مفاوضات مباشرة بين الرياض وصنعاء بعيداً عن واشنطن !

الرأي الثالث - خاص

في وقت يُراوح فيه الوضع في اليمن في خانة اللاسلم واللاحرب، برزت، في الأيام الأخيرة، مؤشّرات سياسية لإنهاء الجمود الذي رافق الهدنة اليمنية خلال الفترة الماضية.

حيث كشفت مصادر سياسية مُواكبة للمفاوضات، إن التواصل المباشر بين الحكومة السعودية وحكومة صنعاء لم ينقطع منذ لحظة الإعلان عن انتهاء الفترة الأخيرة من الهدنة في الثاني من تشرين الأوّل الفائت، من دون النجاح في الوصول إلى اتّفاق جديد لتمديدها.  

وقالت المصادر أن الرياض تفاوض صنعاء مباشرةً بشأن عدد من الملفات الجوهرية، وبمعزل عن المسارات التي تمضي فيها الأمم المتحدة أو تفرضها واشنطن، حيث تمّ البحث في ملفّ الهدنة وشروط تمديدها وسقف التسهيلات الذي يمكن للسعودية أن تَبلغه في سبيل الوصول إلى تمديد جديد، على أن يتمّ في مرحلة لاحقة البحث في مُدّته، وصولاً إلى شروط الحلّ النهائي ومتطلّباته.

وأشارات المصادر أن وفداً رسمياً سعودياً التقى بصورة مباشرة مسؤولين و ممثلين عن سلطة صنعاء (لم يحدِّد المكان) ، في نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، وناقش الطرفان عدداً من القضايا الجوهرية، وأبرزها أن الوفد السعودي طرح مخاوف الرياض، وأبدى حرصها على إيجاد مخرج من اليمن. ولم يُخف انزعاجه من عملاءه الذين باتوا عبئاً ثقيلاً على المملكة، بينما طرحت صنعاء، في المقابل، ملفات أبرزها رفع الحصار، وسحب القوات الأجنبية، وإعادة الإعمار، بالإضافة إلى ملفات أخرى، بينها دفع المرتبات، وملف الأسرى.

وتشير المصادر إلى أن الوفد السعودي لم يمانع تجاه هذه المسائل الجوهرية، باعتبارها استحقاقاً وطريقاً للحل، غير أن رئيس الوفد  السعودي استدرك بالقول حرفياً إن "السعودية أيضاً تضررت من الحرب، وإن ترميم أرامكو، عقب ضربة بقيق وحدها، كلّف المملكة 500 مليون دولار، فضلاً عن خسائر في المبيعات تجاوزت 50 مليار دولار"، فردّت عليه صنعاء بالقول إن "السعودية كانت في غنىً عن الحرب العدوانية على اليمن".

وتتضافر المعلومات في هذا السياق، إذ كشف عضو وفد الحوثي المفاوض، عبد الملك العجري، في تغريدة نشرها في "تويتر"، يوم الـ 29 من تشرين الأول/أكتوبر، أن "المفاوضات مع السعودية لا تعني استبعاد الاطراف اليمنية الأخرى عن الحل السياسي، وأن الحديث إلى السعودية ينحصر في وقف الحرب، ورفع الحصار، وإعادة الأعمار.

وفي المرحلة السياسية، ستكون هذه الاطراف جزءاً من الحل السياسي، لكن على أساس الثوابت الوطنية، ووحدة اليمن وسيادته، وإنهاء هذه الاطراف تبعيتها للخارج".

الجدير ذكره أن المفاوضات بين صنعاء والرياض تجري بمعزل عن مسارات الأمم المتحدة،  مع أن زيارة الوفد السعودي إلى صنعاء، تزامن مع زيارة مماثلة للممثل الأممي هانس غراندبرغ لمسقط انتهت في 2 شباط/نوفمبر، وأعقبهما زيارة للمبعوث الأميركي تيم ليندر كينغ للسعودية والإمارات، وكأنّ هناك تنسيقاً أميركياً أممياً سعودياً بشأن الأمر. 

ما تجدر الإشارة إليه أن خطوط الاتصالات بين صنعاء والرياض لم تنقطع، حيث أكدت الرياض وصنعاء ذلك أكثر من مرة، لكنها دخلت، كما يبدو، مرحلة جديدة، وانتقلت من الاتصال عبر وسطاء إلى اللقاءات المباشرة. بعضها معلن كزيارة الوفود واللجان الفنية في ملف الأسرى قبل قرابة شهر، وبعضها مضمَر، لكن تبقى المخاوف من أن تكون اللقاءات المباشرة، كما الاتصالات غير المباشرة، عديمة الجدوى، ذلك بأنه مضى قرابة شهر كامل على تلك الزيارات من دون جديد يُذكَر بشأن تحريك الجمود في ملف الأسرى، على رغم ما رافق تلك الزيارات وما تلاها من أجواء وحديث إيجابي، وما أطلقته السعودية من تعهدات رسمية تقضي بـ"معالجة الإشكاليات مع أتباعها"، و"إنهاء ملف الأسرى وتبادل كل أسرى الحرب". 

إلى الآن، يبدو أن رؤى الرياض وواشنطن تتقاطع عند إيجاد حلّ في اليمن، وإنْ كانت الأولى تُفضّل التوصّل إلى حلّ شامل للحرب، فيما تُؤثِر الثانية، في هذه المرحلة تحديداً، حلولاً مرحلية مِن مِثل تمديد مستمرّ للهدنة، بشكل يمكّنها من مواصلة استخدام الملفّ اليمني كـ«ورقة لعب» مثمرة، خصوصاً مع توتّر العلاقات بين الإدارة الأميركية ووليّ العهد السعودي، والذي كانت نتائج حرب اليمن أحد مسبّباته.

وسواء، وَفَت السعودية المكبَّلة بالقرار الأميركي، أو لم تفِ، فإن هذا التطور في المسار التفاوضي، مضافاً إليه تبادل اللجان الفنية في ملف الأسرى بين صنعاء والرياض، بصورة علنية، وعلى نحو غير مسبوق، يعني عملياً أن المسألة تجاوزت اتفاق الهدنة، إلى مسار أوسع قد يُنهي جذور الأزمة، ويفتح الأفق نحو الحل الشامل، لكنّ الأمر مرهون بمدى جدية النظام السعودي، الذي هو في أمسّ الحاجة إلى تدوير الزوايا والنزول من فوق الشجرة، وإيجاد مقاربات عادلة وطرق آمنة للخروج من المستنقع اليمني المكلف، كما أثبتت التجربة، خلال ثمانية أعوام خلت. وإن أراد أن يسلك هذا المسار فليس عيباً ولا خطيئة، بل الخطيئة والخطأ الاستراتيجي أن يواصل الانتحار في اليمن، المعروف تاريخياً بـ "مقبرة الغزاة".