اليمنيات ممنوعات من استئجار البيوت: لا سكن من دون محرم
تواجه النساء اليمنيات صعوبات جمة في سبيل الحصول على سكن مستقل لهن عند الحاجة، قد لا يكون المال هو العائق الأول لكن التمييز المجتمعي ضد النساء الذي يضاعف معاناتهن.
تقول هاجر السعيدي إنها أمضت ثلاثة أشهر في البحث عن شقة للإيجار في مدينة تعز، وكانت مستعدة لدفع المبلغ الذي يحدده صاحب العقار، لكن العقبة الوحيدة التي واجهتها هي كونها "امرأة بلا محرم" ما أوجد المبرر ليمارَس ضدها التمييز في مجتمع محافظ وتقليدي.
تضيف هاجر : "كنت أعيش مع أهل زوجي في قريتنا، ونتيجة لكثرة المشاكل التي لم نستطع حلها، بخاصة أن زوجي مغترب بالسعودية، طلب مني أن أستأجر شقة صغيرة لأسكن فيها أنا وطفلتنا البالغة من العمر ثلاثة أعوام. بحثنا عن شقة لدى أكثر من دلال عقارات وللأسف كان يرفض طلبي حين يعلم أني سأستأجرها لأسكن بها مع طفلتي وليس لدينا محرم".
حاولت السعيدي رفع قيمة الإيجار كي يوافق بعض ملاك البيوت على تأجير عقاراتهم، لكن بلا جدوى، تقول: "اضطررت لإحضار أخي من القرية ليسكن معي، ونقلت ملفه الدراسي ليكمل دراسة الشهادة الثانوية في المدينة".
المعاناة نفسها اختبرتها عبير النجار، فبعد أن التحقت بإحدى كليات جامعة صنعاء، قررت أن تستأجر وزميلتان شقة قريبة من الجامعة، لكنها ظلت تبحث من دون فائدة، إذ يرفض أصحاب العقارات التأجير لهن كونهن "نساء بلا محرم".
تقول "قررت أن أتشارك مع زميلتين لي في استئجار شقة قريبة من الكلية، وللأسف رفض جميع أصحاب الشقق التأجير لنا حين علموا أننا طالبات جامعيات. استمررنا بالبحث في جميع الشوارع القريبة من الجامعة، وكان مبرر الرفض يأتينا من الجميع أنه لا أحد يؤجر لنساء. شعرنا باليأس".
تتابع النجار: "بعد رفض الجميع التأجير لنا اضطررنا لاستئجار شقة أحد أقاربنا عن طريق والدي الذي أقنعه بالتأجير لنا، ووقع العقد نيابة عنا، مع تقديم حزمة ضمانات والتزامات للمؤجر، وللأسف فالشقة التي وجدناها تقع جنوبي صنعاء، وتبعد عن الجامعة أكثر من عشرة كيلومترات، لكنها بالنسبة لنا الخيار الوحيد المتاح".
ومعظم النساء اليمنيات اللواتي يتقدمن لاستئجار الشقق السكنية في المدن هن من الطالبات الجامعيات، أو العاملات في بعض الوظائف الحكومية والخاصة، أو زوجات لمغتربين، أو مطلقات.
وبينما يرفض المؤجرون توقيع العقود مع النساء، يعد ذلك نوعاً من التمييز ضد النساء اليمنيات يتنافى مع دستور البلاد.
تقول المحامية إيمان عبيد إن "القانون اليمني منح الحق للمرأة بالاستئجار، والذي يقوم على تراضي الطرفين المؤجر والمستأجر، والقانون رقم 22 لسنة 2006 بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، لم يضع شروطاً للمستأجر تلزم أن يكون رجلاً مثلاً، بل حدد أن المستأجر هو المنتفع بالعين المؤجرة،
أي إن القانون لم يقف حجر عثرة أمام المرأة التي ترغب باستئجار شقة أو عقار أو ما شابه، لكن الأفكار التقليدية والعادات والتقاليد المجتمعية وضعت حواجز أمام المرأة التي ترغب باستئجار أي عقار".
تضيف عبيد أن القانون الخاص بتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ما زال بحاجة إلى تعديلات تضمن حقوق المستأجر، لأن القانون بصيغته الحالية ينحاز للمؤجر، ويساهم في منحه الحق بممارسة التمييز، كما هو حاصل مع النساء، حيث يمنح المؤجر الحق بوضع شروط تكون بالغالب مجحفة بحق المستأجر،
بحيث يصبح عقد الإيجار الذي يضع المؤجر بنوده، وفق ما يشاء، أعلى سلطة من القانون، مما ساهم بتعزيز ثقافة التمييز ضد النساء.
بدوره، يرى الباحث الاجتماعي، أسامة زيد، أن "العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية تمثل عائقاً أمام استئجار النساء الشقق السكنية في اليمن، فالمؤجر يتحاشى التأجير لامرأة تحاشياً لأي خلاف قد يحصل، إذ من المعيب أن يرفع دعوى ضد امرأة، أو أن يتشاجر معها،
كما يصعب عليه أن يطلب منها الخروج من العقار للسبب نفسه، أي إنه سيجد نفسه الحلقة الأضعف، كما سيجد نفسه مكبلاً بالكثير من القيود الاجتماعية التي تحدد معايير التعامل مع النساء".
ويضيف زيد أن "هناك نظرة مجتمعية سلبية لأي منزل تسكن فيه امرأة بدون محرم، حيث يُنظر للمكان بأنه شبهة، وتصبح المرأة التي تعيش من دون محرم عرضة للمضايقات والتحرش، ولذا فأصحاب العقارات يتحاشون التأجير للنساء ويشترطون وجود رجل".
ويعاني اليمنيون في مختلف المحافظات من أزمة سكنية حادة، في ظل الارتفاع الكبير بأسعار الإيجارات، واشتراط غالبية المؤجرين الدفع بالريال السعودي، في ظل انقطاع الرواتب، وغلاء الأسعار، وتردي الوضع المعيشي، ما يضاعف من حجم المعاناة الإنسانية للسكان.
فخر العزب
صحافي يمني