توجها وقرارات إقليمية بالتخلص من حزب الإصلاح وقواه العسكرية

ما قبل أغسطس/آب 2022، ليس كما بعده، وذلك على مستوى اليمن بشكل عام، لكن هذا التاريخ سيكون موجعا بالنسبة لحزب التجمع اليمني للإصلاح، أحد أكبر القوى السياسية والحزبية في البلاد، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه.

فأحداث محافظة شبوة الأخيرة، أثبتت أن هناك توجها وقرارات إقليمية، بالتخلص من الحزب وقواه العسكرية وأدواته المسلحة في مختلف المحافظات اليمنية.

وهذا القرار يؤكده المراقبون، وثمة الكثير من المؤشرات التي تقويه وتثبته في الواقع الميداني، والمشهد السياسي أيضا، والتي بدأت إرهاصاتها منذ مطلع أبريل/نيسان الماضي، أثناء وعقب مشاورات الرياض.

فلطالما اتهم معارضو الإصلاح الحزبَ بالاستحواذ على القرار السياسي والعسكري للشرعية اليمنية، والتخاذل في مواجهة مليشيات الحوثي في مختلف جبهات القتال، خاصة في شمال البلاد، مقابل توجه قوات الإصلاح للسيطرة على المحافظات الجنوبية الغنية بالثروات الطبيعية.

تلك كانت المبررات، أو هكذا تم الترويج لها بحسب رغبة بعض القوى، ودفعت الإقليم لإزاحة الإصلاح من المشهدين السياسي والعسكري في اليمن بشكل عام.

> مرحلة عالمية جديدة

القرار الإقليمي ليس في نظر المحللين ومتابعي الشأن اليمني سوى مجرد ترجمة لتوافق دولي، يريد لليمن أن تنتقل إلى مرحلة جديدة، ليس فيها الإصلاح، أو تنظيم الإخوان الذي يمثله.

فالمحللون لا يستبعدون ما يجري في اليمن عن أية مستجدات ومتغيرات دولية، تلقي بظلالها على كل بقعة من بقاع العالم، بما فيها اليمن، ولعل في تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية دليل قوي على هذا التأثير.

خاصة إذا كان الأمر متعلقا بأزمة الطاقة الناتجة عن هذه الحرب، والتي دفعت المجتمع الدولي للبحث عن مصادر الطاقة في كل زاوية من زوايا العالم، ليس في افريقيا وشرق آسيا، وجزر المحيط الهادي، بل حتى في اليمن، وسط تقارير متداولة في الغرب، تتحدث دوما عن حجم المخزون الاحتياطي للغاز والنفط الذي تكتنزه البلاد.

وترافق هذا مع الادعاءات التي يسوقها معارضو حزب الإصلاح و(تنظيم الإخوان) في اليمن، باستيلاء قيادات التنظيم على حقول النفط والغاز في مأرب والمحافظات الجنوبية حتى.

ويرى مراقبون أن هذه السيطرة الإخوانية على ثروات الطاقة التي تتحدث عنها وسائل إعلام مناهضة للإصلاح منذ سنوات، بل عقود، لفتت انتباه المجتمعين الدولي والإقليمي إلى ضرورة التخلص من القوة المسيطرة على تلك الثروات؛ بهدف توظيف مخزوناتها الخيالية لصالح استقرار الغرب.

الأمر الذي صنع توافقا نادرا للخلاص من الإصلاح وتنظيم الإخوان، وسيطرته على النفط والغاز الجنوبي، وتحويل السيطرة لصالح قوى ومكونات جديدة، يديرها الإقليم والخارج، تضمن مصالحهم.

> اجتثاث شامل

يكون الدافع الاقتصادي في ظل أزمة الطاقة، أجبر اللاعبين الإقليميين والدوليين على إزاحة المتحكمين بثروات النفط والغاز من الساحة، رغم سيطرتهم عليها منذ عقود.

