Logo

وساطة في زمن العواصف.. سلطنة عُمان تواجه اختبار اليمن الأصعب

الرأي الثالث 

في تطور دبلوماسي لافت، بدأت سلطنة عُمان تحركات عاجلة لإحياء المفاوضات المتوقفة بين جماعة الحوثي والسعودية، في محاولة لمنع التصعيد عقب تهديدات حوثية باستهداف المملكة.

يأتي هذا التحرك في وقت تواجه فيه الجماعة ضغوطاً مالية داخلية، وعزلة دولية متزايدة بعد إعادة تصنيفها منظمة إرهابية مطلع العام الجاري.

كما تزامنت الوساطة مع زيارة أجراها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن هانز غروندبرغ إلى مسقط برفقة المسؤول الأممي الجديد لملف المحتجزين، معين شريم، حيث التقيا مسؤولين عُمانيين وممثلين عن الحوثيين، في مسعى لإعادة الزخم للمفاوضات السياسية، وضمان الإفراج عن عشرات الموظفين الأمميين المحتجزين في صنعاء منذ عام 2021.

مفاوضات مكثفة

وكشفت مصادر أن مسقط شرعت في مفاوضات مكثفة مع الحوثيين والسعودية بالتنسيق مع مكتب المبعوث الأممي، لإعادة تفعيل خارطة الطريق التي تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى عام 2022 برعاية عمانية وأممية.

وبحسب المصادر، تتركز المطالب الحوثية على إلزام الرياض بتنفيذ بنود الاتفاق، وعلى رأسها صرف رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين في مناطق سيطرة الجماعة، وفتح الطرق الرئيسية بين المدن، وتثبيت وقف إطلاق النار الشامل.  

كما يشير إلى أن هناك حديثاً عن تعديل محتمل في خارطة الطريق لتتناسب مع المتغيرات السياسية والاقتصادية الراهنة، إذ يسعى الحوثيون لتخفيف العقوبات المفروضة عليهم بعد إعادة تصنيف الولايات المتحدة لهم كمنظمة إرهابية، ما حد من وصولهم إلى النظام المصرفي الدولي، الأمر الذي انعكس على تحصيلهم للرسوم والجمارك في ميناء الحديدة، الشريان المالي الرئيسي لهم.
 
عزلة مالية واحتقان  

ومنذ مطلع العام 2025، يواجه الحوثيون أزمة مالية خانقة نتيجة القيود المفروضة على التحويلات الخارجية والرقابة على شبكات التمويل.

ودفعت هذه الأزمة الجماعة إلى زيادة الجبايات والضرائب على المواطنين والتجار في مناطق سيطرتها، ما تسبب في تصاعد احتجاجات شعبية غير مسبوقة في صنعاء والحديدة وإب.

كما ترى مصادر سياسية يمنية أن هذه الأزمة المالية الداخلية كانت من أبرز دوافع الحوثيين للعودة إلى طاولة المفاوضات عبر وساطة عُمانية، سعياً للحصول على مخرج اقتصادي يخفف الضغط الشعبي المتزايد عليهم.

وتشير تقارير اقتصادية إلى أن الحوثيين فقدوا أكثر من 40% من عائداتهم الشهرية بعد تضييق التحويلات الخارجية، في حين تواجه مؤسساتهم المصرفية خطر الانهيار في حال استمرار العزلة الدولية.

وساطة أممية

في موازاة التحرك العماني، أكدت الأمم المتحدة، في بيان لها (29 أكتوبر)، أن هانز غروندبرغ ومعين شريم زارا مسقط وبحثا مع مسؤولين عُمانيين وممثلين عن الحوثيين، سبل استئناف العملية السياسية وضمان الإفراج عن جميع الموظفين الأمميين المحتجزين تعسفياً لدى الجماعة.

وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة: إن "الحوثيين احتجزوا بشكل تعسفي موظفاً أممياً جديداً يوم الاثنين، ليرتفع عدد المحتجزين إلى 59 موظفاً على الأقل، بعضهم منذ عام 2021".

