مباحثات بين الحوثيين والسعودية في عاصمة عربية

الرأي الثالث - خاص
 
لا يزال «الستاتيكو» يَحكم المشهد اليمني، حيث يسير خيارا التصعيد العسكري والتسوية السلمية بوتيرة متشابهة من السرعة وتشكُّل الظروف المناسبة لكلَيهما، ولم تتوقّف سلطنة عُمان عن بذل الجهود في سبيل إيجاد حلّ يرضي جميع الأطراف.

ولا تزال الأوضاع في اليمن تُراوح في خانة اللاسلم واللاحرب، وهي الحالة التي أعلنت صنعاء أخيراً، وبشكل واضح ومكرَّر، عدم قبولها بأن تصبح أمراً واقعاً، متعهّدةً بوضع حدّ سريع لها، من شأنه أن يَحسم وجهة الأمور: إمّا إلى السلام الذي يلبّي شروطها، أو الحرب التي تُمكّنها من فرْض هذه الشروط. وفي ظلّ تلك المراوحة، تصاعدت نبرة صنعاء المهدِّدة بإعادة إشعال الجبهات.

وفي السياق كشف القيادي الجنوبي المقرّب من حزب «الإصلاح»، عادل الحسني، عن «لقاء جمع وفداً من حكومة صنعاء ووفداً سعودياً في عاصمة عربية، تطرّق إلى تثبيت وقف إطلاق النار من الطرفَين بما يشمل الطلعات الجوّية والمسيّرات والصواريخ، ودفْع مرتّبات جميع الموظفين وفق كشوفات عام 2014 في جميع المحافظات اليمنية».

وأضاف الحسني، في سلسلة تغريدات، أن «اللقاء تطرّق إلى السماح بدخول سفن المشتقّات النفطية والمواد الغذائية بعد تفتيشها في جيبوتي وعدم تأخيرها، والبدء في عملية حوار ترعاه عدّة جهات محايدة»، متابعاً أن «نقطة الخلاف حتى الآن، والتي قد تعيق الإعلان عن وقف كلّي لإطلاق النار والدخول في مفاوضات سلام، تتمثّل في اشتراط حكومة صنعاء قَبل أيّ حوار انسحاب القوى الخارجية من اليمن من دون قيد أو شرط».

وبما أن الوقت بدأ ينفد، في ظلّ تأكيد صنعاء أنها لن تنتظر الحلّ إلى ما لا نهاية ، وفي انتظار ذلك، تشي المعلومات الأخيرة الواردة من صنعاء بأن الأمور الآن قد وصلت إلى المراحل الأخيرة من التفاوض، حيث لا تفتأ الرياض تبعث بإشارات إيجابية حيال التزامها بتنفيذ الاتفاقات، خصوصاً ما يتعلّق منها بملفّ التعويضات، ولهذه الغاية منعت حكومة عدن من القيام بإجراءات اقتصادية في إطار اعتبار «حركة الحوثي» حركة إرهابية.

وظهرت معالم تلك القناعة بوضوح أثتاء زيارة الوفد العماني إلى صنعاء والمفاوضات بشأن تمديد الهدنة؛ إذ بحسب مصادر مطلعة رفعت صنعاء أربعة عناوين أساسية في وجه الرياض، التي أعلنت الموافقة المبدئية عليها، على أن تخضع للتفاوض التفصيلي، وهي: رفع الحصار، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية اليمنية، ودفع التعويضات، والخروج من اليمن. 

وفي المقابل، طالبت السعودية بـ«ضمانات» بأن لا يشكّل اليمن تهديداً للسعودية وأمنها. وتَكشف المصادر أن المملكة طرحت مسألة الضمانات أمام إيران وسلطنة عُمان أيضاً، مشيرةً إلى أن صنعاء أبدت الاستعداد لـ«تبديد مخاوف الرياض الأمنية إذا كان ذلك يساعدها في التوصّل إلى قرار حاسم بالالتزام بما يُتوصَّل إليه في المفاوضات حيال الحلّ الشامل والنهائي للملفّ اليمني».

 على أن «يمن ما بعد الحرب» يقف عقبة كبيرة أمام تطوّر مشروع ابن سلمان لتحويل السعودية إلى مركز تجارة عالمي، فضلاً عن أن القيادات السعودية بأجمعها توصّلت إلى قناعة مفادها بأنه لم يَعُد بإمكانها تطويع اليمن، مُسلّمةً بأن هذا البلد أصبح خارج فلكها، خصوصاً في ظلّ خريطة القوى التي أنتجتها ثماني سنوات من الحرب.

فالمملكة اليوم، وبعد نجاح جارتها الصغرى قطر في تنظيم «المونديال»، والذي ينضمّ إلى النموذج «الناجح» والمُنافس الذي تقدّمه جارتها الأخرى، وشريكتها في العدوان، الإمارات، على مستوى الاقتصاد والتجارة العالمية، تَعزّزت قناعتها بأن «حربها» هي «حرب موارد واقتصاد».

 وهو ما كان جلّاه مثلاً حديث وزير الطاقة، عبد العزيز بن سلمان، في تشرين الأوّل الماضي، على هامش إحدى فعاليات «الاستراتيجية الوطنية للصناعة» التي أطلقها ابن سلمان، عن «حسرة كبرى»، قائلاً: «لقد أضعنا 40 سنة كان باستطاعتنا أن نكون خلالها مثل الهند والصين في مجال الصناعة، ولكنّنا قرّرنا ألّا نُضيّع وقتاً آخر».

على أنه هنا، يصبح العامل الأميركي أكثر تأثيراً على السعودية، حيث تسعى إدارة الرئيس جو بايدن بكلّ قوتها إلى إبقاء حالة اللاحرب واللاسلم هي السائدة، كونها مستفيدة من هذا الوضع أولاً، وراغبةً ثانياً في أن يبقى اليمن ورقة ابتزاز في التوتّر بينها وبين ابن سلمان.

 وعليه، سيكون على وليّ العهد إيجاد الحلول المناسبة لمشكلته مع إدارة بايدن، ومن ثمّ تأمين الظرف الأمثل لنجاح مخطّطاته الخاصة بمستقبل المملكة. 

وفي المقابل، تتواصل على الأرض، جنوباً وشرقاً، تحرّكات القوى والفصائل الموالية للسعودية، وتلك المدعومة من الإمارات، والتي انضمّت إليها أخيراً الجماعات المموَّلة من قطر، لتثبيت مواقعها وتقوية أوراقها وخلْق واقع جديد قد يُستفاد منه في حال وقْف الحرب أو استئنافها.