Logo

ترميم "قلعة القاهرة" رد اعتبار للتاريخ بعد العبث الحوثي

 في بلد كاليمن لا تقتصر مأساة الصراع على الإنسان، ولكنها تمتد لتطاول معالمه التراثية والإنسانية بعدما نالت آلة الحرب من القلاع والنقوش وزخارف التاريخ لتلحق بها أضراراً بالغة تضاف إلى حال الإهمال وشح الإمكانات.

وفي مسعى حكومي بدعم دولي لإحداث معالجات تحافظ على ما بقي من المعالم الأثرية، أعلن في مدينة تعز (جنوب غربي) استئناف أعمال الترميم والصيانة لمشروع "قلعة القاهرة" التاريخية.

وأوضحت الهيئة العامة للآثار والمتاحف في محافظة تعز أن المشروع الممول من صندوق السفراء الأميركيين للحفاظ على التراث الثقافي (AFCP) والبعثة الأميركية في اليمن، بالشراكة مع منظمة "تراث من أجل السلام" الإسبانية سيتركز على معالجة وترميم الأضرار التي لحقت ببوابة حصن القلعة التاريخية، جراء تضررها نتيجة الصراع والتغيرات المناخية والبيئية.

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي قال مدير مكتب الاثار في تعز محبوب الجرادي لـ "اندبندنت عربية"، إن جميع أركان وأسوار القلعة تضررت وهي آيلة للسقوط، وكان متطلعاً إلى إعادة ترميمها.
 
ويقول سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) محمد جميح إن المشروع بدأ قبل نحو عام بإزالة الأخطار من حول القلعة مثل الأحجار الآيلة للسقوط، ولكنه توقف جراء القرار الأميركي بوقف تمويل وكالات الدعم الخارجي.

ويوضح أن الجهود نجحت في استثناء اليمن من هذا القرار "ليعود تمويل هذه المشاريع التي من ضمنها إعادة ترميم مدخل القلعة بصورة كاملة على أن تشمل المرحلة الثانية ترميم المتحف داخل القلعة بعد تعرضه للدمار خلال الحرب الحوثية على المدينة وصيانة وضبط واستخراج القطع الأثرية الموجودة داخله".

وتنتصب "قلعة القاهرة" على السفح الشمالي لجبل صبر المطل على مدينة تعز، المركز الإداري لكبرى المحافظات اليمنية من ناحية التعداد السكاني، حيث ترتكز على مرتفع صخري وبناها سلطان الدولة الصليحية عبدالله بن محمد الصليحي في النصف الأول من القرن السادس الهجري وبدأ تمدينها أيام أخيه علي بن محمد الصليحي وشكلت القلعة معلماً بارزاً للمدينة.

المشروع الأكبر في اليمن

ويشرح جميح أن القلعة تحتاج إلى ما هو أكبر من هذا المشروع، نظراً لحجم الدمار الذي تعرضت له سواء نتيجة الحرب أو بسبب الظروف المناخية وكذلك الإهمال نتيجة ضعف إمكانات المؤسسات المعنية بهذا القطاع".

ويكشف عن مشروع آخر هو الأكبر في تاريخ الدعم الخارجي لليمن في ما يخص قطاع الآثار الذي يموله الاتحاد الأوروبي وينفذ على مرحلتين بكلفة 10 ملايين يورو (نحو 11 مليون دولار)،

 فيما تبلغ كلفة المرحلة الثانية 20 مليون يورو (نحو 22 مليون دولار). ويشمل المشروع أربع مدن تاريخية هي صنعاء وزبيد وشبام حضرموت وعدن، وسيكون عبارة عن ترميم للمباني الأثرية سواء التابعة للدولة أو المباني الخاصة في تلك المدن. 

وتتضمن المرحلة ‏الثانية توسيع هذه المشاريع لتشمل سلسلة مدن أخرى يجري الإعداد لها.
 
وصممت القلعة التاريخية لتكون حامية عسكرية لممالك مختلفة حكمت اليمن، كما استخدمت في فترات أخرى سجناً للمعارضين السياسيين.

الاعتقال يمتد للتراث

تتكون القلعة من جزءين رئيسين، الأول "عدينة" ويضم حدائق معلقة على هيئة مدرجات شيدت في المنحدر الجبلي، وسداً مائياً وأحواضاً لتخزين المياه،

 كما يحوي عدداً من القصور التاريخية والأثرية للدول التي حكمت اليمن، ومن بينها قصر الضيافة وقصر الأدب وقصر الشجرة، أما الثاني فيسمى "المغربة" ويضم قصوراً ومخازن للحبوب وخزانات مختلفة للمياه.
 
ومن بين العوائق التي تقف في طريق الحفاظ على تلك المعالم يتطرق جميح إلى "إشكال آخر سببه اعتقال الحوثيين لأربعة من موظفي ’يونيسكو‘ في صنعاء قبل نحو عام وقررت المنظمة إثر ذلك نقل كل المشاريع التي تعمل في مناطق سيطرة الحوثيين إلى مناطق سيطرة الحكومة". 

السلوك الحوثي "دفع ’يونيسكو‘ إلى وقف كل المشاريع الخاصة بالترميم الجارية في صنعاء وزبيد للأسف على رغم أنها أشرفت على الانتهاء بدعم من الاتحاد الأوروبي".

ويكشف عن مشاريع أخرى أصغر تتمثل في ترميم عدد من المباني الأثرية مثل قصر السلطان في سيئون الذي أنجزت مرحلته الأولى بتمويل من البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن "وأخرى في شبام بالاشتراك بين ’يونيسكو‘ ومؤسسات أهلية تعنى بقطاعات التراث، 

فضلاً عن أعمال الترميم والصيانة التي تجري في تعز والمتحف الوطني في عدن ونعمل على أن تكون عدن على قائمة التراث العالمي بعدما أدرجت على القائمة التمهيدية".

على قائمة التراث

وفقاً لبيان صادر عن الهيئة العامة للآثار والمتاحف، من المقرر أن يستمر العمل في المشروع نحو 20 شهراً وسيسهم في دعم كثير من الأسر العاملة فيه بصورة مباشرة أو المرتبطة به على نحو غير مباشر، تزامناً مع تسجيل "قلعة القاهرة" على القائمة التمهيدية للتراث العالمي لدى "يونيسكو".

ومن الروايات الموثقة في تاريخ اليمن السياسي أن القلعة كانت معتقلاً للرهائن السياسيين المعارضين لحكم الأئمة خلال أربعينيات القرن الماضي، إذ مارست السلطة الإمامية سياسة قمعية بحق معارضيها، وكانت تقوم بأخذ أطفال الرهائن من القبائل المتمردة وتودعهم سجن القلعة، 

  كما كانت تأخذ أبناء الشيوخ ورؤساء القبائل لتضمن عدم تمردهم عليها بوجود صغارهم كرهائن.

 توفيق الشنواح 
صحافي يمني