بن سلمان يزيح ظلّ أبيه: العرش على بُعد خطوة

 على رغم أن الأوامر الملَكية السعودية المفاجئة الصادرة أوّل من أمس، وأبرزها تعيين وليّ العهد، محمد بن سلمان، رئيساً للوزراء، لا تُغيّر كثيراً في واقع الحال القائم في المملكة، باعتبار أن الرجل هو الحاكم الفعلي للبلد، منذ تولّيه منصبه في عام 2017، بعد انقلابه على ابن عمّه وليّ العهد السابق، محمد بن نايف.
 إلّا أن ما حدث لم يكن عادياً، بل هو يمثّل سابقة، منذ إقرار التلازُم بين منصبَي الملك ورئيس الوزراء في النظام الأساسي للحُكم، أيّام الملك الراحل فهد بن عبد العزيز.
 وإذ ربط معارضون بين هذا التطوّر وبين قرار متوقّع للمحكمة الأميركية التي تَنظر في دعوى ضدّ ابن سلمان في جريمة قتْل جمال خاشقجي، حول منْح حصانة قادة الدول لوليّ العهد من عدمه.
 إلّا أن للخطوة كما يبدو مدلولات أبعد، خصوصاً أن الأوامر شملت أيضاً تعيين خالد بن سلمان وزيراً للدفاع، وهو الذي تدور تكهّنات منذ تولّي شقيقه منصبه، بأنه الأقرب إليه وأنه سيكون وليّ عهده إذا أصبح الأخير ملكاً.
ومنذ أشهر، بل سنوات، تتزايد المؤشّرات إلى أن الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، لم يَعُد يؤدّي أيّ دور مهمّ في الحياة السياسية للمملكة، وأن وليّ عهده، محمد بن سلمان، يُمسك بناصية الحُكم منذ أن أطاح بكلّ منافسيه من الأسرة، واحداً بعد الآخر، من مراكز القرار كافّة، وركّز جميع السلطات في يده، ما خلا منصبَي الملك ورئيس الوزراء، وهما منصبان يباشرهما وليّ العهد بالفعل، وإنّما من وراء صورة أبيه. بالقرارات الأخيرة التي صدرت باسم سلمان، ولكنّها حملت بصمة ابن سلمان نفسه، وأبرزها تعيين الأخير رئيساً للوزراء، استثناءً من حُكم المادة السادسة والخمسين من النظام الأساسي للحُكم، والتي تنصّ على أن الملك هو رئيس مجلس الوزراء، ومن الأحكام ذوات الصلة الواردة في نظام مجلس الوزراء، يقطع وليّ العهد جزئياً هذا الرابط مع أبيه، ويصبح على مسافة خطوة واحدة من تولّي العرش، سواءً بوفاة سلمان أو بعزله، فهل يوحي ما يجري بأنه يمهّد للإطاحة بوالده في حياته، وهو ما لم يحصل في تاريخ السعودية، إلّا في حالة الملك الراحل سعود الذي عزله إخوته، بقيادة الملك فيصل؟ وفي الحالات المعروفة الأخرى، بقي كلّ ملوك السعودية، منذ عبد العزيز آل سعود، في مناصبهم حتى يوم الوفاة. وفي الحالة التي تحمل كثيراً من أوجه الشبه بين ثُنائية الملك ووليّ العهد، ظَلّ الملك فهد في منصبه على رغم أنه كان مقعَداً عاجزاً منذ عام 1997 حين أصيب بجلطة دماغية، حتى وفاته في عام 2005، وكان أخوه عبدالله يتولّى الحُكم فعلياً، إلّا أنه لم يصبح رسمياً ملكاً أو رئيساً للوزراء إلا بعد الوفاة.