Logo

القتل خارج القانون: دليل على انهيار المؤسسات في اليمن

 تحولت واقعة إعدام ميداني خارج إطار القانون، شهدتها أخيراً مديرية حبان بمحافظة شبوة جنوبي اليمن إلى قضية رأي عام، عقب تداول واسع لمقطع مصوّر يوثّق الحادثة، ما فجّر موجة غضب واستنكار في الأوساط الحقوقية والإعلامية، 

وأعاد إلى الواجهة مطالب متزايدة بتفعيل مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها السلطة القضائية.

وتعود تفاصيل الحادثة إلى قيام مسلحين قبليين من قبيلة آل سود بقتل الشاب أمين ناصر باحاج، من قبيلة باحاج، علناً في ساحة عامة، خارج أي إجراءات قضائية رسمية،

 بعد أن كانت أسرته قد سلّمته إلى أهل المجني عليه، على خلفية اتهامه بقتل المواطن باسل المرواح البابكري في العاشر من الشهر الحالي.

 وأظهر المقطع المتداول قيام المسلحين بطرح الشاب أرضاً وإطلاق وابل من الرصاص عليه، حيث أُفرغ مخزن ذخيرة كامل (نحو 30 طلقة) في جسده، 

في مشهد صادم اعتبره يمنيون انتهاكاً فاضحاً لسيادة القانون، وتجاوزاً حتى للأعراف القبلية، وجريمة تعكس حجم الانهيار الذي أصاب منظومة العدالة، وتنامي ثقافة العنف خارج سلطة الدولة.

فتح تحقيق

وعلى إثر الحادثة، وجّه النائب العام للجمهورية، القاضي قاهر مصطفى، نيابة استئناف محافظة شبوة بفتح تحقيق عاجل في واقعة القتل خارج القانون، 

حيث باشرت النيابة إجراءاتها القانونية بالتنسيق مع السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، لجمع الأدلة، والاستماع إلى إفادات الشهود، وتحديد المسؤوليات القانونية بحق جميع المتورطين في تنفيذ الجريمة.
 
ويُعد القتل خارج إطار القانون فعلاً مجرّماً وفق تشريعات الجمهورية اليمنية، بما في ذلك الدستور، وقانون العقوبات العام والعسكري، وقانون الإجراءات الجزائية، وقانون هيئة الشرطة، فضلاً عن مخالفته للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها من قبل اليمن.

 وتكشف تقارير حقوقية محلية ودولية أرقاماً مقلقة حول انتشار هذه الجرائم. إذ أفادت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، وهي لجنة وطنية مستقلة،

 بأن تقريرها الأخير، الذي غطّى الفترة من أغسطس/آب 2024 حتى يوليو/تموز 2025، وثّق 79 حالة ادعاء بالقتل خارج القانون، ثبتت مسؤولية جماعة الحوثي عن 33 حالة منها، وقوات الجيش والجهات الأمنية التابعة لها عن 12 حالة. 

كما أشارت اللجنة إلى توثيق أكثر من 1100 حالة قتل خارج القانون منذ بدء عملها في 2016.
 
بدورها، كشفت منظمة "رايتس رادار" الحقوقية، في تقرير صدر في فبراير/شباط الماضي، عن تسجيل 953 حالة قتل خارج القانون في اليمن خلال الفترة الممتدة من سبتمبر/أيلول 2014 وحتى أغسطس 2024، بدوافع سياسية وطائفية ومناطقية وأيديولوجية وعسكرية. 

وذكرت المنظمة أن جماعة الحوثي كانت الجهة الأكثر تورطاً، بواقع 481 حالة في 19 محافظة، تلتها تشكيلات عسكرية غير خاضعة للحكومة الشرعية بـ238 حالة، ثم تنظيم القاعدة بـ205 حالات.

 وبحسب التقرير، تنوّعت أساليب القتل بين الرصاص الحي في 640 حالة، والقصف في 148 حالة، والقتل تحت التعذيب في 92 حالة، إضافة إلى 36 حالة ذبح بالسكاكين على غرار أساليب تنظيم داعش، و13 حالة استخدم فيها الضحايا دروعاً بشرية.

