كيف تحول التعليم الجامعي إلى تجارة رابحة؟

 في مطلع شهر إبريل الفائت، أعلنت البوابة الإلكترونية التابعة لوزارة التعليم العالي في صنعاء، بدء القبول والتسجيل للإلتحاق بالعام الدراسي والأكاديمي الجديد 2024-2025، هذا الإعلان شكل صدمة غير متوقعة للجامعات والطلاب ومختلف المؤسسات التعليمية، إذ كان الناس يعيشون الأيام الأخيرة من شهر رمضان، بعدها برروا الإعلان المفاجئ بمحاولة البدء بتوقيت مبكر، لكي تتزامن عملية بداية الدراسة الجامعية بالتوقيت الهجري،

وهو ما يحاولون النجاح به منذ إعلان سلطة الحوثي اعتماد التاريخ الهجري في نظامها، ولكن وأمام هذه كله، ماذا تعلمون عن وضع التعليم الجامعي في اليمن، ووضع الجامعات الخاصة، والجامعات المصادرة من ملاكها، والجامعات الجديدة، والمليارات المقدمة في خضم التداولات اليومية في التعليم الجامعي، وكيف تتعامل وزارة التعليم العالي مع الجامعات الخاصة، كجهات إيرادية ضخمة، هذا ما سنتحدث عنه بالتفصيل في سباق هذا التقرير. 
 
جامعة صنعاء، من جهة حكومية، لجامعة خاصة 

اعتاد الواقع الجامعي في اليمن، ألية معروفة مع بداية كل عام دراسي، ألية تقتضي بدء جامعة صنعاء بفتح أبوابها للطلاب، قبل كل الجامعات الخاصة، مع معدلات قبول أكثر من بقية الجامعات الأهلية، كونها حكومية ومجانية، وتعتبر الجامعة الأكبر والأكثر إقبالًا،

 لكنها ومنذ هذا العام قامت بتغيير هذه الألية، خصوصًا مع تراجع الإقبال عليها، وتراجع مستواها، لهذا افتتحت أبوابها بالتوازي مع الجامعات الخاصة، مما شكل ضعف الإقبال على الجامعات الخاصة،

 ليس هذا فحسب، بل قامت بتخفيض معدلاتها الخاصة بقبول الطلاب. لتساوي معدلات القبول في الجامعات الخاصة، أيضًا، قامت بافتتاح التعليم بالنفقة الخاصة، برسوم تساوي رسوم التخصصات المطلوبة في الجامعات الأهلية، في كلية الطب افتتحت النفقة الخاصة بمعدلات قبول منخفظة، كذلك في كلية الحاسوب والهندسة وتجارة، وبقية الكلية، وافتتحت ٱيضًا تخصصات حديثة بكليات غير مجهزة وبرسوم أغلى بكثير من رسوم الجامعات الأهلية،

مثلًا، أعلنت كلية الحاسوب افتتاح تخصصات الأمن السيبراني والذكاء الإصطناعي وهي تخصصات جديدة برسوم تتجاوز الف دولار للطالب الواحد، في منافسة واضحة للتعليم الخاص، وإرادة أكثر وضوحًا لتحويل الجامعة الحكومية الأكبر في اليمن لجامعة خاصة وربحية. وكلية الهندسة افتتحت تخصصات جامعية جديدة وفق رسوم بالدرلار، افتتحوا هندسة الديكور وهندسة النفط والغاز. وبرسوم تتجاوز 1600 دولار للطالب الواحد.
 
