Logo

البهائيون اليمنيون وخطر التحريض الحوثي ضدهم

 شهدت الأعوام الأخيرة تصاعداً ضمن الخطاب المناهض لأتباع الطائفة البهائية في اليمن، خصوصاً داخل مناطق سيطرة جماعة الحوثي، في سياق توجه ديني وسياسي يستمد في جزء منه من أدبيات النظام الإيراني.

وبعد فترة من التراجع النسبي، عادت الدعوات المنتقدة للبهائيين إلى الواجهة، ترافقها اتهامات بالارتباط بجهات خارجية من بينها "الصهيونية"، وهي تهمة تكررت في خضم التوترات الإقليمية المرتبطة بالقضية الفلسطينية.

وبحسب مصادر من داخل الطائفة، فإن هذه الاتهامات تستخدم لتبرير إجراءات مثل الاحتجاز أو الترحيل، مما أثار مخاوف ضمن أوساط حقوقية يمنية ودولية في شأن مستقبل حرية المعتقد داخل البلاد.

وضمن هذا الحوار الخاص، يتحدث مشكور بن حباء، وهو اسم مختصر لأحد مؤسسي المبادرة اليمنية للدفاع عن حقوق البهائيين وأحد المتحدثين باسمها، عن خلفيات هذا التصعيد ودوافعه السياسية والفكرية، 

وعن أوجه التشابه بين ما يجري داخل اليمن وما يحدث منذ عقود للبهائيين في إيران، وفقاً لسردية "العدو الداخلي" التي تستخدمها بعض الأنظمة الطائفية لقمع الحريات الدينية،

 مع تقديم شهادات وأمثلة تكشف عن أن هذه الاتهامات تمثل محاولات ممنهجة لتبرير الإخفاقات السياسية وتصدير الأزمات إلى فئات ضعيفة من المجتمع.

نظراً إلى حساسية الموضوع ومخاوف الضيف الأمنية، اكتُفي باستخدام اسمه الأول فحسب، ضمن حوار نكشف فيه خلفيات واحدة من أخطر حملات التشويه الطائفي داخل المنطقة.

 ويدعو الضيف من خلاله إلى إعادة الاعتبار لقيم التعايش وحرية المعتقد، التي كثيراً ما ميزت المجتمع اليمني.

العدو الوهمي المفترض

في ما يتعلق بأهداف جماعة الحوثي من التهم الموجهة إلى الطائفة البهائية داخل مناطق سيطرتها، فإن هذه الاتهامات تعد امتداداً لخطاب طائفي متشدد تعتمده بعض الأنظمة، وعلى رأسها النظام الإيراني منذ ثورة 1979، 

بهدف خلق "عدو داخلي" يمكن توجيه الاستياء الشعبي نحوه.

البهائيون في اليمن تعرضوا إثر هذه الاتهامات لحملات اضطهاد شملت السجن والتعذيب والنفي، على رغم أن التهم التي وجهت إليهم لم تستند إلى أية أدلة، كما ظهر في محاكمات مثل قضية حامد بن حيدرة ومحاكمة الـ24 بهائياً.

ويؤكد الضيف أن النظام الإيراني، الذي يعيش حالياً أزمات داخلية متصاعدة وضعفاً في التأييد الشعبي، يحاول تصدير أزماته عبر خلق عدو وهمي يشغل به الرأي العام،

 وهي استراتيجية سياسية تعرف بـ"سياسة طنجرة الضغط"، إذ يسهم العدو المفترض في تنفيس الغضب الشعبي وتوجيهه خارجياً.

ومن خلال هذه السردية، تسعى جماعة الحوثي إلى تكرار النموذج الإيراني، مستخدمة مبررات دينية أو سياسية لتشويه الأقليات، على رغم أن كثيراً من تلك الاتهامات مبنية على معلومات مغلوطة، مثل الزعم بارتباط البهائيين بإسرائيل، 

علماً أن أماكنهم المقدسة وجدت هناك قبل قيام الدولة الإسرائيلية بزمن طويل.
 
وفي المحصلة، فإن ما يجري ليس سوى محاولات ممنهجة لتبرير الإخفاقات السياسية وصرف الانتباه عن الأزمات الداخلية، من خلال استهداف فئات مستضعفة لا تملك القدرة على الدفاع عن نفسها.

