العودة إلى المدارس كابوس يؤرق اليمنيين .. تكاليف باهظة لتعليم منهار

تعتبر العودة إلى المدارس بمثابة كابوس يؤرق اليمنيين في عموم مناطق ومحافظات البلاد، حيث تحول التعليم إلى تجارة واستثمار مربح على كافة المستويات، سواءً من خلال تقديم الخدمة عبر التعليم الأهلي والخاص، أو تكاليف الرسوم الدراسية التي تفرضها مدارس القطاع العام، إلى جانب أسعار المستلزمات الدراسية والتي وصلت إلى مستويات قياسية تفوق قدرات وإمكانيات معظم اليمنيين. 

تضاعف الرسوم الدراسية زاد من معاناة الأسر اليمنية التي رأت في ذلك عبئاً جديداً عليها، في ظل معاناتها منذ بدء الحرب قبل أكثر من ثماني سنوات، وما نجم عن ذلك من أزمات اقتصادية أبرزها انقطاع الرواتب، وانعدام فرص العمل، وارتفاع الأسعار، وانهيار القيمة الشرائية للريال اليمني أمام العملات الأجنبية.

وبدأ العام الدراسي في مناطق الحكومة الشرعية في 27 أغسطس/آب. أما في مناطق سيطرة الحوثيين، فقد بدأ في 22 يوليو/ تموز الماضي. وكان خيار البدء المبكر مرتبطاً بتعطيل الدراسة خلال شهر رمضان المقبل.

وتُدير وزارتا التربية والتعليم التابعتان للحكومة الشرعية وجماعة الحوثيين، العملية التعليمية في اليمن بتقويم دراسي مختلف، وبمنهاج معدل في مناطق الحوثيين. وتعاني مدارس البلاد من أزمة توفير الكتاب المدرسي، وتلجأ بعضها إلى توزيع كمية أقل من الكتب يتشاركها الطلاب طوال العام الدراسي، فيما تعيد مدارس أخرى توزيع الكتب المستعملة على الطلاب الجدد. 

ومن بين أبرز مشاكل التعليم في اليمن، تزايد عدد المدارس الأهلية في مقابل تراجع عدد المدارس الحكومية، وخصوصاً خلال الحرب. وتعرّض عدد من المدارس الحكومية للقصف والتدمير، كذلك استُخدِم عدد كبير منها كمقارّ عسكرية لأطراف الحرب المختلفة، ما جعلها خارج نطاق الخدمة، ليضطر الطلاب إلى الالتحاق بالمدارس الأهلية لكونها الخيار المتوافر. أضف إلى ما سبق أن عدداً كبيراً من المدارس الحكومية تقع عند خطوط التماس في جبهات القتال، ما أدى إلى إغلاقها.

وبحسب تقرير سابق لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، فإنه منذ بداية النزاع في مارس/ آذار 2015، خلفت الهجمات آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، انسحبت على فرص ملايين الأطفال في الحصول على التعليم. 

وأشارت إلى أنه كان للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً تأثير بالغ في التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية للأطفال كافة في سنّ الدراسة البالغ عددهم 10.6 ملايين طالب وطالبة في اليمن.

 ودُمّرت 2,916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل 4 مدارس) أو تضررت جزئياً أو استخدمت لأغراض غير تعليمية نتيجة 7 سنوات من النزاع الذي شهدته البلاد. 

ويُواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل بعدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين، أي ما يقرب من 172 ألف معلم ومعلمة على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016، فيما ترك البعض التعليم بحثاً عن أعمال أخرى مدرّة للدخل.

هذه الظروف، خصوصاً انقطاع الرواتب، تجعل المعلمين في المدارس الحكومية يلجأون إلى التدريس في المدارس الأهلية من أجل توفير لقمة العيش، وهو ما زاد من انتشار المدارس الأهلية، في ظل تحذيرات من خصخصة التعليم في البلاد.

عمد الحوثيون إلى تعديل المناهج الدراسية لتتضمن أفكاراً عنصرية ومذهبية وأخرى تتحدث عن أحقية الهاشميين (الهاشمية مصطلح سياسي وفكرة دينية وجماعة من الناس تدعي أحقية دينية في الحكم لمن يمُتّ في نسبه بِصلَة مباشرة إلى الرسول). كذلك عدلوا أهداف ثورة 26 سبتمبر (ضد المملكة المتوكلية في شمال اليمن عام 1962، وقامت خلالها حرب أهلية بين الموالين للملكية وبين الموالين للجمهورية، وسيطرت الفصائل الجمهورية على الحكم في نهاية الحرب، وانتهت المملكة وقامت الجمهورية اليمنية)، وضمّوا سيرة حسين الحوثي وصالح الصماد وسير أئمة المذهب الشيعي مثل سيرة الإمام زيد بن علي والإمام يحيى بن الحسين، وأضافوا معركة كربلاء والدولة الزيدية وثورة الإمام القاسم والإمام المنصور وابنه يحيى حميد الدين.

وضمت المناهج صوراً لمقاتلي الجماعة، باعتبارهم مجاهدين في سبيل الله، وصوراً للمولد النبوي وعبارة لبيك يا رسول الله، وحذفت سيرة الرسول والصحابة والأعياد الدينية والوطنية، وسير عمر بن عبد العزيز وعمر المختار ويوسف العظمة والإمام الشوكاني وقادة ثورة 26 سبتمبر، علي عبد المغني ومحمد محمود الزبيري وآخرين. وعمد الحوثيون إلى استخدام مصطلحات عسكرية في كتب الرياضيات، ما يعني تنشئة جيل على ثقافة العنف والموت.