غير أن هذه الإزاحة لم تقف عند المستوى الاقتصادي المتعلق بالثروات النفطية والغازية، ولكنه طال أيضا التواجد السياسي لحزب الإصلاح، والعمل على قهر وهزيمة أدواته العسكرية وقواته المسلحة الموالية له، بحسب معارضيه.

وهو ما يعني أن الإصلاح يواجه اجتثاثا شاملا ومن قوى متعددة، محلية وخارجية، حملته مسئولية ما وصلت إليه البلاد على مختلف الأصعدة.

فالجميع يُحمّل الإصلاح أو (تنظيم الإخوان) مسئولية ما وصلت إليه الأوضاع السياسية من أزمات داخلية، عبر إقصاء بقية القوى والمكونات من المشهد، منذ أحداث 2011، مرورا باستحواذه وأحكامه على منظومة الشرعية عقب عام 2015.

بالإضافة إلى تحميله مسئولية تداعيات الوضع العسكري المهزوز من خلال الفشل في مواجهة الحوثيين، وكذا الظروف الاقتصادية المتردية المتجسدة في الحالة الخدمية والمعيشية الأسوأ على الإطلاق.

ولهذا، فإن الإصلاح يجد نفسه اليوم أمام عملية اجتثاث شاملة تحمله مسئولية الفشل في مختلف الملفات ذات الأولوية، المرتبطة بالدولة أو بالمواطن على السواء، فكيف يمكن أن يواجه الإصلاح محاولات إزاحته من المشهد؟.

> كيف سيواجه الإصلاح هذا الاجتثاث؟

ما زال الإصلاح كحزب حاضرا في مؤسسات الدولة الشرعية، وما زال ممثلوه يتواجدون في مؤسسة الرئاسة والحكومة اليمنية، كجزء من المحاصصة في المجلس الرئاسي ومجلس الوزراء.

لكن يجب ألا يتم تجاهل أن الحزب ما زال متوغلا في الحياة السياسية والعسكرية والأمنية، وحتى الاستخباراتية، ناهيك عن القاعدة الشعبية الواسعة التي يمتلكها عبر أنصاره ومؤيديه، والتي استطاع الإصلاح الحصول عليها بخلفيته وأيديولوجيته الدينية.

وهو ما يجعل قبول الحزب بالأمر الواقع صعبا للغاية، ولا يمكن أن يحدث حتى لو تكالبت عليه القوى المحلية والإقليمية والخارجية، وذلك يعود لعدة عوامل ومسببات يمكن الوقوف عليها.

فببساطة، يمتلك حزب الإصلاح خبرة سياسية وحتى تنظيمية طويلة وفريدة من نوعها، فهو تناوب على التواجد في السلطة والمعارضة على السواء، ولا يشاركه في مثل هذه الميزة سوى الحزب الاشتراكي، وهي خبرة قد تمنحه فرصة للمناورة وعدم الاستسلام بهذه السهولة.

كما أن الفكر التنظيمي للحزب قائم على منهجية غير متوفرة في بقية الأحزاب الاخرى، وهي ما منحته شعبية لا ينكرها أحد، حتى لو وصفت هذه الشعبية أو الجماهيرية بأنها "شعبوية"، إلا أنها منحته مكانة كأحد أكبر الأحزاب اليمنية على مستوى قواعده.

بالإضافة إلى عدم تجاهل توغل الحزب في المؤسسة العسكرية وأجهزة الاستخبارات والأمن، والسيطرة على جزء كبير منها، أجبرت النظام السابق إلى استحداث أجهزة أمنية واستخباراتية موازية بعيدا عن أيدي الإصلاح.

كل ذلك يجعل من الصعوبة بمكان أن يقبل الإصلاح إزاحته من المشهد بهذه السهولة، وحتى لو أبدى قبوله أو سكوته، فإن لن يكون سوى انحناءة مؤقتة أمام العاصفة حتى تمر، ليعود مجددا، بحسب رؤية مراقبين.

