Logo

الحمى الشوكية... خطر يهدد حياة أطفال اليمن

 باتت بيئة اليمن موبوءة بالأمراض التي يمكن الوقاية منها، مثل الحمى الشوكية، حال إصلاح المنظومة الصحية المنهارة في البلد الذي يعيش تداعيات الحرب منذ أكثر من عشر سنوات، بالتزامن مع شح اللقاحات، وحظرها في مناطق سيطرة الحوثيين التي تضم نحو 75% من سكان البلاد، 

فضلاً عن موجات النزوح المتكررة، ونقص الغذاء، وصعوبة الحصول على مياه الشرب النظيفة، وانعدام خدمات الصرف الصحي.

في مستشفى ابن خلدون بمدينة الحوطة بمحافظة لحج (جنوب غرب)، كان الطفل أنيس عثمان (7 سنوات) يتلقى الرعاية الطبية منذ إصابته بالحمى الشوكية 

 ويقول والده  : "كنت أعتقد أنها حمى عادية، وستزول بعد يوم أو يومين، لكننا لاحظنا وجود أعراض أشعرتنا بالقلق، إذ كان يعاني من صداع وتصلب في الرقبة وانزعاج كبير من الضوء، مع رغبة دائمة بالنوم. في البداية أعطيناه خافضاً للحرارة ومهدئات، لكن حالته لم تتحسن، ما جعلني أنقله إلى المستشفى 

إذ أجرى له الأطباء الفحوص اللازمة، وشخصوه بالحمى الشوكية، وأكدوا أن المرض منتشر في الفترة الأخيرة".

والحمى الشوكية، أو التهاب السحايا، هو التهاب الأغشية المحيطة بالمخ والحبل الشوكي، وينقسم إلى أشكال جرثومية، وفيروسية، وفطرية، وبعض أشكال المرض يمكن أن تسبب الوفاة، أو تصيب الناجين بإعاقات مستديمة، من بينها الصمم، أو الإعاقة العقلية، أو الشلل الجزئي.
 
ويقول مسؤول الإعلام الصحي بمحافظة تعز، تيسير السامعي، إن "التهاب السحايا من بين الأمراض التي تنتشر في اليمن عامةً، وسُجِّلت 26 وفاة في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً،

 إضافة إلى 1232 إصابة، وتُعدّ تعز من بين المحافظات التي ينتشر فيها المرض 

وتشير الإحصائيات إلى وجود 919 إصابة في تعز، أي أكثر من 70% من الحالات المسجَّلة في محافظات الحكومة الشرعية. لكن نسبة الوفيات قليلة؛ إذ لم تُسجَّل إلا وفاة واحدة من بين كل الإصابات، وهذا مؤشر إيجابي".

ويضيف السامعي: "سُجِّلت 6 وفيات في كل من محافظتَي لحج وأبين، رغم أن عدد الإصابات قليل، وربما يشير ذلك إلى ضعف الخدمات الصحية، أو التأخر في الإبلاغ عن الإصابات، والتي تصل متأخرة فلا يمكن إنقاذها، 

ويعود هذا إلى عدة عوامل، من بينها قلة الوعي لدى الناس، أو عدم معرفتهم بالمرض، والذي يمكن الوقاية منه، خاصة النوع البكتيري، من خلال التلقيح، ويعتبر ضعف تغطية التلقيح سبب في زيادة أعداد الإصابات". 

ويتابع: "المشكلة أن هذا الوضع القائم في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، ما يعني أن الكارثة أكبر في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث لا توجد فرق ترصّد أو إنذار مبكر أو إحصائيات لمعرفة عدد الإصابات، 

كما أن الخدمات الصحية تعاني قصوراً شديداً، ويصعب الحصول على أي بيانات، إضافة إلى توقّف كثير من خدمات الرعاية الصحية الأولية".
 
وحسب إحصائية خاصة بالمستشفى السويدي للطفولة والأمومة في تعز، فإن عدد المصابين بالحمى الشوكية الذين استقبلتهم المستشفى منذ بداية العام حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بلغ 775 مصاباً، 

وكان شهر يوليو/ تموز الماضي هو الأكبر في عدد الحالات، والتي بلغت 125 إصابة، بينما سجل العدد الأقل في شهر فبراير/ شباط، وكان 52 إصابة.