ودفع تعديل المناهج بعض أولياء الأمور إلى عدم إلحاق أبنائهم بالمدارس، خشية المنهاج الطائفي والداعي إلى الجهاد، إذ يعمد الحوثيون إلى استقطاب طلاب المدارس للالتحاق في دورات عسكرية والزجّ بهم في ساحات القتال.

من جهة أخرى، أدى انقطاع الرواتب في مناطق الحوثيين منذ عام 2016 إلى عزوف الكثير من المدرسين المؤهلين عن الاستمرار في التدريس بسبب الظروف المالية الصعبة، ليبحثوا عن أعمال أخرى تساعدهم في الحصول على لقمة العيش، في ظل إرغام الحوثيين غالبية المعلمين على العمل من أجل الحصول على السلة الغذائية التي توزعها المنظمات الدولية.

وتفرض وزارة التربية والتعليم التابعة للحوثيين رسوماً دراسية على الطلاب تحت اسم "المشاركة المجتمعية"، وتقول إن هذه المبالغ تذهب للمدرسين لتشجيعهم على ممارسة عملهم، على الرغم من انقطاع رواتبهم، ويُوزَّع مبلغ عشرة آلاف ريال (الدولار يساوي 525 ريالاً في مناطق الحوثي) على بعض المدرسين. 

وتقدّر الرسوم الدراسية لطلاب الصفوف الأولى للمرحلة الأساسية في المدارس المصنفة بشكل غير رسمي من الدرجة الرابعة والثالثة بنحو 180 ألف ريال، في حين تتراوح بين 200 و250 ألف ريال في المدارس المصنفة من الدرجة الثانية، وتتجاوز 380 ألف ريال للمدراس المصنفة بمستويات عالية من الدرجة الأولى، في حين تتفاوت الرسوم الدراسية من مدرسة لأخرى بحسب نوعية وكفاءة ومستوى الخدمة التعليمية المقدمة وحجم النفقات الخاصة بتوفيرها وما يرتبط بها من خدمات تشغيلية أخرى

ويري مراقبون، إن "التعليم اليوم أصبح بمثابة انقلاب فكري وسلوكي. كما أن المدارس أصبحت ثكنات تدريب للقتل والدمار. ويمكن أن نلحظ العزوف الواضح من أولياء الأمور عن تسجيل أبنائهم في المدارس الحكومية بعد تغيير المناهج، وتعيين معلمين موالين للحوثيين، وتحويل المدارس إلى مراكز تدريب على القتل".

حيث يمكن إدراك تأثير الحوثيين بقطاع التعليم من خلال التغيير الذي شهدته مناهج التعليم المختلفة، منها التربية الإسلامية، والتاريخ، والجغرافيا، والتربية الوطنية، والمجتمع، واللغة العربية، وصولاً إلى ترديد شعارات الموت كل صباح في ساحات المدارس الحكومية. ويرى أن "هذا ليس سوى تعبير عن حالة التغيير المؤلم الذي أحدثه الانقلاب، وما سيمثله من تمزيق للمجتمع، وتغيير مفاهيم العدالة والمساواة والإنصاف في أفكار الجيل الجديد وسلوكياته، ما يشكل خطراً حقيقياً على المجتمع مستقبلاً".

ويقول المراقبون على الحكومة إدراك خطورة ما أحدثه الحوثيون من تغيير في المناهج التعليمية، وأن تمتلك الإرادة لإعلان أن معركتها الحقيقية تبدأ من التعليم، ويجب عليها أن تضغط بكل إمكاناتها على المنظمات الدولية المانحة لتحقيق أهداف التعليم في العدل، والإنصاف، والحماية، وضمان الأمن للأطفال في المدارس، وعدم السماح للحوثيين بالاستفادة من المنح المقدمة لاستخدامها في تدمير التعليم، وأن تعمل على الضغط باتجاه تسليم رواتب المعلمين على مستوى اليمن، خصوصاً أن الحوثيين يرغمون البعض على العمل من أجل الحصول على السلة الغذائية التي توزعها المنظمات الدولية وبنصف راتب كل نصف عام".

ويعتبر باحثون ، تدهور التعليم والأزمة التي ترافق موسم العودة إلى المدارس، من أخطر الأزمات التي يمر بها اليمن، حيث لا تقل خطورتها وتبعاتها الكارثية عن الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة المحلية، مشيرين إلى تحولها إلى سلعة وتجارة حرب وأداة تستخدمها بعض الأطراف بطريقة بشعة تضاعف من معاناة اليمنيين وتدهور وضعيتهم المعيشية وتعميق الانقسام الحاصل في البلاد.

ووفق تقارير اقتصادية، يؤدي تدهور نظام التعليم بسبب تدمير المدارس، ونقص التمويل لدفع رواتب المعلمين، ومخاطر الصراع، إلى تدهور القدرة الإنتاجية للقوى العاملة المستقبلية في اليمن. 

ولمعالجة هذه الخسائر، يرى البنك الدولي في تقرير صادر مطلع العام الجاري 2032، أن على السلطات في البلاد التركيز على تحسين جودة التعليم، وخفض معدلات التسرب، وتوسيع الوصول إلى خدمات تنمية الطفولة المبكرة، إضافة إلى ضرورة إيلاء اهتمام خاص لإيجاد فرص للعمال الشباب الذين قد ينضمون إلى الجماعات المسلحة بسبب الحاجة المعيشية.