Logo

أزمة النقل البري في اليمن تتفاقم وسط فوضى الشركات

 هزّت حادثة العرقوب في محافظة أبين، جنوب عدن، قطاع النقل البري في اليمن الذي يعيش على وقع أزمة متصاعدة لا تتوقف عند حدود الاشتراطات التجارية لحافلات النقل العاملة في الخطوط الطويلة داخلياً وخارجياً، ومعايير الأمن والسلامة، 

بل تمتد إلى آلية استيراد الحافلات والشكوك التصنيعية حولها، إضافة إلى فوضى انتشار المكاتب والشركات.

وقد فتحت هذه الحادثة المأساوية، التي سارعت الحكومة اليمنية الشرعية إثرها إلى تشكيل لجنة للتحقيق، الباب على مصراعيه أمام التحرك لمراجعة هذا القطاع الذي يشهد توسعاً متسارعاً وتحولاً إلى ما يشبه الفوضى في عمل مئات الشركات والمكاتب العاملة في النقل البري التجاري والسفر والسياحة.

وأقرت اللجنة الحكومية إيقاف نشاط شركة صقر الحجاز للنقل الجماعي بعد التحقيق في حادث احتراق إحدى حافلاتها في محافظة أبين، إذ خلص تقرير اللجنة – وفق بيان صادر عن وزارة النقل – إلى وجود اختلالات فنية وتشغيلية جسيمة.

 وقد رُفع التقرير إلى رئيس الحكومة مرفقاً بالتوصيات اللازمة لتعزيز إجراءات السلامة في قطاع النقل البري.

ويؤكد مختصون أن الحادث كشف افتقار الحافلات الجديدة إلى نظام أمان حقيقي، وعدم وجود معايير سلامة واضحة، معتبرين أن مقررات تعليق باب الأمان أو غيره غير منطقية.

 كما أبرز الحادث ثغرة كبيرة في تصميم هذه الحافلات، إلى جانب القصور من قبل الجهات المعنية، في وقت تسبب فيه الإغراق والاستيراد المفتوح بدخول أصناف رديئة ومتهالكة من الحافلات إلى البلاد نتيجة طول فترات استخدامها.

وبدوره، يقول المحلل الاقتصادي المتخصص في قطاع السياحة والسفر صادق هزبر إن الحافلات الكبيرة أصبحت خلال السنوات القليلة الماضية إحدى وسائل النقل التي لا تحظى بسمعة جيدة في اليمن، بعد أن أبرم القطاع الخاص صفقات مع شركات تصنيع صينية أو كورية من دون مراعاة المواصفات العالمية للسلامة.

 كما يشير إلى شراء حافلات مستخدمة ومتهالكة من بعض الدول، إضافة إلى سوء الطرقات المستحدثة نتيجة الحرب، والتي تُقطع عبرها مسافات طويلة وتفتقر حتى إلى محال تغيير الزيوت.
 
ويضيف هزبر أن عدم الاهتمام بالصيانة الدائمة قبل الرحلات يزيد المشكلة تعقيداً، موضحاً أنه في الماضي كانت شركات النقل الجماعي الحكومية تعتمد على حافلات "مرسيدس بنز" الألمانية ذات الجودة العالية، إضافة إلى وجود قطاع هندسي متكامل ومقر رسمي خاص بها في صنعاء. 

ويشدد هزبر على ضرورة ضبط عملية منح التراخيص، وتصنيف المنشآت العاملة، وتطبيق اشتراطات صارمة في استيراد الحافلات وإجراءات فحصها الفني.

وأصدرت الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري، في 10 نوفمبر/تشرين الثاني، تعميماً للمسافرين حذّرت فيه من التعامل مع شركة البراق للنقل الداخلي، بسبب عدم قدرتها على نقل الركاب، وإهمال صيانة الحافلات وتجهيزها، ما يؤدي إلى أعطال متكررة تتسبب بمبيت المسافرين في الطرقات، فضلاً عن عدم الالتزام بمواعيد الرحلات.

 وأكدت الهيئة أن الشركة غير مرخصة لديها، وأصدرت لاحقاً توضيحاً بأن المنع يخص النقل الداخلي بين المحافظات فقط وليس النقل الدولي. 

وقد فجرت الحادثة الأخيرة أيضاً تساؤلات حول نظام السلامة والطوارئ في الحافلات التي يستخدمها عشرات الآلاف من المغتربين اليمنيين في دول الجوار.

في السياق نفسه، يشير فؤاد علي، المهندس الفني في إحدى شركات السفر، إلى أن أسطول الشركة الذي يزيد على 80 حافلة يخضع لصيانة دورية شاملة قبل كل رحلة وبعدها، تحت إشراف الجهات المختصة في وزارة النقل.

 ويعكس هذا العدد من الحافلات اتجاهاً لدى بعض الشركات لتقليص أساطيلها، في وقت تتزايد فيه أعداد المكاتب والشركات العاملة في النقل والسفر في البلاد. 

ويوضح فنيون وخبراء أن أحد أهم أسباب المشاكل هو ضعف إجراءات الصيانة، ما يؤدي إلى خروج متكرر للحافلات عن الخدمة بسبب أعطال فنية لا يجرى إصلاحها، وهو ما يكشف غياب الاهتمام بجوانب السلامة لدى هذه المنشآت.

وبينما ينتظر القطاع القرارات التي سيصدرها رئيس الحكومة بناءً على تقرير لجنة التحقيق، عقدت وزارة النقل في صنعاء اجتماعاً طارئاً عقب حادثة أبين لمناقشة الإجراءات اللازمة لضمان توفر متطلبات الأمن والسلامة في شركات النقل الجماعي الدولي، وبحث إلزامها بإجراء فحص فني شامل لكل حافلة قبل كل رحلة.

 وأكد الاجتماع ضرورة التزام شركات النقل الجماعي بالإجراءات المنظمة للرحلات القادمة من دول الجوار، وعدم الاستعانة بسائقين احتياطيين مؤقتين بالأجر اليومي، لِما يمثله ذلك من مخاطر أثناء القيادة.
 
وشهدت اليمن خلال السنوات القليلة الماضية تضخماً كبيراً في أعداد مكاتب وشركات النقل والسفر والعمرة، نتيجة ما يعتبره كثيرون تساهلاً من الجهات المختصة في منح تراخيص العمل من دون تطبيق المعايير والإجراءات المنظمة، مستغلين الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد بسبب الصراع الذي أدى إلى تفكك مؤسسات الدولة وانقسامها.

وخرج اجتماع صنعاء – التي تُعد المركز الرئيسي لما يقارب 70% من المنشآت العاملة في النقل والسفر والعمرة – بعدد من القرارات، أبرزها إلزام شركات النقل بإجراء فحص فني لكل حافلة قبل كل رحلة قادمة من دول الجوار، ومنع اعتماد السائقين بالأجر اليومي، وإلزام الشركات بإرسال بيانات الفحص الفني ووثائق السائقين إلى هيئة تنظيم شؤون النقل البري قبل موعد السفر بـ24 ساعة للتحقق من استيفاء متطلبات السلامة.

محمد راجح