الجامعات الخاصة

بعد قرابة ثلاثة أشهر من إعلان البوابة الألكترونية بدء عملية القبول والتسجيل في الجامعات اليمنية،  ووضع الجامعات الأهلية متراجع جدًا من ناحية أعداد قبول الطلاب، 

إذ تشتكي معظم الجامعات من تدني نسب الإقبال عليهم، في سابقة لم تحدث من قبل، وهذه نتيجة طارئة عن وضع الطلاب اليمنيين المقبلين على الدراسة الجامعية، وضع يمنعهم من توفير قدرات مالية للإلتحاق بالجامعات الخاصة، يقابلها حالة من مصادرة القرار وعجز التطوير والإدارة المستقلة، نتيجة الإتاوات الضخمة للتعليم العالي والضرائب والزكاة، كثير من الجامعات تراجعت جدًا، وسرحت موظفيها، وباتت تعمل بالحدود الدنيا، مع إلتزامات يومية اشتراطات دورية من سلطة التعليم العالي التابعة لسلطة أنصار الله، وهي الوزارة التي أسست قطاعات داخلية للتربح من الجامعات. 
 
كيانات داخلية ضمن وزارة واحدة

وزارة التعليم العالي قامت بتأسيس جهات مغلقة لرجالها المحسوبين على سلطة الأمر الواقع، وهي جهات ومكاتب مستقلة عن الوزارة بشكل غير واضح لكنها تتبع الوزارة في صلاحياتها وسلطاتها، وتنفصل عنها بإيراداتها ومبالغها، هذه الكيانات متخصصة في امور مختلفة، مثلًا أسسوا مجلس الإعتماد الأكاديمي، يعنى بمراقبة الجامعات وفرض غرامات وقبض رسوم وتصريح تخصصات جديدة، مقابل مبالغ ضخمة، وبرامج ينفذها موظفوا الكيان لجميع الجامعات وبالطبع مقابل رسوم مرتفعة، فسهلوا لأنفسهم إيرادات شخصية كبيرة،

كذلك أسسوا جهة خاصة بالأنشطة الدينية والطلابية وغيرها، وبذات السباق التعامل ماليًا ككيان الإعتماد الأكاديمي، مقابل المال والرسوم والغرامات. مجلس الإعماد الأكاديمي فرض على الجامعات إعادة ضبط تخصصاتهم، وفق نظام جديد، لهذا يجب على كل جامعة إقامة دورات لكوادرها من تنفيذ موظفي مجلس الإعتماد الأكاديمي مقابل رسوم ومستحقات، فأقاموا لكل الجامعات برامج ودورات وإعادة هيكلة وفق فعاليات مدفوعة للأشخاص الممثلين لمجلس الإعتماد، وهذه غاية مادية وإيرادات ضخمة فيما لو تحدثنا عن مئات الملايين، مع استقلال تام عن عمل وزارة التعليم العالي، 

وهذا بالمثل يحدث في إدارة الأنشطة التابعة لوزارة التعليم، صارت كيان منفصل عن الوزارة وتدار عبر وكيل الوزارة المحسوب على السلطة، وعبرها يتم التعامل مع الجامعات.
 
معدلات القبول بين جامعة صنعاء وجامعات خاصة

معدلات التعليم الجامعي لم تعد كما كانت عليه، لقد صارت خمسينات وستينات وسبعينات، معدل الـ 50% في الثانوية العامة متاح للإلتحاق بتخصصات دراسية كثيرة جدًا، في جامعات حكومية وخاصة، فقط مقابل المال، العام الماضي، وبحسب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تم تخفيض معدلات القبول الجامعي للتخصصات التالية: إدارة أعمال دولية بمعدل 50% ومحاسبة بمعدل 50% وعلوم مالية ومصرفية بمعدل 50%، وتمريض بمعدل 50% وهكذا في تخصصات كثيرة، وبجميع الجامعات سواءً حكومية أو خاصة،

أما بقية المعدلات والتخصصات، فتتكون معدلاتها كما يلي، الطب البشري 78%، طب الأسنان 75%، هندسة مدنية ومعمارية 65%، وتقنية معلومات 55%، وعلوم حاسوب وذكاء اصطناعي وأمن سيبراني 60%، وهكذا في بقية التخصصات العلمي خصوصًا، أما التخصصات الأدبية فصارت لا تذكر أبدًا، ويمكن أصحابها الإلتحاق بها في تخصصات جامعية علمية، دون ضوابط ورقابة ومسائلة. ومن جهة أخرى، سنفارن هذه المعدلات الجتمعية للقبول والتسجيل بالأرفام الماضية، كلية الطب البشري والأسنان والمختبرات والصيدلة 85%، وكلية الهندسة المعمارية والمدنية والثقيلة 80%، وكلية علوم الحاسوب وتقنية المعلومات 70% وقس على هذا. 
 