وفي هذا السياق، قال رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، توفيق الحميدي،  إن ما حدث في محافظة شبوة يُعد جريمة قتل عمد خارج إطار القضاء، ويُصنَّف قانونياً كجريمة مكتملة الأركان، يعاقب عليها قانون العقوبات اليمني، وقد تصل عقوبتها إلى الإعدام،

 فتنفيذ القصاص ليس حقاً فردياً ولا قبلياً، بل هو حق حصري للقضاء، ولا يجوز تنفيذه إلا بحكم قضائي صادر بعد استنفاد جميع مراحل التقاضي، وتوفير الضمانات القانونية والمحاكمة العادلة للمتهمين.
 
واعتبر الحميدي أن "ما جرى يمثل انتهاكاً صارخاً لحق الحياة، وهو حق مقدس في القانون اليمني، والقانون الدولي، 

وكذلك في الشريعة الإسلامية التي تحرم القتل وتجيز القصاص فقط عبر قضاء مختص، ولا يمكن تبرير هذه الجريمة بأي مبررات عرفية أو اجتماعية، لأن العرف لا يمنح أي جهة حق إزهاق الأرواح". 

وأكد الحميدي أن تكرار مثل هذه الحوادث يعود إلى غياب الدولة كمظلة قانونية، وضعف مؤسسات القضاء، وانعدام الثقة بالإجراءات العدلية، إلى جانب انتشار المليشيات وتعدد مراكز القوة خارج إطار الدولة، 

وما نتج عن ذلك من تطبيع للعنف وتراجع للمعايير القانونية والأخلاقية في المجتمع"، 

مشدداً على أن "معالجة هذه الظاهرة تبدأ باستعادة دور الدولة والقضاء، ومحاسبة جميع المتورطين بدون استثناء، وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب، وتحييد الأعراف القبلية عن قضايا الدم، مع تعزيز التوعية القانونية والدينية، وتشجيع المصالحات المجتمعية التي تحترم القانون وحق الحياة".

تزايد ظاهرة القتل في اليمن

من جهته، قال الناشط السياسي رامي الشمساني، إن تزايد ظاهرة القتل خارج إطار القانون في اليمن خلال السنوات الأخيرة يعود إلى جملة من الأسباب المتزامنة بعضها مع بعض، والناتجة عن الحرب في البلاد،

 في مقدمتها انهيار مؤسسات الدولة، وضعف المؤسسات القضائية والأمنية، 

وتعدد الجماعات والتشكيلات المسلحة الخارجة عن سلطة القانون، وانتشار السلاح غير المنضبط، وبروز دور القبيلة وأعرافها على حساب مؤسسات الدولة. وأشار الناشط السياسي إلى أن الإفلات من العقاب شكّل بيئة خصبة لتكريس وتزايد هذه الجرائم، 

إذ نادراً ما يتم التحقيق الجاد فيها أو محاسبة المتورطين، سواء كانوا أفراداً أو جماعات مسلحة أو جهات أمنية، في ظل تزايد الصراعات المجتمعية التي يتم تغذيتها بخطاب الكراهية والتحريض على العنف.

وأكد أنّ القضاء على جرائم القتل خارج إطار القانون أو الإعدامات الميدانية يتطلب إعادة الاعتبار لسلطة وقوة القانون، وتوحيد الأجهزة الأمنية والعسكرية ضمن مؤسسات مهنية خاضعة للمساءلة، إلى جانب تفعيل مؤسسة القضاء وضمان استقلاليته،

 وفتح تحقيقات شفافة في جميع حوادث القتل خارج القانون التي تمت خلال السنوات الماضية، ومحاسبة المسؤولين عنها، على اعتبار أنها جرائم لا تسقط بالتقادم، وتعويض الضحايا،

 فضلاً عن دور المجتمع في التوعية بالقانون، وفضح المسؤولين عن هذه الانتهاكات، وبناء رأي عام ضاغط على الجهات الحكومية لمحاكمتهم أمام القضاء، من أجل الانتصار للعدالة، واستعادة السلم المجتمعي.

فخر العزب
صحافي يمني