Logo

عقد من تكريس التخلّف، وتنمية الجهل (5)..

 ورد في نصوص أهداف الألفية وغاياتها المشار إليها سابقاً؛ الهدف الثاني من أهدافها، وقد نصّ على "تحقيق تعميم التعليم الابتدائي" (أي الست السنوات الأولى من التعليم الأساسي)،

 حيث جعل له الغاية  ، التي تكفل تَمكّن الأطفال في كل مكان، سواء الذكور أم الإناث، من إتمام مرحلة التعليم الابتدائي، بحلول عام 2015م  

ومع أن سنة 2015م قد حلّت مع بدايات سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة - وفي مقدّمتها قطاع التعليم العام والعالي- دون أن يصل ذلك الهدف إلى تحقيق حتى جزءّ مقدّر من أهدافه، على صعيد المجتمع اليمني،

 فها نحن الآن بعد مضيّ أكثر من عشر سنوات على ذلك التاريخ؛ نشهد تدهوراً غير مسبوق، في مختلف مجالات التعليم، معلّماً، وتلميذاً، ومنهجاً، وإدارة، وإشرافاً، وبنية مدرسية، وبيئة تعليمية...إلخ، 

مع مزاعم حوثية لا تنتهي من التميّز والجودة والشفافية وحوكمة التعليم، وتحقيق مجتمع المعرفة، والاعتماد الأكاديمي على مستوى التعليم العالي...إلخ، 

ولا غرابة في ذلك مادامت سياسة الحوثيين العلنية تفاخر بحرصها المستمر على الدفع بطلبة المدارس والجامعات وغيرهم إلى جبهات القتال، بمن في ذلك الأطفال في المرحلة الأساسية، 

حيث يسوّق إعلامهم ومواقعهم الإلكترونية، وكل منابر التأثير الجماهيري، وبخاصة منذ سيطرتهم على الدولة في 2014م، على ضرورة اشتراك الجميع في الجبهات لمقاتلة "الأمريكيين والإسرائيليين والدواعش"، 

ويمنّون من ينخرط بذلك بـ"جنات النعيم"، ولذلك اشتهرت مظاهر احتفائهم بمن يُقْتَل في تلك المعارك، فيزفّ إلى أهله، وتطلق زخات كبيرة من الرصاص، وتقام مظاهر الاحتفاء بأنواعها، 

حتى إنه ليدفع بآباء المقتولين- بمن فيهم الأطفال- وذويهم ليفاخروا بذلك ويصرّحوا - مرغمين في أحيانٍ كثيرة- بأنهم سيواصلون القتال بكل أبنائهم، 

ولهذا فإن المرء ليدهش حين يجد بعض الصور التي تعرضها وسائل الإعلام الحوثية لمن يصفونهم بالشهداء، حيث لا تكاد تتجاوز أعمار عدد غير قليل منهم سن المرحلة الابتدائية (سنّ الثانية عشرة ونحوها)!

ويثيرك الحوثيون أكثر حين يسعون إلى سوق أطفال المدارس إلى حتفهم في الجبهات، بشتّى الوسائل والأساليب، بما فيها من تزييف وعي، وغسيل دماغ، وتشويه الأهداف السامية النبيلة، حتى إنهم لم يدخّروا وسعاً، 

فيخرجوا في سنة 2024م، بتوجيه من وزارة التربية والتعليم والبحث العلمي (الخاضعة لسيطرتهم في صنعاء)، وعبر قطاع التدريب والتأهيل؛ ما وصفوه بـ" دليل مهارات التفوق للطالب الرسالي"،

 مكوّن من 40 صفحة، مستهلاً بمقولة لمؤسس الجماعة " حسين الحوثي" مع صورة محسنّة له،

 وأخرى لأخيه، زعيم الجماعة بعده، عبد الملك الحوثي، ويجعلون مما وصفوه دليلاً لـ"مهارات التفوّق للطالب ..." دورات للتلاميذ، أو لمن يجتبونهم من التلاميذ.

