الحوثيون يلاحقون شباناً هتفوا ضدهم بجنازة ناشط قُتل في سجونهم في إب

 بدأت جماعة الحوثي ملاحقة شبان يمنيين في مدينة إب "وسط البلاد"، بعد احتشادهم أمس الخميس في جنازة ناشط قُتل بأحد سجون الحوثيين الأحد الماضي 19 مارس/ آذار، وهتفوا ضد الجماعة، التي يتهمونها بتصفية الشاب الذي كان يهاجمهم بشكل حاد في مواقع التواصل الاجتماعي. 

وقالت مصادر محلية بمدينة إب، إن قوات أمنية تابعة للحوثيين حاصرت أحياء المدينة القديمة في إب صباح اليوم الجمعة، ونشرت عدداً من الأطقم العسكرية في مداخل الحارات بحثاً عن الشبان الذين خرجوا في الجنازة، وتحسباً لأي احتجاج شعبي ضدهم. 

وأفادت المصادر بأن مليشيا الحوثيين شنوا، مساء الخميس، حملة واسعة ضد الشبان الذين خرجوا في الجنازة واعتقلوا عدداً منهم، وما زالوا يترصدون لآخرين للقبض عليهم، وغالبيتهم من أبناء المدينة القديمة التي سبق وأن نفذت ضدها حملات عدة، خلال الأعوام الماضية، لأسباب تتعلق برفض جماعة الحوثي. 

وقُتل الناشط والإعلامي حمدي عبد الرزاق الخولاني، والمعروف في الأوساط الشعبية بـ "المكحل"، داخل إدارة أمن محافظة إب الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، بعد أشهر من اعتقاله، وما زالت ملابسات قتله غير واضحة، حيث يرفض الحوثيون الاتهامات لهم بتصفيته داخل السجن، ويزعمون فراره من السجن. 

وأثار مقتل "المكحل" غضباً واسعاً في الأوساط الشعبية في مدينة إب القديمة (الحي الذي يسكنه الشاب). واحتشد المشيعون لتشييع جنازته أمس الخميس، وهتفوا بشعارات ضد جماعة الحوثي، وجرى تداول فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرينه ضحية للقمع الذي يمارس ضد المواطنين منذ سيطرة الحوثيين على المدينة. 

ما قصة الشاب "المكحل"؟

في أواخر أكتوبر/ تشرين أول 2022، اعتُقل الشاب حمدي عبد الرزاق (المُكحل) للمرة الثانية، بعد حملة عسكرية حاصرت منزله والحي الذي يسكنه في المدينة القديمة بمديرية المشنة بمحافظة إب، لأيام عدة، وذلك بعد انتقاده الحوثيين وزعيمهم بشكل لاذع في قناته على يوتيوب بسبب الوضع المعيشي في البلاد. 

وتحدثت ثلاثة مصادر في مدينة إب اليمنية عن قصة الشاب "حمدي"، وقالت إن قصته مع الحوثيين بدأت بعد نحو عام، عندما فرضت جماعة الحوثي "الصرخة" التي تنادي بـ"الموت لأميركا وإسرائيل" في المسجد القريب من منزل الشاب، والذي اعترض عليها مع عدد من شباب الحي، مما جعلهم عرضة للملاحقة من قبل الحوثيين. 

وقال مصدر من أبناء الحي في المدينة إن الحوثيين اعتقلوا الشاب في منتصف العام الماضي 2022، ومن ثم أطلقوه، وعاد بانتقادات أكبر للحوثيين، الذين حاولوا مرات عدة اعتقاله، لكن شبان الحي من رفاقه وقفوا ضد الحملات الأمنية ومنعوها من سجنه، إلا أنهم بحيلة اعتقلوه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. 

وأفاد المصدر: الشاب حمدي رجل بسيط جداً، لكنه كان أكثر الشباب غضباً ضد الحوثيين، وصل إلى حالة أنه كان يطلب من الحوثيين في فيديوهات أنهم إذا أرادوا قتله فهو مستعد، وكان يصرخ أنه ليس أمامكم إلا أن تقتلوني، ولن أسكت عن الباطل، وكان يشتم بحدة. 

وقال مصدر حقوقي إن طريقة مقتله ما زالت غامضة إلى الآن، ولا شيء دقيق إلى الآن، إلا أن المؤكد أن الشاب حمدي كان مسجوناً لدى إدارة أمن الحوثيين، وكان يشتم وينتقد الحوثيين بشكل كبير، وشجاعته كانت تلقائية وتعبر عن حالة من الغضب. 

من جهة أخرى، نفت إدارة أمن محافظة إب التابعة للحوثيين تعرض الشاب حمدي عبد الرزاق للتعذيب والتصفية. وقالت إن حمدي قفز من شباك دورة المياه في السجن فجر الأحد، وهرب إلى إحدى الحارات في المدينة، ومن ثم وصل بلاغ عن وجود جثته في بدروم عمارة قيد الإنشاء في اليوم ذاته الساعة التاسعة.

 وأفادت بأن سبب اعتقاله "شكاوى بالسب والشتم والقذف بقناته على يوتيوب على إحدى الأسر من جيرانه". 

من جانب آخر، اتهمت الحكومة اليمنية جماعة الحوثي بتصفية الشاب حمدي عبد الرزاق، بعد خمسة أشهر من مداهمة منزله بمدينة إب واعتقاله، وقالت إن ذلك بسبب "انتقادات وجهها للحوثيين وكشفه ممارساتهم الإجرامية وفساد قياداتهم والأوضاع المأساوية التي يعيشها غالبية اليمنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم". 

ورأى مراقبون وناشطون يمنيون أن "الأصوات الغاضبة من الحوثيين والهتافات في جنازة الشاب حمدي "هي جزء من حالة الكبت والتضييق التي فرضت على المدينة، وبالتزامن مع الأوضاع المعيشية الصعبة الناجمة عن تداعيات الحرب". 

وخلال الأشهر الماضية، بدأ صوت المواطنين يرتفع بين الحين والآخر على شكل مواجهات مسلحة محدودة بين عناصر من أبناء المدينة القديمة تحديداً، وظهرت أصوات تندد بالفساد والجرائم والقمع والتنكيل و التفرقة المناطقية والمذهبية. 

وعمدت مليشيات الحوثيين منذ سيطرتهم على مدينة إب إلى التوغل في الأحياء القديمة مستغلة وجود الأسر الهاشمية الموالية لها التي استوطنت تلك المدن منذ أمد بعيد، ودفعت الجماعة لفرض إجراءات كثيرة تهدف إلى تطييف المجتمع، وتغيير قناعاته طائفياً بالقوة، وقامت بتأجيج الصراعات الأسرية في المدينة التي لها تاريخ كبير في النضال منذ عهد الإمامة في منتصف القرن الماضي".