قمع الصحافيين اليمنيين... كلّ الأطراف متورطة

 قد يكون العاملون في الصحافة اليمنية من أكثر الأشخاص عرضة للخطر في العالم اليوم، إذ يعيش هؤلاء تحت سيف القمع والتهديد منذ انقلاب جماعة الحوثيين في سبتمبر/أيلول 2014. 

وشنّ الحوثيون، الذين يحكمون معظم المناطق الشمالية من اليمن، حملة قمع شرسة على الصحافيين اليمنيين ووسائل الإعلام في البلاد طوال السنوات العشر الماضية. كذلك ضيّقت الجماعات التي تحكم المناطق الأخرى الخناق على العاملين في الصحافة، بهدف فرض روايتها.

ولعلّ قصة الصحافي اليمني عبد الخالق عمران، الذي تعرّض للاختطاف والتعذيب وحُكم عليه بالإعدام، واحدة من بين عشرات من القصص التي تلخص معاناة الصحافيين.

يتحدّث عبد الخالق عمران، الذي اختطفته جماعة الحوثي في التاسع من يونيو/حزيران 2015،  قائلاً: "بعدما أصدر القاضي الحوثي قرار الإعدام بحقنا قال لنا: (أنتم الصحافيون أعداء الوطن)، وحين كان يعذبنا القيادي الحوثي عبد القادر المرتضى، كان يقول إنه بذلك يتقرب إلى الله". 

هذه الكلمات القاسية تلخّص واقع الصحافة في اليمن اليوم، حيث تمثل مهنة الصحافة جريمة في نظر الحوثيين.

عمران لم يكن الضحية الوحيدة. في 11 إبريل/نيسان 2020، أصدرت جماعة الحوثي حكماً بالإعدام عليه وعلى ثلاثة من زملائه الصحافيين اليمنيين هم توفيق المنصوري، وحارث حميد، وأكرم الوليدي، بتهمة "التجسس". 

كان ذلك بعد خمس سنوات من التعذيب والاحتجاز. الحكم بالإعدام لم يكن الأول، ففي 12 إبريل 2017، حكمت الجماعة على الصحافي يحيى الجبيحي بالإعدام بتهمة التخابر لصالح السعودية، لكن أُفرِج عنه بعد صدور قرار عفو.

يصف عمران هذه الأحكام بأنها "أوامر بالقتل"، وتهديد مستمر: "هي ليست أحكاماً قضائية، بل أوامر بالقتل، وفتوى دينية بالتصفية، لا تحدد بزمان ولا مكان، وتعطي الحق لكل أعضاء الجماعة بتنفيذها متى ما تهيأت الظروف". 

ورغم الإفراج عنه في 16 إبريل 2023 ضمن صفقة تبادل أسرى رعتها الأمم المتحدة والصليب الأحمر، إلا أن حكم الإعدام لم يسقط، ما يضع حياته وحياة زملائه تحت خطر دائم.

تشير الإحصائيات إلى أن اليمن أصبح واحداً من أسوأ الدول في العالم في مجال حرية الصحافة. 

وفقاً لتقرير "مراسلون بلا حدود" لعام 2024، احتل اليمن المرتبة الـ154 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي. هذه المرتبة تعكس حجم القمع الذي يعاني منه الصحافيون في البلاد. 

فقد كشف تقرير لنقابة الصحافيين اليمنيين عن مقتل 45 صحافياً منذ بدء الحرب في مارس/آذار 2015. وبالإضافة إلى ذلك، لا يزال هناك 7 صحافيين معتقلين لدى أطراف النزاع المختلفة، أربعة منهم محتجزون لدى جماعة الحوثي.

التدهور في حرية الصحافة في اليمن ليس حصراً على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. فالمناطق الجنوبية التي تسيطر عليها قوات المجلس الانتقالي الجنوبي ليست أفضل حالاً. 

فقد اعتُقِل وعُذِّب الصحافيون هناك أيضاً، وصودرت المؤسسات الإعلامية كما حدث في صنعاء. إذ جرى الاستيلاء على مقر نقابة الصحافيين في عدن، وعلى مؤسسة 14 أكتوبر الإعلامية أيضاً، ومحطات التلفزيون والإذاعة المحلية.

 مسؤول الحقوق والحريات في نقابة الصحافيين اليمنيين نبيل الأسيدي، قال  إن الحريات الصحافية في اليمن شهدت كارثة غير مسبوقة منذ انقلاب الحوثيين. 

أشار الأسيدي إلى أن ما يميز هذا الانقلاب هو الحجم الكبير من الاعتداءات على الصحافيين، حيث قال: "منذ دخول الحوثيين صنعاء في 2014، شهدت البلاد تسونامي في الانتهاكات الصحافية". 

وأكد أن الهجمات لم تقتصر على الصحافيين فحسب، بل طاولت المؤسسات الإعلامية أيضاً، حيث جرى الاستيلاء على الصحف والمواقع الإخبارية وإغلاقها، وتحويل الإعلام من وسيلة للتعبير الحر إلى أداة للدعاية الحربية.
 
وأوضح الأسيدي أن الحوثيين لم يكتفوا بتدمير المؤسسات الإعلامية الموجودة، بل ضخوا عدداً كبيراً من العاملين غير المؤهلين في المهنة، ما أضعف المصداقية وأدى إلى تحويل الإعلام إلى وسيلة لنشر الكراهية والتحريض. 

وأشار إلى أن هذا الوضع الخطير لم يكن حكراً على الحوثيين، بل امتد إلى المناطق الجنوبية التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي، حيث قُمعَت الحريات الإعلامية هناك بالطريقة نفسها، مع التركيز على صوت واحد يمجد القوات المسيطرة على الأرض.

لكنّ الخطر على الصحافيين لا يأتي فقط من الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي، ففي المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، تعرّض الصحافيون لانتهاكات أيضاً. 

ففي تعز، بعد تحريرها من الحوثيين، نُهبَت مؤسسة الجمهورية والمطبعة الحديثة، ولا تزال الصحيفة متوقفة حتى اليوم رغم أنها تحت سيطرة الحكومة. وفي حضرموت، زجّ المحافظ بالعديد من الصحافيين في السجون وقدمهم لمحاكم الإرهاب بتهم ملفقة.

فخر العزب