ويعد هذا الملف أحد أبرز القضايا التي تعرقل تقدم المفاوضات وفق خارطة الطريق العمانية - الأممية، إذ تصر الأمم المتحدة على أن إطلاق سراح موظفيها شرط أساسي لاستعادة الثقة بين الأطراف وتهيئة المناخ لأي تسوية سياسية شاملة.

وتعود خارطة الطريق إلى ديسمبر 2022، حين جرى الاتفاق بالأحرف الأولى بين الحوثيين والسعودية على آلية لوقف إطلاق النار وصرف الرواتب وفتح الطرقات.

غير أن التنفيذ تعثر بعد تصاعد هجمات الحوثيين ضد الملاحة في البحر الأحمر، وإعادة تصنيف الجماعة كياناً إرهابياً.

وكانت الخارطة تمثل أبرز محاولة لتقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع في اليمن بعد هدنة أبريل 2022، التي رعتها الأمم المتحدة ونجحت في تهدئة القتال لأشهر،

 إلا أن التطورات الإقليمية، خصوصاً اندلاع الحرب في غزة وامتدادها إلى البحر الأحمر، أعادت الملف اليمني إلى نقطة الصفر، حيث اتجه الحوثيون إلى استثمار الوضع الإقليمي لإبراز أنفسهم كقوة مواجهة لـ"إسرائيل" والولايات المتحدة.

كما يرفض الحوثيون حتى الآن التفاوض المباشر مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً معتبرين أن "شرعيتهم" تعززت بعد مشاركتهم العسكرية في دعم غزة، في حين يؤكد المجتمع الدولي أن أي عملية سياسية لا يمكن أن تستند إلا عبر الحكومة الشرعية، وفق قرارات مجلس الأمن ومخرجات الحوار الوطني.
 
الفرصة الأخيرة

و يرى الباحث السياسي نجيب السماوي أن "سلطنة عُمان تحاول من خلال تحركها إنقاذ ما تبقى من خيوط التهدئة بين الحوثيين والسعودية، وسط تصاعد نذر المواجهة على أكثر من جبهة"، مضيفاً:

- الحرب الإسرائيلية – الإيرانية ألقت بظلالها على كل الملفات العالقة في المنطقة، واليمن بات جزءاً من مشهد أوسع تحكمه الحسابات النووية والصاروخية في طهران وتل أبيب وواشنطن، لا قرارات صنعاء أو الرياض فقط.

- تدرك مسقط أن فشل جهودها سيعني عملياً عودة المواجهة، فكل طرف في هذه المعادلة المتشابكة يختبر حدود خصمه.

- الحوثيون يلوحون بالتصعيد العسكري كورقة ضغط، والسعودية ترد بالهدوء المدروس بانتظار وضوح المشهد الإيراني، فيما تبدو الوساطة العمانية كخيط الأمان الأخير.

- المفاوضات الحالية رغم هشاشتها تحمل في طياتها ما يشبه "الفرصة الأخيرة"، فالحوثيون يفاوضون من موقع متوتر، يختلط فيه الإحساس بالانتصار الرمزي في غزة مع واقع اقتصادي منهار داخل مناطقهم.

- أما السعودية فتحاول التوفيق بين الحفاظ على هدنة الشمال والانخراط في الترتيبات الإقليمية الجديدة بعد نهاية حرب غزة.

- لكن العامل الحاسم هذه المرة لا يكمن في مسقط أو الرياض، بل في موازين القوى الكبرى، فكل تقدم أو تراجع في مفاوضات الملف النووي الإيراني أو في جبهات لبنان وغزة ينعكس مباشرة على اليمن.

- لهذا لا تبدو وساطة عُمان مجرد مبادرة إنسانية أو سياسية، بل جزءاً من إدارة إقليمية للأزمات المتشابكة حيث تتحرك كل عاصمة وفق مصالحها وحسابات اللحظة.

- يمكن القول إن نجاح الوساطة العُمانية مرهون بقدرة جميع الأطراف على تجميد صراعاتها الخارجية ولو مؤقتاً.

- إذا استمر التصعيد في الإقليم، فستتحول خارطة الطريق اليمنية إلى ورقة من الماضي، وتعود جبهات القتال إلى الواجهة، وحتى ذلك الحين تظل عمان تمارس دور "المُطفئ الهادئ" في محيطٍ يشتعل بالنيران.

يوسف حمود