جبايات حوثية متصاعدة والكساد يضرب الأسواق اليمنية
الرأي الثالث
تتواصل حالة الغليان في الأوساط التجارية داخل مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، بعدما فشلت قيادة الجماعة في الالتفاف على مطالب تجار الملابس بإلغاء الزيادة الجمركية غير المسبوقة، التي تجاوزت نسبتها الـ200 في المائة، وكانت سبباً مباشراً لإعلان الإضراب الشامل الأسبوع الماضي.
ويأتي هذا التصعيد في وقت تشهد فيه الأسواق حالة كساد حاد، وسط شكاوى واسعة من الجبايات الحوثية المتعددة التي أثقلت كاهل التجار وتهدد استمرار العملية التجارية برمتها.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، أعلنت الجماعة الحوثية أن اجتماعاً ضم وزير المالية في حكومتها غير المعترف بها، عبد الجبار الجرموزي، والقائم بأعمال وزير الاقتصاد والصناعة والاستثمار سام البشيري، مع عدد من تجار الملبوسات، قد خرج بنتائج إيجابية، من بينها معالجة الإشكاليات القائمة وتعزيز التنسيق مع القطاع التجاري.
وادّعت الجماعة أن الاجتماع جاء ضمن رؤية لتأسيس «علاقة تكاملية» تسهم في دعم التنمية ومعالجة التحديات التي تواجه نشاط تجارة الملابس.
غير أن مصادر رفيعة في قطاع تجارة الملبوسات نفت هذه الرواية بشكل قاطع، ووصفت تصريحات وزارة المالية بأنها «محاولة جديدة للالتفاف على مطالب التجار» عبر بيانات تحمل لغة عامة ومكررة، دون أي التزام واضح بحل الأزمة الفعلية والمتمثلة في إلغاء الزيادة الجمركية التي فُرضت بهدف إرغام التجار على الاستيراد عبر المواني الخاضعة للجماعة تحت ذرائع دعم الصناعات المحلية.
وتؤكد المصادر أن الاجتماع لم يخرج بأي اتفاق جديد، كما أن ممثلي القطاع التجاري لم يلمسوا أي جدية في التراجع عن القرارات أو تقديم حلول عملية، عادّين أن البيان الصادر استُخدم عمداً لصناعة انطباع غير حقيقي بأن الجماعة استطاعت احتواء الأزمة.
وأضافت أن استخدام مصطلحات فضفاضة من قبيل «معالجات» و«إيجاد حلول مناسبة» و«علاقة تكاملية» يهدف فقط إلى تضليل الرأي العام والتخفيف من حدة الانتقادات.
لغة فضفاضة
حسب المصادر التجارية في العاصمة صنعاء، فإن فشل محاولة الالتفاف الحوثية يتضح بجلاء في خلو بيان الجماعة من ذكر أي معالجات ملموسة، أو حتى الإشارة إلى استجابة لمطلب إلغاء الزيادة الجمركية، أو تجميدها ولو بشكل مؤقت.
وقالت إن الجماعة تجاهلت عمداً السبب الجوهري للأزمة، والمتمثل في الزيادة الضريبية الباهظة، وهو تجاهل يعكس نية واضحة لفرض مزيد من الأعباء المالية، بدلاً من البحث عن حلول واقعية تعيد التوازن للقطاع التجاري.
وأكدت المصادر أن الحديث الحوثي عن دعم القطاع الخاص وتوطين الصناعات لا يستند إلى أي توجهات عملية؛ إذ إن دعم الصناعة المحلية يبدأ بخلق بيئة ضريبية مستقرة وعادلة، وليس عبر فرض جبايات مضاعفة ورفع الرسوم الجمركية إلى مستويات غير مسبوقة.
وفي السياق ذاته، قللت مصادر اقتصادية في صنعاء من أهمية تصريحات الجماعة بشأن دعم الصناعة المحلية. وقالت إن توطين الصناعة يحتاج إلى خطط تمتد على مراحل طويلة تبدأ بإعطاء امتيازات حقيقية للصناعة المحلية، بما يتيح لها منافسة المنتجات المستوردة من حيث الجودة والسعر، إضافة إلى توفير التسهيلات المالية اللازمة للمصانع المحلية حتى تتمكن من سد احتياجات السوق.
وطالبت هذه المصادر بإلغاء المنافذ الجمركية المستحدثة في مناطق التماس مع مناطق الحكومة المعترف بها دولياً، خصوصاً تلك التي تُفرض فيها رسوم إضافية على المواد الغذائية؛ الأمر الذي ضاعف من تكاليف النقل والبيع داخل الأسواق المحلية.
جبايات متعددة
يشكو التجار في مناطق سيطرة الحوثيين من جبايات متعددة تُفرض عليهم عند المنافذ الجمركية المستحدثة تحت مسميات مختلفة؛ ما أدى إلى فقدان هامش الربح بنسبة تزيد على 500 في المائة، وذلك في ظل ركود اقتصادي خانق وتراجع القدرة الشرائية للسكان إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات.
ويقول تجار إن الأسواق تشهد كساداً غير مسبوق، وإن قرار رفع الرسوم الجمركية جاء بمثابة الضربة القاصمة لحركة التجارة.
وكانت النقابة العامة لتجار الملابس، والخردوات، والأدوات المنزلية، والألعاب والدراجات النارية، والتحف والهدايا، والساعات والإكسسوارات والأدوات الكهربائية والعطور وأدوات التجميل قد تبنت الدعوة إلى الإضراب الشامل نهاية الأسبوع الماضي؛ احتجاجاً على قرارات وزير المالية الحوثي بزيادة الرسوم الجمركية،
ووصفت هذه الزيادات بأنها «جائرة وتلحق أضراراً مباشرة بالتجار وتزيد من إرهاق السوق المحلية».
وبينما يتواصل الغضب الشعبي، لا تزال الجماعة الحوثية تتمسك بقراراتها؛ وهو ما ينذر بمزيد من التدهور في النشاط الاقتصادي في مناطق سيطرتها، ويهدد بمزيد من الاضطرابات التجارية إذا لم تستجب لمطالب القطاع الخاص بإلغاء الزيادات الجمركية واستعادة الحد الأدنى من التوازن للسوق.