أما الأهداف العامة لذلك الدليل، في ضوء الأيديولوجيا الحوثية فمنها  :

 - يحدد أسباب الواقع المزري للأمة العربية والإسلامية

 -يذكر طرق التخلّص من الواقع المزري بالأمة

 - يستشعر ضرورة الحرص على البراءة من أعداء الله والتولّي لأولياء الله

 - يتبنى المواقف العملية في مواجهة الأعداء ...

ولم يعد ثمّة سرّ في أن تلك الأهداف تنطلق من نفسية أيديولوجية حوثية خالصة، هي التي تحدّد – وفق منطقها- تلك الأسباب التي أدّت إلى وقوع الأمة كلها في حالة الترّدي، التي انحدرت إليها، 

وهي – وفقاً لجملة الأدبيات الحوثية ذات العلاقة، وخاصة ملازم مؤسس الجماعة، وخطب شقيقه عبد الملك- إنما تكمن في ابتعاد الأمة، عن عقيدة الإيمان باستمرار حكم " أهل البيت" وموالاتهم"، 

والوقوف ضدّ كل من يخالفهم ويقف في طريقهم، ليقع الإسقاط المباشر هنا، على المشروع الإيراني وأدواته في المنطقة، في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن، 

بحيث يُصوّر للتلاميذ -خاصة-؛ أن كل من يدافع عن بلده، ويقف في وجه المشروع الإيراني وأدواته؛ إنما يقف في وجه حكم "أهل البيت"، الممتد إلى يوم القيامة، مبغضاً لهم ولعلي وفاطمة والحس والحسين، 

وهاهنا تتجلى دلالات الأهداف السابع والثامن والتاسع، حيث تتحدد طرق التخلّص من تلك الأسباب، بحشد كل الطاقات والإمكانات، للكبار والصغار- وفي مقدّمتهم تلاميذ المدارس- للتصدّي المباشر بكل الوسائل والأساليب، لكل من يقف عائقاً في وجه حكم " أهل البيت" من النواصب وأحفاد معاوية ويزيد، 

وأهم وسائل مواجهة أعداء " أهل البيت": احتشاد الجميع – بمن فيهم طلبة المدارس- إلى جبهات القتال، لمنازلتهم والقضاء المبرم عليهم، لترتفع راية ولاية "أهل البيت" والحسين وزيد بن علي والهادي مجدداً، 

وبذلك يتحقق الهدف الثامن عملياً، لينتقل من طور الاستشعار بالحرص على البراءة من أعداء الله والتولّي لأوليائه، إلى طور الهدف الذي يليه، 

وهو التطبيق العملي، أي أن "يتبنى المواقف العملية في مواجهة الأعداء" ، بالانخراط – أولاً- في جبهات القتال، لبلورة تلك الأهداف على نحو فعلي وتنفيذها،

 بما يؤكّد مدى المصداقية والإيمان في البراءة من أعداء الله" أعداء أهل البيت"- بالمنطق الشيعي المغالي - والحوثي في مقدّمته- وتبني المواقف العملية الميدانية في مواجهته، بالانخراط الميداني في جبهات القتال!

في ضوء ما تقدّم فيغدو من غير المجدي البحث في الغايات التي نصّت عليها أهداف الألفية المشار إليها، ومن باب أولى البحث في مؤشرات قياس مدى التحقق المحرز، 

إذ لا تكون الغايات والمؤشرات إلا في ظل وضع متفاعل إيجاباً مع الهدف ابتداء، أما حين تكون النتائج عكسية تماماً فإن الحديث عن الغايات والمؤشرات يصبح فاقداً لقيمته ومعناه، 

وكذا فإن الحديث عن بقية الأهداف بما فيها الأهداف الثلاثة الأخرى التي ركّزت عليها السلسلة الحالية يصبح غير ذي مضمون، مادامت الأزمة تتسع باتساع سيطرة الحوثيين واستمرارهم في سياسة البلاد عامة وقطاع التربية على نحو أخصّ، وفق تلك السياسة التي عُرِفوا بها، ومما يؤكّد ذلك السياسة التي يتبعها الحوثيون بالخصوص تُجاه تجنيد الأطفال.
 
أ.د أحمد محمد الدغشي- أستاذ أصول التربية وفلسفتها- جامعة صنعاء