جامعات مصادرة بالحراسة القضائية

تشكل الحراسة القضائية في سلطة أنصار الله الحوثيين جهة مغلقة تصادر المؤسسات والشركات والعقارات المملوكة للأطراف السياسية المناوئة لهم، وكل من يرتبط بهم أو يختلف معهم سياسيًا وسلطويًا، لأجل هذا شكلوا عدة حراسات قضائية ضمن حارس قضائي واحد، حراسة قضائية للمستشفيات، وأخر للجامعات، وأخر للشركات، وأخر للعفارات، 

وهكذا في جميع المجالات، أما ما يخص الجامعات الخاصة، فلديهم حارس قضائي قام بمصادرات جامعات كبرى، صادروا جامعة العلوم والتكنولوجيا، والجامعة الإماراتية الدولية، وجامعة تونتك الدولية، وجامعة الناصر، وجامعة أزال للتنمية، والجامعة اليمنية، صادروا هذه الجامعات وعينوا فريقًا من رجالهم لإدارتها، وتوظيف أشخاص محسوبون عليهم فيها، بمرتبات ضخمة جدًا، فريق الحراسة القضائية المتكون من عدة أسماء يملكون رواتب من كل جامعة، لكل فرد منهم، كل راتب يتجاوز المليون ريال، من كل جامعة، فيحصل الفرد منهم على ملايين بعدد الجامعات المصادرة. 

بما يعني ستة إلى سبعة ملايين شهريًا لكل فرد، هذا فيما يخص رواتبهم الشخصية بدون أي مهام يقومون بها، أيضًا الإدارات المالية في كل جامعة تتبع الحراسة رأسًا، ويمنع صرف المبالغ التشغيلية إلاّ عبرهم، ويتم توريد الإيرادات اليومية لشركة مصرفية تابعة لهم، إيرادات بشكل يومي،

وفي ختام كل عام حسابي، يحولون الأرباح السنوية للحارس الأعلى، بما يتجارز مئات الملايين وربما المليارات، ومن جهة متصلة، مباني الجامعات تحسب بالإيجار، فيتم تخصيص مبالغ شهرية للحراسة القضائية كإيجارات ضمن المصاريف الشهرية، مع أن الجامعات مصادرة لكنها تدفع كل شيء، ولا يبقى للمصاريف التشغيلية والتطويرية أي مبالغ تذكر، هذا تسبب في تدهور معظم الجامعات الخاضعة لهم.
 
جامعات خاصة جديدة تتبع نافذين بالسلطة

في المقابل، قام نافذوا السلط وقيادات حوثية كبيرة، بتأسيس جامعات خاصة وجديدة، بغرض التجارة والتربح، في ظل تراجع مستوى الجامعات الحكومية والخاصة، أسسوا جامعة الرشيد الرقمية، وجامعة الجيل الجديد، بإمكانيات كبيرة وضخمة، لتشمل تخصصات الطب البشري وبقية التخصصات الحديثة والمرغوبة جدًا، استطاعوا ترخيص تخصص الطب البشري وطب الأسنان وطب الصيدلة وبقية التخصصات لجامعاتهم في أوقات قياسية دون معايير وإجراءات رسمية، ليستحوذون على الواقع الجامعي في صنعاء، وهذا أنتج تنافسًا غير أكاديميًا أو منطقيًا، فتراجعت معدلات القبول في التخصصات المرتفعة، وانخفضت رسوم التعليم وصار الإلتحاق بدراسة الطب أبسط بكثير من تعلم الشريعة والقانون. 
 
