Logo

ردود فعل متناقضة في اليمن نحو الغارات الأميركية

 شهد اليمن، وبخاصة المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين، ردود فعل متباينة تجاه الغارات الجوية الأميركية التي استهدفت مواقع عسكرية في صنعاء ومدن أخرى مثل صعدة وذمار ومأرب وتعز بدءاً من مساء أمس السبت. 

وفقاً لما أوردته وسائل إعلام محلية وتصريحات رسمية من الحوثيين فإن الجماعة دانت القصف بشدة، واصفة إياه بـ"العدوان السافر"، وتوعدت بالرد على الولايات المتحدة. المكتب السياسي للحوثيين أكد أن هذه الغارات لن تمر من دون رد، 

مشيراً إلى أن قواتهم في حال جاهزية لمواجهة أي تصعيد. وربطت الجماعة بين هذا القصف ودعمها القضية الفلسطينية، معتبرة أن أميركا تحارب نيابة عن إسرائيل.

على المستوى الشعبي أثارت الغارات غضباً واسعاً بين السكان في المناطق اليمنية. وأفادت تقارير إعلامية بأن الغارات أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين، 

إذ ذكرت وسائل إعلام حوثية أن القصف أدى إلى مقتل 31 شخصاً وإصابة 101 آخرين حتى فجر اليوم الأحد مع تركيز الخسائر في صنعاء وصعدة. في حي الجراف شمال صنعاء قتل 13 شخصاً، بينما لقي 4 أطفال وامرأة حتفهم في صعدة نتيجة استهداف منزلين. 

هذه الأرقام عززت من مشاعر الاستياء والرفض للتدخل الأميركي بين السكان الذين يرون في القصف انتهاكاً لسيادتهم الوطنية.

إيران تتبرأ والحوثي يؤكد

ووثقت قناة "المسيرة" المتحدثة بلسان الحوثيين ما قالت إنه مشاهد لأطفال ومدنيين راحوا ضحية الهجوم وآخرين تعرضوا لإصابات بالغة بسبب القصف في مديريات صعدة، متوعدة واشنطن بالرد على استهدافها المدن الخاضعة لسيطرتها.

ونسبت إلى قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي القول "نرفض اتهامات ترمب لنا في شأن اليمن، وطالما أعلنا أن الشعب اليمني شعب حر ومستقل وينتهج سياسات وطنية مستقلة" في أولى محاولات إيران فك ارتباطها مع الميليشيات.

ونقلت قناة "الحدث" التابعة لشبكة "العربية" عن مسؤول سعودي تأكيده أن "مزاعم عمليات التزود بالوقود بأجواء السعودية للعملية العسكرية في اليمن عارية عن الصحة ومضللة". 

ونأت الرياض منذ هجمات الحوثي على السفن بنفسها عن التحالف الدولي بقيادة أميركا ضد المليشيات التي تأتي الهجمات الحالية رداً عليه وفق الإعلان الأميركي.

من جانب آخر لم تظهر ردود فعل واضحة من المناطق الخاضعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً حتى الآن، لكن التاريخ يشير إلى أن هذه المناطق قد ترى في القصف فرصة لإضعاف الحوثيين، على رغم مخاوف من تصعيد النزاع داخلياً. 

وبصورة عامة يبدو أن الغارات عززت من خطاب الحوثيين المناهض لأميركا، مما قد يؤدي إلى تعبئة شعبية أكبر لدعمهم في مواجهة "العدو الخارجي".
 
واستبقت الحكومة الشرعية في عدن الحملة الأميركية على الحوثيين بإصدار رئاسة مجلس الوزراء قراراً رسمياً موجهاً إلى الوزراء ومحافظي المحافظات ونواب ووكلاء الوزارات ورؤساء الهيئات والمؤسسات والمصالح الحكومية بعدم مغادرة العاصمة عدن إلا بعد الحصول على موافقة خطية مسبقة من رئاسة الوزراء.

وبحسب تعميم القرار الحكومي الصادر أمس السبت فإن هذا التوجيه جاء على توجيهات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وتعقيباً على التعاميم السابقة في شأن عدم مغادرة المسؤولين عدن.

أهداف العملية وفق الصحافة الأميركية

تناولت الصحافة الأميركية الغارات الجوية على اليمن باهتمام كبير، مع التركيز على أهداف العملية واستراتيجية الإدارة الأميركية تحت قيادة الرئيس دونالد ترمب. 

ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" بدأت الولايات المتحدة الضربات العسكرية ضد أهداف حوثية أمس السبت بأوامر مباشرة من ترمب واستهدفت الرادارات والدفاعات الجوية وأنظمة الصواريخ ومواقع الطائرات من دون طيار في صنعاء ومناطق أخرى. 

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية نفذت باستخدام طائرات مقاتلة انطلقت من حاملة الطائرات "هاري ترومان" في البحر الأحمر، مما يعكس نهجاً عسكرياً حاسماً.

ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن مصادر مطلعة أن من بين الأهداف منازل قياديين حوثيين في صنعاء، مما يشير إلى محاولة استهداف البنية القيادية للجماعة، 

فيما ذكرت شبكة "سي أن أن"، نقلاً عن مسؤول أميركي، أن الغارات لن تشمل غزواً برياً، بل ستكون جزءاً من سلسلة هجمات استراتيجية موجهة ومستمرة تهدف إلى تقويض قدرات الحوثيين العسكرية. 

