Logo

تهريب الغاز اليمني يتسع عبر الممرات المائية المضطربة

 في الوقت الذي يعاني فيه اليمن من أزمات خانقة في المشتقات النفطية بخاصة الغاز المنزلي؛ يبرز العديد من التساؤلات لدى اليمنيين الذين يكتوون بنار هذه الاختناقات والأزمات، التي تظهر خصوصاً في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً، حول الأسباب التي تؤدي إلى تأجيجها في وقت يفترض أن تكون هناك وفرة في المعروض لتغطية احتياجات الأسواق المحلية.

تشهد هذه المناطق تفاقم أزمة المعروض من غاز الطهي المنزلي وتناقصاً متواصلاً وغامضاً في الحصص المعتمدة من شركة صافر الحكومية بمأرب التي تغطي احتياجات المحافظات الواقعة تحت إدارة الحكومة المعترف بها دولياً. 

بالتوازي مع ذلك، توجهت سلطة الحوثيين إلى الاستيراد لتغطية احتياجات المحافظات التي تسيطر عليها في شمال اليمن.

في هذا الخصوص، تم رصد تنامي شبكات تهريب الغاز المنزلي خلال الفترة الأخيرة، عبر نقله إلى الأسواق الخارجية بأسعار تفوق بنسبة كبيرة الأسعار المحلية، 

إذ كان ذلك كما يكشف مسؤولون ، أحد أهم أسباب الاحتكار والأزمات وشح المعروض في الأسواق المحلية والتي يلاحظ وقوف شبكات التهريب خلفها بشكل متعمد.

استغلال الممرات المائية

الخبير اليمني المتخصص في علوم البحار فؤاد زيد، يشير إلى أن شبكات تهريب الغاز المنزلي اليمني تستغل الاضطرابات في الممرات المائية وتتخذ طرق بحرية متعددة لتهريبه من خلال البحر الأحمر وخليج عدن إلى الصومال وجيبوتي ومنها إلى أسواق دول أخرى يتم التعامل معها. 

ويؤكد أن هناك مشكلة في عملية الرقابة على السواحل اليمنية التي يزيد طولها على 2200 كيلومتر، حيث تفاقمت بشكل كبير بسبب الاضطراب الحاصل في المياه اليمنية منذ العام 2023.
 
ويتوقع زيد أن تساهم كذلك الأحداث الساخنة حالياً في المنطقة من جراء العدوان الإسرائيلي على إيران بعد الضربة الأميركية لمواقع نووية إيرانية، والمحتمل تمددها إلى المضائق والممرات المائية، في توسع فجوة التهريب عموماً،

 ولا سيما تهريب الغاز المنزلي، إذ قد تشهد البلاد خلال الفترة المقبلة تفاقم أزمات الغاز وتضخم مشكلة احتكاره بداية من عمليات نقله من حقول صافر بمأرب إلى شح المعروض منه في الأسواق المحلية.

بحسب تقارير رسمية، تنتج شركة صافر في محافظة مأرب قرابة 170 ألف أسطوانة غاز منزلي يومياً. وحتى وقت قريب، كانت 80% من هذه الكمية، أي ما يعادل 136 ألف أسطوانة يومياً، تُوزَّع على المحافظات الشمالية من اليمن،

 بينما تحصل المحافظات الجنوبية على النسبة المتبقية (34 ألف أسطوانة فقط).

لكن في تاريخ 2 إبريل/ نيسان 2023، أعلنت سلطات صنعاء قرارها الاستغناء عن الغاز المنزلي الآتي من صافر، وبدأت فعلياً استيراد الغاز من الخارج عبر ميناء الحديدة، وبأسعار تجارية غير مدعومة؛

 هذا القرار يعني أن 136 ألف أسطوانة يومياً كانت تذهب إلى المحافظات الشمالية، يفترض أن تتوفر للتوزيع داخل المحافظات الجنوبية، 

وبالتالي زيادة الكمية المتاحة تحسن التوزيع وانخفاض الأسعار. لكن الواقع يخالف كل التوقعات، إذ لم يشعر المواطنون بأي تحسن، إن في الوفرة أو في الأسعار.