إيرادات وزارة التعليم العالي من الجامعات الخاصة

من ناحية مهمة، تخضع بقية الجامعات الختصة لوزارة التعليم العالي، وفق نظام رقابة ومصادرة وإيرادات مهولة، تفرض وزارة التعليم العالي التسجيل في أيّ جامعة من خلال البوابة الألكترونية التابعة لها، وبنصف مبلغ التسجيل الرسمي الذي يقدر بـمبلغ 45 الف لبعض الجامعات، ومبلغ 35 الف لبقية الجامعات، ونصف هذه المبالغ تذهب للتعليم العالي، 

وحين ينتهي موسم التسجيل الرسمي، يتم التمدبد وفق مبالغ إضافية عن كل طالب، العام الماضي، انتهت فترة التسجيل المعلن عنها في شهر 6 وتم تمديد التسجيل حتى شهر 10، وفق غرامات ومبالغ كبيرة، لتحصل وزارة التعليم العالي على مبغغ 75 % من مبلغ التسجيل الرسمي عن كل طالب،

ومن ناحية ذات صلة، تفرض وزارة التعليم العالي برامج ونشاطات وورش عمل تنفدها الوزارة في كل جامعة، بمبالغ كبيرة، وتفرض مبالغ ضخمة لكل تخصص تريد الجامعات افتتاحه، فسهلت للجامعات افتتاح تخصصات مهمة بدون أي معايير وإجراءات، فقط مقابل المبالغ والرسوم، لهذا افتتحوا دراسة الطب البشري والأسنان في جامعة الرشيد وجامعة الجيل الجديد والجامعة الإماراتية وجامعة أزال وجامعة الرازي والناصر وغيرها، ليصير التعليم الطبي في اليمن لكل من هب ودب. فقط مقابل مبالغ مالية ومعدلات منخفضة.
 
دراسة الطب مقابل المال، كيف تم افتتاح تخصص الطب البشري في جامعات خاصة غير مجهزة

لقد صار دراسة الطب البشري في صنعاء رخيص جدًا، ومتاح بجامعات تجارية متعددة، أيضًا في جامعة صنعاء الحكومية، الجامعة التي كانت تحتكر تدريس الطب البشري وفق معايير كبيرة ومناسبة، إلى جانب جامعة العلوم والتكنولوجيا، وجامعة 48 الحكومية، الجامعة التي تم تغيبر إسمها لجامعة 21 سبتمبر، لكنها صارت خاصة وربحية، تمامًا كجامعة صنعاء، التي افتتحت في كل الطب قسم النفقة الخاصة، مقابل 5000 الف دولار لكل طالب، ومعدل قبول 78% مما يسهل التحاق أعداد كبيرة بالجامعة، وإيرادات ضخمة ومهولة، يقبلون في النظان العام مائة طالب، وفي الموازي مائة طالب بمعدلات 85%، وبنظام النفقة الخاصة يسجلون الف طالب وفق معدل منخفض ورسوم عالية. وهذا أيضًا ذاته في جامعة 21 سبتمبر. 
 
تمديد التسجيل في الجامعات، نتيجة ضعف الإقبال، تجارب من أعوام سابقة. 

العام الماضي، قامت وزارة التعليم العالي بتمديد التسجيل بالجامعات الأهلية لثلاثة أشهر متتالية، شهر بعد شهر بعد شهر، كما خفضت معدلات القبول لتخصصات المحاسبة والإدارة والحاسوب والتمريض إلى 50% وتخصصات أخرى لـ 55% ومع هذا لم يكن لديهم إقبال، نتيجة الوضع المادي للطلاب والعجز المستحوذ على اليمنيين، وهو ما يضع التعليم العالي والجامعات الخاصة في وضع معقد ومتكرر، فتخفيض المعدلات لم يكن يجدي نفعًا، في ظل معاناة مجتمعية وعجز تعليمي وتسرب طلابي كبير،

وهنا يجدر بنا الإشارة لعملية التسرب الحاصلة في الجامعات الخاص والحكومية الطلاب الذين يلتحقون بالدراسة بمبالغ مالية، فبعد تسجيل أعداد معينة في الجامعات، تم تسجيل معدلات تشرب تتجاوز 35% من الطلاب نتيجة العجز الشخصي في دفع التزاماتهم المالية للجامعات.