وأشارت شبكة "أي بي سي" إلى أن الهجمات قد تشتد وتتسع في الأيام أو الأسابيع المقبلة بناءً على تقييم النتائج.

ووصفت القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" الضربات بأنها "دقيقة"، موضحة أنها تهدف إلى حماية المصالح الأميركية وردع الحوثيين واستعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب. 

ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين أميركيين أن ترمب سمح باتباع نهج أكثر عدوانية مقارنة بالإدارة السابقة مع التركيز على تدمير البنية التحتية العسكرية للحوثيين، بما في ذلك منشآت تخزين الصواريخ ومراكز القيادة والتحكم. 

وأكدت وسائل إعلام أميركية أن العملية قد تمتد لأسابيع، بهدف إضعاف قدرة الحوثيين على تهديد الشحن البحري، بخاصة بعد هجماتهم المتكررة على السفن المرتبطة بإسرائيل منذ نوفمبر 2023.

البحث عن مخرج

​في غضون ذلك وجه مسؤول حوثي رسالة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب على خلفية إعلانه شن عمليات عسكرية "حاسمة وقوية" ضد الحوثيين، 

وعلق عضو المكتب السياسي للحوثيين فضل أبو طالب على صورة للرئيس الأميركي في حسابه على "إكس" قائلاً "الجحيم لك أنت".

وجاءت الغارات الأميركية في أعقاب استشعار الحوثيين خطر المواجهة، بما دفع القيادي البارز في الجماعة أمين عاطف إلى التعبير عن استعداد الجماعة للقبول باتفاق سلام مع حكومة الشرعية في عدن "حتى لو تطلب الأمر تقديم تنازلات كبيرة"، بحسب قوله. 

وأشار فيما نقلت عنه مصادر محلية إلى أن "بعض الأمور التي قد يبدو رفضها ضرورة في الوقت الحالي قد تصبح قابلة للقبول إذا كانت تخدم مصالح الجماعة الاستراتيجية على المدى الطويل".

"الشرعية": الحوثيون مسؤولون عن تحويل اليمن إلى ساحة حرب مفتوحة

في بيان لاحق أكد وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، أن مليشيا الحوثي التابعة لإيران تتحمل المسؤولية الكاملة عن استدعاء الضربات العسكرية وتحويل اليمن إلى ساحة حرب مفتوحة. 

وأوضح الإرياني أن الحوثيين، الذين اختاروا التصعيد العسكري منذ البداية تنفيذًا للإملاءات الإيرانية، يشنون هجمات إرهابية على خطوط الملاحة الدولية ويفتعلون معارك تحت شعارات زائفة، مما يجعل الشعب اليمني هو من يدفع الثمن.

وأضاف "لقد أثبتت الأحداث أن مليشيا الحوثي الإرهابية لا تهتم بمستقبل اليمن، بل تقوم بمقامرة بحياة اليمنيين خدمة لأجندات إيران، دون اكتراث لحجم الدمار الذي تلحقه بالشعب". 

وأشار إلى أن الحوثيين يواصلون استخدام الحرب والمتاجرة بالشعارات والخطب والعنتريات الفارغة كوسيلة لكسب المشروعية وإدامة عمليات الحشد والتعبئة، وفرض السيطرة والتوسع على حساب أمن واستقرار اليمن والمنطقة، مما يدفع البلاد إلى هاوية أزمة إنسانية خانقة.

واعتبر المسؤول اليمني أن إيران لعبت دورًا حاسمًا في دفع مليشيا الحوثي نحو التصعيد المستمر والتمادي في أفعالهم العدوانية، عبر الدعم العسكري واللوجستي الذي لم يقتصر على الأسلحة فقط، 

بل شمل التدريب والخطط الاستراتيجية التي ساعدت الحوثيين على تعزيز قوتهم وتوسيع نطاق سيطرتهم، وجعلهم أداة طيعة لتنفيذ أجنداتها وتصدير الحرب خارج حدودها، مما أدى إلى خلق مزيد من الفوضى في المنطقة.

وأكد معمر الإرياني أن "اليوم، لا يوجد مكان للتسويف أو التردد، ولا خيار آخر سوى أن يتحمل الحوثيون المسؤولية الكاملة عن الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب اليمني الذي هو اليوم ضحية حرب فرضها الحوثيون". 

وأضاف أن كل دقيقة تمر تعني المزيد من المعاناة لليمنيين، وأن اليمن والمنطقة لن يجدا طريقهما للأمن والاستقرار طالما استمرت مليشيا الحوثي في تبني خيار الحرب والعمل كأداة طيعة بيد إيران.

وشدد على أن العملية العسكرية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاءت لتؤكد أن المجتمع الدولي لن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا التمادي الحوثي، وأن العالم الحر لن يسمح بأن تظل اليمن رهينة بيد إيران وساحة حرب مستمرة لخدمة مصالحها. 

وأكد أن الحوثيين يجب أن يدركوا أن عواقب تصعيدهم قد بدأت بالفعل، وهم وحدهم من يتحملون المسؤولية عن معاناة الشعب اليمني.