التحريض الطائفي في سياق الأزمات

يقول المتحدث باسم المبادرة اليمنية للدفاع عن حقوق البهائيين مشكور بن حباء إن تصاعد التحريض ضد الطائفة البهائية لا يمكن فصله عن السياق السياسي الأوسع، لا سيما ما يمر به النظام الإيراني من أزمات داخلية خانقة وضعف في الدعم الشعبي.

ويضيف "حين نبحث عن دوافع هذه الحملات، نجد أنها ليست سوى تكرار لأسلوب تتبعه كثير من الأنظمة العقائدية حين تعاني ارتباكاً داخلياً. 

فبدلاً من مواجهة الأسباب الحقيقية للأزمة، تتجه هذه الأنظمة إلى تصدير المشكلة عبر خلق عدو داخلي وهمي يمكن تحميله المسؤولية. إنها وسيلة لتفريغ الغضب الشعبي وتحويله نحو فئة مستضعفة، وهي سياسة معروفة ومتكررة عبر التاريخ".

ويتابع "رأينا ذلك في ممارسات جماعات متطرفة ضد الإيزيديين، بتفضيل تغذية الجمهور بالكراهية بدل إصلاح الواقع، فكانت النتيجة جرائم إبادة وتهجير. 

المثال نفسه حدث في ألمانيا النازية، حين لجأ النظام إلى شيطنة الأقليات –من اليهود والغجر إلى أصحاب البشرة السمراء– في محاولة لتوحيد الداخل تحت وهم الخطر المحدق".

ويؤكد بن حباء أن ما يحدث للبهائيين في إيران، والذي يتكرر اليوم داخل صنعاء، هو امتداد لهذا النمط من السياسات الإقصائية التي تستخدم الدين أو الهوية كأداة للضبط والسيطرة، 

مضيفاً "العدو في هذه الحالات ليس حقيقياً بقدر ما هو حاجة سياسية تستخدم لتبرير القمع، ولحرف الأنظار عن الإخفاقات البنيوية في الحكم والإدارة".

التركيز على البهائيين دون غيرهم

ويعلق مشكور بن حباء على سبب تركيز النظام الإيراني أخيراً على الطائفة البهائية دون غيرها، على رغم أن التهم سابقاً كانت تطاول أيضاً السنة والزرادشتيين والعرب والأكراد والبلوش، 

قائلاً "في الظروف العادية، درج النظام الإيراني على استهداف عدة مكونات دينية وعرقية، من البهائيين إلى السنة، مروراً بالعرب والبلوش والأكراد والزرادشتيين. 

لكن في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها النظام، هناك حسابات داخلية دقيقة تدفعه إلى تقليل التصعيد تجاه الأقليات العرقية الكبرى".

ويقول "الخشية الحقيقية لدى النظام الآن هي من انهيار جبهته الداخلية، وتحديداً في المناطق التي تسيطر عليها الأقليات العرقية، لذلك فهو يتجنب إثارة تلك الملفات حالياً حتى لا يفقد السيطرة. 

كما أن تخفيف حدة الخطاب الطائفي ضد السنة خلال هذه الفترة مرتبط بحسابات إقليمية، إذ إن الدول المحيطة بإيران من الشرق والغرب ذات غالبية سنية، ولا يريد النظام فتح أكثر من جبهة خلال وقت واحد".

ويؤكد بن حباء أن التركيز على البهائيين اليوم ليس سوى محاولة لتفريغ التوتر الداخلي عبر استهداف فئة لا تمتلك أدوات الدفاع عن نفسها، قائلاً إن البهائيين في نظر النظام هم الطرف الأقل كلفة سياسياً في حال التصعيد ضده،

 بالتالي جرى تصويرهم مجدداً كـ"عدو داخلي" لتبرير الحملة الحالية. وهذا الاستخدام المتكرر للبهائيين كـ"كبش فداء" يعكس أزمة أعمق في بنية النظام، الذي يراهن دائماً على صناعة خصم داخلي كلما اشتد الضغط عليه.

