بينما تشهد البلاد هدوءاً نسبياً منذ إعلان الهدنة.. السلام مازال متعثر باليمن

الرأي الثالث - خاص

ناقش مبعوث الامم المتحدة لليمن هانس غروندبرغ، اليوم الخميس، مع وزير الدولة البريطاني اللورد طارق أحمد جهود المنظمة الدولية لتحقيق السلام في اليمن، كما بحثا سبل ضمان الدعم الإقليمي والدولي المتضافر للدفع بالعملية السياسية في بما يشمل الحفاظ على وحدة ‎مجلس الأمن بشأن اليمن.

وفي وقت سابق وصف المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، الوضع في اليمن بـ "المعقد"، داعيا الأطراف اليمنية لتقديم تنازلات للوصول إلى إتفاق سياسي شامل لإنهاء الأزمة التي تشهدها البلاد منذ ثماني سنوات.

وقال غروندبرغ بإن "الأوضاع في اليمن من منظور إنساني واقتصادي ما زالت متردية والوضع صعب، ولا شك في أنَّ اليمن سيحتاج إلى الدعم من المجتمع الدولي في الفترة القادمة".

وأضاف بأنه وخلال السنة الماضية "رأينا تطورًا إيجابيًا على المسارين السياسي والعسكري، فقد أُبرِمَت هدنة قبل أكثر من سنة من خلال عملي أنا ومكتبي، وما زالت بنود الهدنة قائمة إلى حد كبير حتى هذا اليوم. والفرصة متاحة الآن أمامنا إذا ما أحسنت الأطراف التدبير وشارك الجميع مشاركةً بنَّاءة. فيمكننا أن نخطو الخطوة القادمة للسعي إلى اتفاق يجمع الأطراف لتنفيذ هدنة أكثر تضافرًا وانتهاج خطوات نحو عملية سياسية ووقف لإطلاق النار في جميع أنحاء اليمن. وأرى في ذلك فرصة يجب أن يغتنمها اليمنيون والمجتمع الدولي للمضي قدمًا".

وأوضح المبعوث الأممي، أن اليمنيين أثبتوا قادرون على تحقيق نتائج إذا اتفقوا، مشيرا إلى الهدنة كمثال مهم في هذا الصدد، وإلى إطلاق سراح المحتجزين قبل العيد مباشرة، واصفا ما جرى بأنه: "كان إنجازًا مهمًا بحد ذاته، وهو إنجاز مهم من الأطراف حيث أثبتوا للشعب اليمني أن بإمكانهم الاتفاق وأن الدبلوماسية ممكنة".

وأفاد بأن الأمم المتحدة ستواصل عملها لإيجاد حل مستدام للنِّزاع، والعثور على حلول ملموسة، غير أنه أكد أن الوصول إلى حل شامل ليس أمرا سهل المنال، وأنه يتطلب تقديم الطرفين للتنازلات للوصول إلى اتفاقية بذلك المستوى.

وأشار إلى أن الوضع الحالي تجري فيه مناقشات مستمرة على مستويات مختلفة لدعم جهود الوساطة التي تبذلها الأمم المتحدة لتقديم مقترحا إلى الأطراف يمكنهم الاتفاق عليه ويسمح بإجراء مفاوضات من أجل وقف دائم لإطلاق النار.

وأكد أن الاتفاق بين إيران والسعودية لا شك في أنه سينعكس على دعم التقدم في المسار اليمني، إلا أن الوضع في اليمن في غاية التعقيد ولا ينحصر على العلاقة العامة بين إيران والسعودية، لافتا إلى أن الاتفاق السعودي الإيراني يمكن أن يساعد، لكنه لن يحل الوضع بالكامل، مؤكدا أن "حل النِّزاع هو أمر في يد اليمنيين في النهاية".

وتحدث المبعوث الأممي عن الوضع في اليمن وأثر الحرب فيها وما تسببت به من معاناة إنسانية كارثية، مشددا على أن الحاجة قائمة لتقديم المجتمع الدولي الدعم إلى اليمن في المستقبل المنظور، مشيرا إلى أن العمل المتواصل الذي يبذله غروندبرغ على المسار السياسي سيساهم في تيسير الانتقال من الدعم الإنساني الصرف إلى التنمية بعيدة الأمد، مستدركا أنَّ حدوث ذلك مرهون باتخاذ الخطوات الجادة لوصول كافة الأطراف نحو وقف إطلاق شامل للنار في عموم اليمن والدخول في عملية سياسية للحصول على ثقة المانحين في أنَّ التنمية ستكون ممكنة.

تقرير حديث: الحوثيون لن يفوا بأي اتفاقات

وفي سياق متصل ووفق تقرير معهد الشرق الأوسط الأمريكي «MEI» أن الحوثيين لم يستأنفوا الهجمات عبر الحدود بينما امتنع السعوديون أيضًا عن استئناف حملتهم الجوية، وعمل الوسطاء العمانيون منذ أواخر عام 2022 لتعزيز المناقشات المباشرة بين السعودية والحوثيين.

وكجزء من هذا الجهد، سافرت وفود سعودية وعمانية إلى صنعاء في أوائل أبريل لإجراء محادثات مباشرة مع قادة الحوثيين. اختتمت المحادثات في منتصف أبريل/ نيسان، وتم إطلاق سراح ما يقرب من 900 محتجز لدى الحكومة والحوثيين في وقت لاحق كجزء من تبادل الأسرى لمدة ثلاثة أيام. وقد أفاد متحدثون باسم الحوثيين أن المفاوضات أحرزت تقدمًا. 