 السوق السوداء في اليمن

الخبير اليمني الجيولوجي المتخصص في النفط والغاز واستشاري تنمية الموارد الطبيعية، عبد الغني جغمان، يشرح أن السوق السوداء والتهريب البحري وشبكات التربح تقف خلف اختفاء هذه الكميات، بينما يدفع المواطن الثمن مرتين؛ نقصاً في الغاز، وغلاءً في الأسعار.

وتشهد مناطق إدارة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بخاصة المدن ذات الكثافة السكانية مثل عدن وتعز، أزمات خانقة في الغاز المنزلي بسبب شح المعروض، 

إذ يشكو ملّاك محطات التعبئة في المدن من تناقص مستمر في حصص التوزيع من الكميات المعتمدة لكل محافظة من شركة صافر الحكومية بمأرب، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول اختفاء الغاز في ظل التناقص المستمر في كميات التوزيع.

يقول جغمان في هذا الخصوص: "بدلاً من أن تُسهم هذه الكميات في تلبية احتياجات السوق المحلية، برزت شبكات تهريب منظمة تعمل على تصدير الغاز المنزلي إلى خارج اليمن، انطلاقاً من موانئ وشواطئ خليج عدن وبحر العرب.

يتم ذلك وفق جغمان باستخدام خزانات ضخمة، وقاطرات نقل مخصصة لنقل الغاز، فضلاً عن مرافئ غير خاضعة للرقابة الجمركية، مشيراً إلى أنّ الفجوة السعرية تفتح شهية التهريب.
 
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد في مشكلة المعروض والضغط الذي يؤدي إلى خنق الأسواق،

 بل يشمل كذلك الأسعار التي ترتفع مع كل أزمة للغاز المنزلي الذي زاد منذ بداية هذا العام نحو 2000 ريال في سعر الأسطوانة الواحدة التي وصلت إلى ما يقرب من 9 آلاف ريال (الدولار= نحو 2750 ريالاً في عدن).

لفهم هذه الظاهرة، يكفي النظر إلى الأسعار، إذ يصل سعر الغاز المنزلي في السوق العالمية إلى حوالي 700 دولار للطن، بينما سعر بيعه من صافر داخلياً لا يتجاوز 150 دولاراً للطن. 

هذه الفجوة التي تصل إلى 550 دولاراً في الطن الواحد، تخلق بيئة مثالية للمضاربة والتهريب والفساد المنظم، كما يذكر جغمان.

التهريب يبدأ من "صافر" في اليمن

وفق خبراء وناشطين؛ يبدأ التهريب من استخراج الغاز المدعوم من شركة "صافر" في مأرب، حيث يتم جمعه وتخزينه بطريقة غير رسمية قبل نقله إلى ميناء نشطون في المهرة عبر طرق بحرية منظمة. 

وفي هذه العملية، يتم تصنيع صهاريج بحرية خاصة في مصنع بمدينة المكلا بحضرموت تُستخدم لنقل الغاز على متن سفن خشبية صغيرة تُعرف محلياً باسم "السنابيق".

في المقابل، يتحدث ناشطون عن أزمات واختناقات تموينية في مدينة تعز جنوب غربي اليمن يقف خلفها نافذون عسكريون يعمدون إلى عرقلة وصول الغاز إلى المواطنين بهدف تمرير مبلغ 300 ريال عن كل أسطوانة غاز تباع في تعز مع التأكيد أن الحصة التسويقية السنوية للمحافظة تقدر بنحو 7 ملايين أسطوانة .

بدوره، يتساءل المحلل الاقتصادي ماجد الداعري، عن حصة عدن من الغاز المنزلي وأين تذهب؟ ويقول إنّ أزمة المعروض من الغاز لا تعاني منها المحافظات المجاورة لعدن مثل الضالع وأبين. 

ويتابع: "لذا يبقى السؤال المطروح: لماذا عدن تشهد تفاقماً متواصلاً لهذه الأزمة بالرغم من تأكيدات الجهات المعنية أنها زادت حصة عدن من الغاز المنزلي بنسبة كبيرة ومناسبة؟".

محمد راجح