل.

ودفعت هذه الأزمة عددا متزايداً من الأسر اليمنية التي تعاني الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي الحاد إلى اتباع آليات التكيف السلبية بعد فقدان مصدر دخلها الوحيد المتمثل بالراتب الوظيفي مثل الحد من استهلاك الأغذية، وبيع المنازل والأراضي والأصول الإنتاجية والماشية والأثاث.
غير أنه منذ مطلع العام الحالي بحسب رصد، وشمل عينة من الموظفين المدنيين في دوائر حكومية في العاصمة صنعاء ومحافظات إب والحديدة، أصبح كثير من هذه الأسر عاجزاً تماماً عن تأمين مصدر دخل مناسب وثابت بعد أن استنفدت معظم آليات التكيف المتاحة.
ووصلت نسبة الفقر في اليمن وفق تقديرات رسمية إلى نحو 80% من السكان، مقارنة بنحو 49% في آخر عام قبل اندلاع الحرب عام 2015، فيما يعاني أكثر من 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، ويحتاج 17 مليوناً إلى مساعدات لتلبية احتياجاتهم اليومية، وفق الأمم المتحدة.

وسلَّط أعضاء مجلس الأمن في جلسة خاصة باليمن انعقدت منتصف سبتمبر/ أيلول، الضوء على الفوائد الملموسة للهدنة على الشعب اليمني بما فيها ارتفاع كميات الوقود المتدفقة من خلال ميناء الحديدة لأربعة أضعاف، وتشغيل الرحلات الجوية التجارية من وإلى صنعاء التي نقلت 21 ألف مسافر ومسافرة لتلقي العلاج الطبي في الخارج ولمّ شمل أسرهم.
ودعوا الطرفين إلى تكثيف المفاوضات بشكل عاجل وإبداء المرونة في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة للتوصل إلى هدنة موسَّعة يمكن ترجمتها إلى وقف دائم لإطلاق النَّار، إضافة إلى ضرورة تكثيف تواصلهم مع المبعوث الخاص حول جميع جوانب المفاوضات، والامتناع عن وضع الشروط، وضمان عمل خبرائهم الاقتصاديين بشكل مقرب مع الأمم المتحدة، تنفيذاً لتدابير معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية، وللتوصل على وجه الخصوص إلى حلّ لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية.