حصار البنوك واحتجاز الودائع .. مجزرة مصرفية في صنعاء

 تتحاشى سلطة الحوثي الإقرار بأنها دمرت القطاع المصرفي والبنوك وأذاقت هذه البيئة المالية والاقتصادية ويلات الحرب والنهب خلال السنوات الماضية حتى اليوم، وأغلقت على البنوك المتهالكة أصلا أبواب التعامل المصرفي الحر ودفع العوائد من ودائع المودعين، وفتحت أبواب الصرافين على مصراعيها، إلى أن أصبحنا بلد المليون صراف.

كان ما يسمى بقانون "منع التعاملات الربوية في البنوك التجارية والإسلامية – 2023" ضربة قاصمة لهذه البنوك، زادت من تعاستها المتأصلة منذ عام 2016 تقريبا. 

نحن هنا في صنعاء أمام بنوك لا تدفع عوائد المودعين (الأرباح) منذ ذلك العام، وتلقى ضغوطا تفرضها الجماعة مثل النسب التي تؤخذ لصالح الجماعة على المبالغ الداخلة والخارجة. وتحت زعم "تعزيز الشريعة الإسلامية والتمويل الإسلامي" اتخذت الجماعة من "الربا" ذريعة لمنع الاستثمار فيالودائع وتضييعها هباء، فقط من أجل توسعة نهب ومصادرة أموال البنوك والمؤسسات المالية، فهذه الأرباحمعمول بها في كل بنوك العالم الإسلامي دون أن تدخل في دائرة الربا المغلقة حصرا في رؤوس أنصار الله. 

الآن تحتجز البنوك التجارية والإسلامية في صنعاء أموال المودعين وبلا فائدة، كما هو الحال في لبنان. أكثر من مليون مواطن يمني ضاعت مدخراتهم التي يدخرونها منذ سنوات في البنوك، وجُمدت استثمارات البنوك في الدين الحكومي بأكثر بكثير من تريليون ريال يمني، ولنا أن نتخيل أن هذه نتيجة، من بين عشرات النتائج، لسياسات سلطة الحوثي  تجاه الملف الاقتصادي الأكثر حساسية.

الشحة الدولارية التي تواجهها صنعاء، تقابلها شحة سيولة في العملة النقدية المحلية "فئة الألف ريال"، لكن "الحوثيين" يحاولون تغييب هذه الحقيقة، ومواصلة الضحك على الذقون وادعاء السيطرة على سوق الصرف والميدان الاقتصادي بيد من حديد. 

ذلك صحيح بالفعل، لكنها يد حديدية على رأس المواطن لا غير.

 الواقع يقول إن السوق المصرفية تعاني من شحة سيولة محلية، ككارثة تلي كارثة عدم توافر سيولة من العملة الصعبة التي يهيمن عليها "الحوثيين" بأسنانهم، ويستحوذون عليها بالشكل الذي يؤثر حتى على الحركة التجارية.

 ثم فوق ذلك، تتعامل البنوك في صنعاء المرهونة "بسلطة الحوثي "، مع ودائع المودعين على أنها ودائع قديمة مجمدة من قبل البنك المركزي بصنعاء، ويُنظر إليها على أنها ودائع غير نقدية على رغم أنها أودعت سابقا بالكاش،أي إنها بحكم الغائب وليست موجودة، وهذا يعود إلى عملية استيلاء السلطة على أموال البنوك.

 أما الودائع التي أودعت بعد 2016 فهي تلك التي يقال لها "ودائع نقدية"، طيب أين هي الآن؟

 رغم العبث السياسي والاقتصادي الذي مارسته سلطة الحوثي منذ بداية سلطتها، استمر المودعون في إيداع أموالهم في البنوك بغية "استثمارها" بنكيا واستلام عوائد منها، كأي عملية بنكية طبيعية في العالم، إلا أن العوائد توقفت من قبل البنوك. توقفت حتى قبل قانون الربويات المزعوم.

 لكن كان "بنك اليمن الدولي" التجاري، الوحيد تقريبا الذي واصل دفع العوائد للمودعين، بواقع 60 ألف ريال شهريا.

خلال الآونة الأخيرة قلص البنك العوائد المستحقة إلى 40 ألف ريال، ثم إلى 20 ألف ريال في الشهر الواحد، رغم أن هذه العشرين لا تسعف أي أسرة مكونة حتى من نفرين لأقل من أسبوع في صنعاء.

 انتهى الأمر إلى إيقاف العوائد كليا في إطار قانون الربويات الذي أصبح نافذا، ولم يعد للمودعين فلس واحد، علما بأن بنك اليمن الدولي يستحوذ على حصص كبيرة من أموال المودعين، إضافة إلى كونه أبرز بنك يمني معتمد لدى البنوك الدولية والمنظمات غير الحكومية العاملة في اليمن.

 شل الحوثيين العملية المصرفية وعملوا على انهيار البنوك، والمودعون الآن يطالبون بودائعهم، فإذا لم يكن هناك عوائد، فما الداعي لبقاء أموالهم لدى بنوك تعجز عن أداء أبسطمهامها الطبيعية؟

 يمتنع بنك اليمن الدولي عن تسليم أموال الناس، وهؤلاء يخرجون في احتجاج أمام البنك للحصول على أموالهم، ويعترضهم أمن البنك بعنف، ويتمسك الناس بالحصول على أموالهم التي جمعوها لدى البنك لسنوات، والبنك يرفض تسليم الأموال ويسكت عن أي توضيح رسمي، وتوتة توتة، لم تنتهِ الحدوتة!

 ما يحدث في بنك اليمن الدولي هو موجة إفلاس تكاد تجتاح البنك رسمياً، وهي موجة أصابت البنوك المحلية بصنعاء، لكن الفرق هو أن عملاء أي بنك لم يخرجوا للمطالبة بحقوقهم كما عملاء بنك اليمن الدولي. كل البنوك عاجزة ولم تعد تقوى حتى على الإقراض.

 على "سلطة الحوثي " أن تقر بأنها تعمدت إسقاط البنوك واستبدالها بشركات الصرافة لشرعنة نهب الأموال وغسلها، والهرب من سداد ديونها للقطاع المصرفي.

 يتزامن المشهد الاحتجاجي مع اقتراب نهاية مهلة الشهرين التي حددها البنك المركزي بعدن لنقل مراكز البنوك من صنعاء إلى عدن، لكن لا مؤشرات لانتقالها حتى الآن، ولا مؤشرات توحي بأن نقلها هو الحل الأمثل، كما أن لا مؤشرات لتعافيها في صنعاء التي هي سوقها الرئيسية.

 ويبقى المسؤول الأول سلطة مليشيات متطرفة لم تفقه شيئا في الاقتصاد سوى ابتلاع الأموال بقوة السلاح.