سياسة ممنهجة ضد البهائيين؟

وحول ما إذا كانت معاداة البهائية تمثل سياسة أصيلة لدى النظام الإيراني، يجيب مشكور بن حباء بنعم، هناك كثير من الوثائق والشهادات والوقائع التي لا تترك مجالاً للشك في أن استهداف البهائيين ليس حالة طارئة، بل نهج مؤسساتي ممنهج تمارسه الدولة. 

ومن أبرز الأدلة على ذلك وثيقة رسمية سرية عرفت بأوامر (المسألة البهائية)، صادرة عام 1991، وسربها مسؤولون من داخل النظام نفسه. وتؤكد هذه الوثيقة بوضوح ضرورة محاربة البهائيين وحرمانهم من التعليم والوظائف، 

وتحث على تصدير خطاب الكراهية ضدهم إلى الخارج، وهي موقعة من مرشد الجمهورية الإسلامية شخصياً".

ويتابع "إلى جانب الوثائق، لدينا شهادات حية من شخصيات بارزة في النظام الإيراني قررت الاستقالة من مناصبها بسبب ما وصفوه بالممارسات الطائفية ضد البهائيين. 

أحد هؤلاء، وهو شخصية معروفة، ذهب بنفسه إلى منزل أحد البهائيين ليعتذر علناً عما ارتكب بحقهم، ونشر اعترافه ضمن وسائل التواصل الاجتماعي، ليُعتقل لاحقاً. وهناك عدد من الحالات المشابهة التي وثقت تصريحات قوية ومحرجة للنظام".

ويضيف بن حباء أن الحملة تجاوزت الحدود الداخلية، لقد جند النظام الإيراني مجموعات استخباراتية في الخارج لملاحقة البهائيين وجمع معلومات عنهم في عدد من الدول. 

وثمة حالات موثقة، مثل ما جرى في طاجيكستان، بالكشف عن خلية تخريبية تدربت داخل إيران وكان من مهامها مراقبة البهائيين الطاجيكيين بل واغتيال بعضهم".

ويختتم بالحديث عن التجربة اليمنية قائلاً إن الحوثيين لم يكن لديهم أي موقف معلن تجاه البهائيين قبل عام 2014. 

لكن بعد ذلك، بدأوا في ملاحقتهم واعتقالهم بصورة مفاجئة. من المؤلم أن ترى مواطناً يمنياً يعذب مواطناً يمنياً آخر فقط لإرضاء طرف خارجي. ثم يتهم البهائي بأنه عميل، على رغم أن من يضطهده يفعل ذلك استجابة لضغوط من خارج البلاد. 

إنها فعلاً مفارقة تشبه الكوميديا السوداء، لكنها مأساة واقعية بكل تفاصيلها.

البهائيون في دائرة الاستهداف

يقول مشكور بن حباء إن قلقهم المتزايد لا يأتي من فراغ، فالبهائيون في اليمن جزء أصيل من نسيجه الاجتماعي منذ أكثر من قرن، ولم يُسجل ضدهم أي نشاط عدائي أو سياسي، 

بل كان لهم إسهام بارز في مجالات الطب والتعليم والتخطيط والعمران والتجارة والعمل الخيري، وكانت مؤسساتهم تقدم خدماتها للجميع دون تمييز، حتى صودرت.

ويشير إلى أن محاولات اجتثاث البهائيين ثقافياً ودينياً داخل اليمن باتت واضحة، وتتخذ صوراً متعددة، من المحاكمات الجائرة إلى التحريض الإعلامي والخطاب الطائفي في المنابر والمناهج الدراسية. 

ويرى أن هذه الممارسات ليست محلية فحسب، بل إنها امتداد لسياسات إيرانية ممنهجة صُدرت إلى اليمن، وبخاصة مع اكتشاف أن بعض المسؤولين الذين أشرفوا على قضايا البهائيين تلقوا تدريبات داخل إيران، وتدخلوا مباشرة في تأجيل الأحكام أو تغيير المحاكم.

ويضيف أن التهم الموجهة للبهائيين ليست سوى انعكاس لاستراتيجية قديمة تلجأ إليها الأنظمة والمجموعات المتطرفة، إذ كثيراً ما وصف البهائيون بالعمالة، وتبدلت التهمة بحسب المرحلة التاريخية، من روسيا إلى بريطانيا، وصولاً اليوم إلى إسرائيل. 