وتوقع المعهد الأمريكي، إجراء مزيد من المناقشات، حيث سافر كبار المسؤولين الأمريكيين إلى المملكة في الأسابيع الأخيرة لتعزيز جهود السلام في اليمن، ويواصل الدبلوماسيون أيضًا متابعة المفاوضات اليمنية - اليمنية من أجل تمديد وقف إطلاق نار يسمح بإجراء محادثات حول إطار لبدء الحوار السياسي، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق بعد.

وبينما كانت هناك بعض التعبيرات عن التفاؤل بأن وقف إطلاق النار المتجدد أو الموسع يمكن أن يؤدي إلى حل مستدام للصراع، لا تزال هناك أسباب كبيرة تدعو للشك، إذ فشل الحوثيون باستمرار في الوفاء بالتزاماتهم التي تعهدوا بها في المفاوضات السابقة التي تعود على الأقل إلى اتفاق ستوكهولم لعام 2019.

كما أصروا على وضع مطالب متطرفة على طاولة المفاوضات، بما في ذلك مطالبة الحكومة المعترف بها دوليًا بدفع ليس فقط رواتب الخدمة المدنية في كل من الشمال والجنوب ولكن أيضًا رواتب لميليشيات الحوثي - مما يتطلب فعليًا من الحكومة اليمنية دفع رواتب أولئك الذين يحاولون الإطاحة بها.

وقال المعهد الأمريكي: "باختصار، لم ينخرط الحوثيون في مفاوضات بحسن نية في الماضي وبكل الاحتمالات، لن يفوا بأي اتفاقات يبرمونها في غياب الضغط الخارجي".

أوضحت الرياض رغبتها في تخليص نفسها من الحرب، لكن حتى الانسحاب العسكري السعودي الذي طال انتظاره لن يحل الصراع وسيتجاهل دوافعه المحلية الأساسية. فقد بدأت الحرب في اليمن في سبتمبر/ أيلول 2014 باستيلاء الحوثيين على صنعاء، قبل التدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية بوقت طويل في مارس 2015.

حتى في حالة الانسحاب السعودي، يمكن أن يستمر الصراع بطريقة محلية بشكل متزايد، قد يختار الحوثيون استئناف حملتهم العسكرية في مرحلة ما في المستقبل، وقد قال الفاعلون المحليون الآخرون المتورطون في النزاع، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، إنهم لن يكونوا طرفًا في أي اتفاق سعودي-حوثي.

وكجزء من الصفقة السعودية الإيرانية في آذار/ مارس 2023، ورد أن طهران وافقت على وقف تسليح الحوثيين وثنيهم عن تنفيذ هجمات عبر الحدود داخل المملكة خصوصاً مع سجلها الحافل بانتهاك حظر الأسلحة المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216.

في نهاية المطاف، حققت طهران مكاسب استراتيجية كبيرة من خلال دعمها للحوثيين ومن غير المرجح أن تتخلى عنها لمجرد موافقتها على تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الرياض. كما أرسل الحوثيون سلسلة من الإشارات التصعيدية الأخيرة للتأكيد على استقلاليتهم عن طهران والنأي بأنفسهم عن الصفقة السعودية الإيرانية.

للمضي قدمًا، يجب على الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الدولية مواصلة دعم الجهود الدبلوماسية للأمم المتحدة، ورأى المعهد "أن أي حل دائم للصراع سيحتاج إلى جمع جميع الأطراف معًا، ما يمكنهم إعادة تأكيد دعمهم لوحدة وسيادة اليمن وكذلك الأمن والاستقرار الإقليميين".

وتابع: "ومهما كانت اللامركزية أو الفيدرالية التي قد تنشأ في نهاية المطاف من تسوية تفاوضية، فإن الانقسام غير المُدار والمدفوع بالصراع في الوقت الحالي يضر فقط باحتمالات وقف التصعيد".

اليمن أرضية مشتركة لتعاون موسكو وواشنطن

على الرغم من المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن العدوان الروسي في أوكرانيا والتي أدت إلى توقف كل مجال تقريبًا للاتفاق في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن اليمن هي إحدى القضايا التي يمكن لموسكو وواشنطن أن تجد فيها أرضية مشتركة.

أكدت المناقشات الأخيرة حول اليمن في مجلس الأمن على الحاجة إلى استئناف العملية السياسية للاستفادة من المساحة التي أوجدها تضاؤل القتال على نطاق واسع، ولا يزال دعم المانحين لبرنامج الاغاثة الانسانية والحماية الذي يعتمد عليه ثلثي السكان ضروريًا أيضًا وتقدر الأمم المتحدة التكلفة الإجمالية للبرنامج هذا العام بنحو 4.3 مليار دولار.

يمكن للولايات المتحدة وغيرها أن تدعم بالإضافة إلى ذلك الجهود المبذولة للحد من آثار الصراع في اليمن على المستوى المحلي، مثل دعم التفاوض على وقف إطلاق النار المحلي ومبادرات السلام - تمثل مبادرة السلام النسائية في تعز إحدى هذه الحالات. لا يحتدم الصراع في جميع أنحاء البلاد، وهذا يفتح الفرص لبدء الأنشطة الاقتصادية وبناء القدرات في المناطق التي لا يحدث فيها ذلك.