> مكونات وقوى بديلة

عطفا على الأدوات التي يمتلكها حزب الإصلاح، وخبرته وشعبيته التي تعطيه فرصة للمناورة، وتحول دون أن ينتهي به المطاف حزبا هامشيا كنظرائه في الحزب الاشتراكي عقب 1994، أو الأحزاب الناصرية والبعثية الأخرى التي واجهها واجتثها النظام منذ سبعينيات القرن الماضي.

كما أن الساحة قد تخلو عقب إزاحة حزب الإصلاح من أي مكونات يمكن أن تحل محله، إلا في حالة واحدة، تتطلب رؤية جديدة لمستقبل اليمن، يصيغها اللاعبون الإقليميون والدوليون بأنفسهم.

وذلك من خلال دعم وتأسيس حزب سياسي جديد، يحظى بدعم وتمويل وتوجيه الدول الإقليمية، بشكل كبير، عندها يمكن فقط أن يتم صناعة واقع حزبي جديد في اليمن، قد يتجاوز حتى الأحزاب التقليدية الأخرى، بما فيها المؤتمر والاشتراكي، وحتى الإصلاح.

وهذا ليس ببعيد عن اليمن، وربما يتم استيراد تجارب سياسية من دول شهدت أزمات الربيع العربي كما شهدتها اليمن، مثل تونس وليبيا، عبر استحداث قوى وأحزاب ومكونات سياسية جديدة تنافس وتزيح الأحزاب التقليدية التي تصدرت المشهد عقب 2011.

ومن المؤكد أن القواعد الشعبية للإصلاح قد ترفض مثل هذا التوجه الإقليمي والدولي لإزاحة حزبهم عن المشهد، خاصة في ظل وجود منابر ومنصات تقنية متاحة في الداخل والخارج للمعارضة وإعلان موقف مناهض، وهو ما قد بدأ فعلا مؤخرا، حتى عبر وسائل إعلام يمنية وعربية موالية لتوجهات الإصلاح والإخوان عموما.

> ما بعد الإصلاح

وإذا كان لا بد من استعراض وجهة النظر المقابلة، فإن مؤيدي الحزب يرون أن كل ما طال الإصلاح من اتهامات وتحميله مسئولية ما وصلت إليه الأوضاع السياسية والعسكرية والمعيشية من تدهور، ليس سوى محاولة انتقام من المواقف الوطنية للحزب عبر تاريخه، ويدفع ثمنها اليوم.

ويعتقد أنصار الإصلاح أن محاولات إزاحته من المشهد تهدف إلى السيطرة على اليمن من قبل قوى خارجية، ولتنفيذ غاياتها بطل سهولة ويسر، عقب التخلص من الحزب، الذي يعرف عنه عدم تماهيه مع مشاريع الإقليم ضد اليمن.

كما يرى مؤيدو الحزب أن القوة السياسية الوحيدة التي يمكن لها أن تقف أمام مخططات تمزيق اليمن والسيطرة عليه هي الإصلاح، ولهذا بدأت عملية اجتثاثه من المشهد.

وان كل ذلك يصب لمصلحة تشكيل المشهد القادم في اليمن، والذي سيكون بدون الإصلاح، بحسب رؤية هؤلاء، خاصة وأن المفاوضات والتفاهمات الدولية مع الحوثيين وبمشاركة التحالف تقضي بمشهد يمني خالٍ من الإصلاح.

خاصة وأن دولا إقليمية تنظر للحزب كعدو، بينما تتخذ مليشيات الحوثي هي الأخرى من الإصلاح عدوا وندا طائفيا وفكريا.

ومتى ما تم تنفيذ هذه التفاهمات، فإن الحرب ضد الحوثيين تكون قد انتهت، والتسوية السياسية قد حانت، وبات من الضروري الخلاص من حزب الإصلاح الوحيد الذي يمكن أن يعارض مثل تلك الخطوات دون استعادة الدولة والجمهورية، كما يرى أنصار الإصلاح.

 عدن الغد - القسم السياسي