متلازمة «بهجة» العيد وبؤس الحياة والتزام «الإسناد»
على الرغم من بؤس الحال لم تغب بهجة العيد؛ وفي المقابل يظل إسناد غزة في قلب المشهد اليمني، بما في ذلك يوميات عيد الأضحى الذي شهد وقفات تضامنية مع غزة عقب صلاة العيد في عدد كبير من مساجد البلاد.
ولم يعد سوق نقم غربي صنعاء؛ يزدحم بالباحثين عن الأضاحي قبيل عيد الأضحى، لدرجة صار تجار المواشي يتزاحمون على مداخل السوق للفوز بقادمٍ لشراء أضحية؛ وبمجرد وصوله يقدم كلٌ عرضه؛ ويريد كل عامل أن يذهب به إلى مسلخ رب عمله؛ في دلالة على حجم الكساد الذي يضرب سوق اللحوم في اليمن؛ فحتى خلال عيد الأضحى لم يتراجع هذا الكساد.
مُحمّد (23سنة) يعمل مع تاجر مواشي في سوق نقم؛ يقف أكثر من ست ساعات يوميًا أمام أحد مداخل السوق لاصطياد زبون: «الوضع لم يعد كما كان؛
فعلى الرغم من أن الأسعار باقية كما كانت في السنوات الأخيرة، إلا أن الناس صاروا غير قادرين على شراء الأضاحي، كما كانوا عليه قبل الحرب أو في السنوات الأولى للحرب.
لا نبيع باليوم أكثر من عشرة رؤوس من الغنم أو الماعز؛ وهذا الرقم أفضل مما يبيعه من يجاورنا من محلات. كنا قبل الحرب نبيع باليوم عشرات الرؤوس بخلاف مبيعات الجملة للمحافظات».
عبد السلام (39سنة)، يمتلك صيدلية في أحد الشوارع المحيطة بهيئة مستشفى الثورة العام بصنعاء؛ وعلى الرغم من أن مشروعه يدر عليه دخلًا يعيش منه موفور الحال، إلا أن شراء الأضحية يمثل له مشكلة: «لا اشتري أضحية في كل عيد أضحى؛ ليس لسعرها؛
لكن الأضحية تتطلب منك تشغيل الثلاجة المنزلية 24 ساعة؛ وأنا مشترك بكهرباء تجارية؛ وتشغيل الثلاجة 24 ساعة لمدة أسبوع يكلف مبلغا إضافيا ليس بالقليل يصل إلى 25 في المئة من قيمة الأضحية؛ بينما أستطيع شراء لحم من السوق يوميًا؛ وهذا بالنسبة لي أفضل».
أحمد. م، صحافي في عدن؛ يقول إنه لا يستطيع شراء اللحوم الحمراء طوال العام؛ لأن سعر الكيلوغرام من اللحم خمسة وعشرين ألف ريال (10 دولارات أمريكية) يساوي ربع الراتب الشهري، وبالكاد يشتري السمك: «أما في عيد الأضحى فالوضع لا يتغير؛ فقد صارت الأيام تتشابه؛ تحت تأثير الأزمة الاقتصادية التي فرضتها الحرب؛
فآخر عيد اشتريت فيه أضحية كان في عام 2014». وأضاف: «نحن نعيش معظم ساعات اليوم بدون كهرباء، والمياه وضعها ليس أحسن؛ والتفكير في مثل هذه الأوضاع بالأضحية يمثل ترفًا».
الصحافي الاقتصادي، ماجد الداعري، رئيس تحرير موقع «مراقبون برس» يقول إن ما يحصل هو «نتيجة طبيعية لحال الشعب المنكوب، وظروف البلد الاقتصادية المنهارة، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني متوحش لا يساعد الأغلبية العظمى من الشعب على شراء أضحية، بعد انهيار 90 في المئة من القيمة الشرائية للعملة المحلية والرواتب ودخل العامل اليمني،
وغياب أي تسويات للمرتبات وبدلات غلاء المعيشة، وغيرها من المساعدات الحكومية نتيجة انهيار الاقتصاد وتوقف تصدير النفط والغاز كمورد رئيسي للدخل القومي، وعدم تمكن الدولة من تحصيل كافة الموارد الضريبية والجمركية».
مما سبق؛ يتضح حجم المعاناة الاقتصادية التي فرضتها الحرب على واقع حياة اليمنيين، وخاصة محدودي الدخل، الذين يدفعون ثمنًا باهظًا للحرب، التي ما زالت مستعرة منذ عشر سنوات؛ وتفرض واقعًا عسيرًا على غالبية اليمنيين، الذين يعيشون أسوأ مأساة في التاريخ من صنع البشر، وفق الأمم المتحدة.
مقارنة ما كانت عليه أوضاع عيد الأضحى في اليمن في سنة أولى حرب بما صارت عليه في سنة عاشرة حرب؛ يتجلى أن اليمني صار معتادًا على ما آلت إليه حياته جراء الحرب؛ وعلى الرغم من ذلك يصرّ اليمنيون على أن يعيشوا مناسباتهم الدينية وغيرها بقدر ما يستطيعون من فرحة وبهجة؛ كأنهم في مهمة يتحدون فيها البؤس!
ولهذا قد تغيب الأضحية في العيد لدى الكثير؛ لكن يحضر تقشيع (تنظيف) المنازل، وصناعة الكعك بأنواعه وأشكاله، وشراء الجعالة (المكسرات والشوكولاتة)، وتهيئة ملابس العيد، وزيارات الأقارب عقب صلاة العيد، وإقامة مجالس المقيل للرجال، ومثلها للنساء عقب تناول وجبة الغداء العيدية، التي يحضر فيها العيد بخصوصيته، وهنا يتفاوت الناس بتفاوت حالاتهم المادية؛ في دلالة على مدى تمسك اليمنيين بعاداتهم وتقاليدهم، بما فيها خلال الأعياد، مهما كان قسوة الحياة.
إسناد غزة
بينما تحول القصف الصاروخي على مدن اليمنيين إلى مشاهد يتسابقون للصعود إلى أسطح منازلهم لمشاهدتها، وتحويلها إلى حكايات للتندر في مجالسهم… لم تغب نشوة العيد بخصوصيتها في حياتهم، على الرغم من أنهم ما زالوا يعيشون زمن الحرب؛ إنها متلازمة البهجة والبؤس على مضمار الإصرار على معانقة الحياة.
ويبقى عنوان كل ذلك إن اليمنيين لم ينسوا إشقائهم في غزة، الذين يعانون الأمرين قتلًا وتجويعًا وتعطيشًا ومرضًا وحرمانًا من أبسط مقومات الحياة؛ ولهذا يصرون على حضور الوقفات والمسيرات التضامنية مع غزة منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر.
حتى وهم يبتهجون بالعيد؛ نظموا، عقب صلاة العيد، في كل ساحات مساجد العاصمة ومعظم المحافظات وقفات تضامنية تنديدًا بما يتعرض له الغزيون تحت نير الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه البربري على قطاع غزة منذ عشرين شهرا.
أحمد الأغبري