يعمل الطبيب محمد عبدالعزيز النقيب، في مركز 22 مايو الطبي بريف تعز، ويقول إن "مرض الحمى الشوكية منتشر حالياً في عدد من مناطق اليمن، وتزداد أعداد الإصابات عادة في فترة نهاية فصل الصيف وبداية الخريف، وهو مرض ينتقل عبر العدوى الفيروسية أو البكتيرية أو الطفيلية أو الفطرية،

 ويمكن أن تحصل العدوى عبر السعال، أو العطس، ويتفاقم مع ضعف المناعة، وهو يصيب مختلف الأعمار، لكنه يصيب الأطفال  بشكل أكبر، خاصة من يعيشون في بيئة غير صحية، والأطفال الذين لم يأخذوا اللقاحات أكثر عرضة للإصابة".

ويؤكد الطبيب النقيب أن "الحمى الشوكية يمكن أن تسبب مضاعفات دائمة للمريض في حال عدم تلقي العلاج في الوقت المناسب، وتكمن الخطورة في قلة وعي الأهالي، والذين يستمرون في منح المريض أدوية الحمى العادية والمهدئات من دون استيعاب مخاطر عدم إسعافه إلى المستشفى، وهذا التأخير في إسعاف المريض يفاقم حالته الصحية، وقد يسبب الوفاة".
 
في العاصمة صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثيين، ينتشر مرض الحمى الشوكية بشكل واسع، وتستقبل المستشفيات والمراكز الطبية حالات يومية، لكن لا توجد إحصائيات رسمية حول عدد المصابين نتيجة التعتيم الذي يفرضه الحوثيون.

أصيبت الرضيعة ريم بالحمى الشوكية، وكادت أن تفقد حياتها لولا أنه جرى إسعافها إلى إحدى مستشفيات صنعاء، حيث مكثت لمدة أسبوعين نتيجة سوء حالتها الصحية، ثم تماثلت للشفاء.

 يقول والدها : "رغم أنها طفلتي الوحيدة، إلا أنني صدقت الرواية الرسمية التي تفيد بأن اللقاحات عبارة عن مؤامرة صهيونية أميركية، وتهدف إلى نشر الأمراض بين أبنائنا، 

وكانوا يقنعونني أن أفراد الأجيال السابقة لم يعرفوا هذه اللقاحات، وعاشوا بصحة جيدة، ولذا لم أحاول أن أحصل على اللقاحات الخاصة بابنتي كما يفعل بعض الآباء عبر جلبها من مناطق الحكومة الشرعية".

ويضيف الأب: "قبل دخول ابنتي عامها الثاني بشهر واحد، فوجئت بمرضها، إذ أصيبت بحمى مصحوبة برفضها للرضاعة، والبكاء بشكل دائم، مع أنين وتشنجات غير طبيعية، إضافة إلى سرعة في التنفس، 

وأمام وضعها الحرج، بادرت بإسعافها إلى إحدى مستشفيات صنعاء، حيث أخبرني الطبيب أنها مصابة بالحمى الشوكية، ولا بد من إدخالها إلى قسم الرقود من أجل الحصول على عناية طبية خاصة. 

عشت حالة من القلق على صحة ابنتي، وبعد أسبوعين تماثلت للشفاء، وأخبرني الطبيب أن السبب الرئيسي لإصابتها هو عدم أخذها اللقاحات".
 
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن مرض الحمى الشوكية قد يكون مُعدياً أو غير معدٍ، ويرتبط بارتفاع مخاطر الوفاة، أو مضاعفات طويلة الأمد، ويتطلب رعاية طبية عاجلة، 

ويُعد التهاب السحايا البكتيري أخطر أنواع المرض، وهو يهدد الحياة، ويمكن أن يؤدي في كثير من الأحيان إلى عواقب صحية طويلة الأمد، 

وهناك أربعة مُمْرِضات رئيسية تسبب الإصابة بالتهاب السحايا البكتيري الحاد، وهي المكورة السحائية، والعقدية الرئوية، والمستدمية النزلية، والعقدية القاطعة للدُّر.

وتعمل منظمة الصحة العالمية على خطط وبرامج هادفة لمكافحة الحمى الشوكية، بهدف القضاء عليه بحلول عام 2030، ضمن استراتيجية تركز على عدة محاور رئيسية، تشمل الوقاية عبر التحصين، وتحسين التشخيص والعلاج السريع، وتعزيز رعاية المصابين ودعمهم، والحد من الإعاقات الناتجة عن المرض.

وتظهر التقديرات الأممية تراجعاً في تغطية لقاحات وحُزم صحية أساسية، إذ بلغت نسبة استكمال جرعات لقاح المكورات الرئوية (PcV3) نحو 45% في عام 2023، ما يعني أن نسبة كبيرة من الأطفال دون سن الخامسة لا يحصلون على حصانة كاملة ضد المسببات البكتيرية الرئيسية للحمى الشوكية.

فخر العزب
صحافي يمني