الثروة في قلْب الصدام المتجدّد .. حرب إلغاء في شبوة

في تطوّرات لم تكن متوقَّعة بالنسبة إلى الرياض وأبو ظبي، اشتعلت المواجهات في شبوة، بين القوات الموالية للإمارات، وتلك المحسوبة على حزب «الإصلاح». مواجهاتٌ غيّرت من ملامح الخارطة السياسية والعسكرية التي وضعها «التحالف» قبل أشهر، وعكست معركة شبوة تصادُم المصالح بين القوى المحلية الموالية لكلّ من الإمارات والسعودية في محافظة شبوة مجدّداً، بعدما رعت الدولتان مسعًى سابقاً لتسوية خلافاتهما، من خلال اتّفاق مقايضة تَعزّزت بموجبه سيطرة حلفاء الرياض على شبوة، مقابل تمكين القوات الإماراتية من السيطرة على جزيرة سقطرى. لكنّ هذه التسوية، التي أدّت إلى انفراد «الإصلاح» بشبوة، حيث أكبر قطاع لإنتاج الغاز الطبيعي وعدد من القطاعات النفطية، سرعان ما بدأت بالاهتزاز مع بروز تطلّع الحزب إلى إخراج القوات الإماراتية من منشأة بلحاف الغازية الواقعة على البحر العربي. ومن هنا، عادت المحافظة إلى آتون الصراع مرّة أخرى، تحت مبرّر تنفيذ «اتفاق الرياض» الموقَّع أواخر عام 2019؛ إذ تمكّنت أبو ظبي من إطاحة المحافظ السابق المحسوب على «الإصلاح»، محمد صالح بن عديو، ودفعت بنجل سلطان العوالق الموالي لها، عوض بن الوزير العولقي، إلى الحلول بدلاً منه في كانون الأول الفائت، مع إبقاء القيادات الأمنية والعسكرية الموالية للحزب في مواقعها.
إلّا أن هذا الاتفاق لم يصمد، بدوره، طويلاً، بعدما أعادت تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، احتياطات الغاز المسال اليمني البالغة 10.2 تريليون قدم مكعّب إلى قائمة الاهتمامات الأميركية - الفرنسية. ومنذ مطلع آذار الماضي، كثّفت واشنطن وباريس جهودهما في سبيل تهيئة الأوضاع في شبوة أمنياً وعسكرياً، للبدء باستخراج الغاز وتصديره، بما قد يسدّ جزءاً من حاجة الأسواق الأوروبية.
وفي هذا الإطار، مارست فرنسا ضغوطاً كبيرة على «المجلس الرئاسي» خلال الفترة الماضية، وقدّمت وعوداً بمساعدات اقتصادية لحكومة عدن. ووفقاً لمصادر اقتصادية، فإن الإمارات تمكّنت أخيراً من إطاحة وزير النفط السابق، عبد السلام باعبود، على خلفية رفضه مطلع نيسان الماضي، إملاءات إماراتية - فرنسية بشأن الموافقة على إعادة إنتاج الغاز المسال في شبوة، من دون تعديل أسعار بيعه المقيّدة بـ3 دولارات لكلّ مليون وحدة حرارية، في ظلّ ارتفاع أسعاره في الأسواق العالمية إلى أكثر من 40 دولاراً.
وتبدو المعركة الدائرة في شبوة فاصلة ومصيرية بالنسبة إلى طرفَي الصراع، وعلى ضوء نتائجها سيرتسم مشهد سياسي وعسكري جديد، الأمر الذي يفسّر حجم الحشود المتضادّة بين الطرفَين، فإذا ربِحها المدعومون إماراتياً كان ذلك بمثابة الخطوة ما قبل الأخيرة لإخراج «الإصلاح» من المشهد نهائياً، أمّا إذا تمكّن الأخير من الصمود والاحتفاظ بمكاسبه، فسيمثّل هذا تحدّياً جدّياً للإمارات، التي لم تحتمل مقاسمتها نفوذها في شبوة.
وبرأي مراقبين، فإن انتصار الطرف المؤيّد للإمارات سيفتح الباب على معركة أخرى حاسمة في وادي حضرموت، كانت أبو ظبي تحضّر لخوضها ضدّ قوات «المنطقة العسكرية الأولى»، المعقل الأخير لـ«الإصلاح» في الجنوب. ومن أجل هذه المعركة، أسّست الإمارات عدداً من الألوية إضافة إلى «النخبة الحضرمية»، كمكوِّن قبَلي وعسكري رديف للقوات الموالية لها. ولهذا السبب تحديداً، يتعامل «الإصلاح» مع مواجهات شبوة على أنها معركة وجودية بالنسبة إليه، وهزيمته فيها بمثابة الخطوة ما قبل الأخيرة لإخراجه من المشهدَين السياسي والعسكري نهائياً.