وهذا التناقض، وفق قوله، دليل على هشاشة تلك الادعاءات التي لم تدعم يوماً بأي دليل.

ويؤكد أن الحملات التي بدأت داخل إيران وأودت بحياة أكثر من 20 ألف بهائي، تُعاد الآن بصيغ جديدة في اليمن منذ عام 2014، مما يهدد سلامة مكون مدني مسالم لا يحمل سلاحاً ولا يملك طموحات سياسية، سوى التعايش والكرامة.

عمالة لإسرائيل

ويعلق الضيف على اتهام البهائيين بالعمالة لإسرائيل في ظل وضع إقليمي محتقن، لا يشكل تهديداً في إيران فحسب، بل يصدر موجات من الكراهية إلى دول أخرى، وبخاصة أن البهائيين موجودون في غالب الدول العربية منذ أكثر من قرن، دون أن يسجل عليهم أي نشاط عدائي أو سياسي، بل كانوا جزءاً من النسيج المجتمعي المتنوع.

ويضيف أن النظام الإيراني نفسه هو الذي تسبب في وجود الأماكن المقدسة للبهائيين في حيفا وعكا، إذ إن مؤسس الدين البهائي بهاء الله نُفي من بغداد إلى سجن عكا بناءً على ضغوط رجال دين متشددين إيرانيين على السلطان العثماني. 

وبقي هناك حتى وفاته، أي قبل تأسيس دولة إسرائيل بأعوام طويلة. لهذا، فإن ربط البهائيين بإسرائيل مجرد تشويه مقصود لا يستند إلى واقع.

بهائيون بين الشاه والمتطرفين

يوضح مشكور بن حباء أن اتهام البهائيين بالارتباط بالنظام البهلوي السابق هو امتداد لسلسلة طويلة من التهم التي يطلقها رجال الدين المتشددون في إيران منذ أكثر من قرن، إذ اعتادوا اتهام البهائيين بالعمالة لكل طرف تختلف معه السلطة، من روسيا القيصرية إلى إنجلترا، مروراً بأميركا والشيوعية والوهابية و"القاعدة" والشاه نفسه.

ويضيف أن العلاقة بين البهائيين ونظام الشاه لم تكن تحالفاً، بل شهدت مراحل اضطهاد صامت، إذ سمح للجماعات المتطرفة باستهداف البهائيين دون محاسبة. 

وقُتل خلال تلك المرحلة بعضهم ونُهبت منازلهم وسُحلوا في الشوارع وسط صمت رسمي، بل وبدعم من قادة في الجيش شاركوا في هدم مركزهم الديني الرئيس داخل طهران.

ولاحقاً، أدرك الشاه أن تحالفه مع المتطرفين الدينيين يضر بسمعة نظامه، فأوقف حملات الاستهداف، لا بدافع حماية البهائيين بل للحد من التأثير السلبي داخلياً وخارجياً.
 
هل حقاً يعتنق الرئيس الفلسطيني محمود عباس البهائية؟

يؤكد البهائيون أن محمود عباس ليس بهائياً ولا ينتمي إلى أسرة بهائية، فالأسر البهائية داخل فلسطين معروفة، وهو لا ينتمي إلى أي منها. وسبق أن أكد بنفسه في أكثر من مناسبة أن هذا الادعاء كاذب، وهو محاولة لتشويه سمعته.

ويشيرون إلى أن مروجي هذه الشائعة يستغلون وجود مفردة "عباس" في اسم محمود عباس، ويدعون بذلك أنه من أحفاد عباس أفندي الشخصية البهائية المعروفة، وكأن فلسطين لا تضم سوى "عباس" واحد.

بطبيعة الحال، يسهل التلاعب بالرأي العام، ولهذا انتشرت هذه الشائعة كالنار في الهشيم، وزاد من رواجها الصراع العربي-الإسرائيلي.

ويأسف البهائيون في اليمن لأن مثل هذه الادعاءات الكاذبة تستخدم للتشكيك في حياديتهم ومبادئهم، ولتبرير التهم الموجهة إليهم، على رغم التزامهم بعدم التدخل في الصراعات السياسية.

توفيق الشنواح 
صحافي يمني