كيف استنزف الحوثيون اقتصاد اليمن ؟

دخول أي بلد في حرب سواء داخلية أو خارجية يستلزم معه اتخاذ مجموعة من الآليات والإجراءات الاقتصادية التي تمكنه من تمويل الانفاق العسكري وتغطيته، وذلك لمواجهة النقص الذي قد يتأثر بسبب الوضع العام عسكريًا وسياسيًا.

ويقال إن للحروب اقتصادها، فعلى مر التاريخ كان للعوامل الاقتصادية أهمية كبيرة في التعبئة العسكرية والحرب بشكل عام، وقد زاد من أهمية ذلك ان الحروب التي أصبحت تقوم في عالمنا المعاصر تكتسب تمويلًا متزايدًا سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.

> نقطة تحول الاقتصاد

شكل الـ21 من سبتمبر 2014 نقطة تحول مفصلية في الواقع السياسي والاقتصادي في اليمن، حيث اتسعت دائرة النزاع المسلح، موجدة بذلك مدخلاً لوضع جديد يتسم بالتردي غير المسبوق في الحالة الاقتصادية. ففي هذا التاريخ سيطرت جماعة الحوثي بالتعاون مع قوات عسكرية موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح على العاصمة صنعاء بقوة السلاح لتفرض الجماعة نفسها سلطة أمر واقع بديلة عن سلطة الرئيس هادي.

لقد شكلت الحرب في اليمن التي انطلقت في مارس 2015 بداية لانهيار اقتصادي كبير، حيث ترافق ذلك مع حصار مفروض، وبداية لاستخدام الإجراءات الاقتصادية المختلفة في تعزيز اقتصاد الحرب لجماعة الحوثي، فقد بدأت الجماعة باستنزاف الاحتياطي من النقد الأجنبي والتوقف عن دفع المرتبات الأساسية للموظفين مع فتح أسواق سوداء للمشتقات النفطية وبيعها بأسعار مرتفعة، بالإضافة الى فرض ضرائب وجمارك جديدة على القطاع الخاص والتجار، وبالتالي فقد مكنت هذه الإجراءات جماعة الحوثي من الإمساك بزمام الأمور الاقتصادية واستمرار تمويل الجبهات العسكرية وبشكل لا يظهر تضررها من الوضع والأزمة الاقتصادية التي يعيشها المجتمع اليمني.

> علام يعتمد الاقتصاد اليمني؟

يتصف الاقتصاد اليمني بكونه اقتصادًا ريعيًا، والمقصود بكونه اقتصادًا ريعيًا اعتماده المستمر على الموارد الخارجية، سواء كانت تلك الموارد عائدات تأتي من مبيعات النفط، أو من المساعدات الدولية، أو تحويلات المغتربين من أبناء الدولة، أو مزيجا من بعض أو كل هذه المصادر، وقد أفضى استمرار هذا النموذج في اليمن الى نتائج عديدة اقتصادية وسياسية لعل أبرزها هشاشة الدولة وتشجيع الجماعات غير الرسمية على التمرد عليها، فكانت جماعة الحوثيين إحدى هذه الجماعات التي استفادت من هشاشة الدولة سابقًا، فتمكنت من بناء نفسها والحصول على ريع معين أدى الى تقويتها، وبالتالي انقلابها في نهاية الأمر على السلطة واستيلائها على مقوماتها وإمكانياتها.

ويعتمد الاقتصاد اليمني بشكل رئيسي على إيرادات النفط والغاز والذي يشكل حدود 70الى 80 بالمائة من ميزانية وايرادات الحكومة، كما ان هذا الايراد في تناقص مستمر، ومع انقلاب الحوثيين على السلطة في ربيع 2014 وبداية الحرب والتدخل العسكري توقف انتاج النفط والغاز الذي كان يشكل عصب الاقتصاد، كما توقفت معه المعونات التي كان يقدمها الخارج الإقليمي والدولي كمنح وقروض.

> كيف استنزف الحوثيون اقتصاد اليمن؟

هناك مجموعة من الآليات والإجراءات اتخذتها جماعة الحوثي التي انقلبت واستولت على السلطة في محاولة منها لعمل اقتصاد خاص بها، ومن هذه الآليات والإجراءات التي قدمها الباحث الاقتصادي محمد أحمد الحميري في المركز الديمقراطي العربي منها:

أولا: استنزاف الاحتياطي النقدي، حيث قُّدر الاحتياطي النقدي للجمهورية قبل اجتياح الحوثيين صنعاء في سبتمبر (2014) بحدود 5.1 مليارات دولار، ومع بداية الحرب دخلت القوى الانقلابية مع الحكومة الشرعية في المنفى ما اصطلح على تسميته بالهدنة الاقتصادية. حيث استمرت هذه الهدنة حتى نهاية العام 2016، لتوجه الحكومة الشرعية فيما بعد اتهاماتها لسلطة الحوثيين باستنزاف الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة.

وبحسب البيانات المتوفرة، فقد انخفض الاحتياطي النقدي الى أقل من مليار دولار، مع توقف حركة التصدير، وهو الأمر الذي أدى بالحكومة الشرعية ممثلة بالرئيس السابق هادي في الـ18 من سبتمبر 2016 إصدار قرارًا يقضي بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي ونقل المقر الرئيسي للبنك من صنعاء إلى عدن مبرراً ذلك بأن قرار النقل كان ضروريًا للحفاظ على استقلالية البنك، وهو ما شكل ضربة لحكومة صنعاء في منعها من التصرف من الأصول النقدية للبنك المركزي المتبقية في الخارج، وبالتالي استعادة الكفة لمصلحة الحكومة الشرعية لاتخاذ الإجراءات الاقتصادية كالإصدارات النقدية الجديدة والتحكم بسعر الصرف وغيرها.

ثانيا: التوقف عن دفع مرتبات موظفي الدولة، لقد كان لاستنزاف الاحتياطي النقدي ونقل البنك المركزي الى العاصمة المؤقتة عدن تأثيراته المتعددة على الوضع العام لاسيما على موظفي الدولة، حيث امتنعت سلطة الحوثيين بداية من أغسطس 2016 عن دفع رواتب الموظفين والذين يفوق عددهم أكثر من مليون ومائتين ألف موظف.

ثالثا: إيرادات المحافظات المحلية، تعتبر الإيرادات المحلية من أهم الموارد التي لا زالت جماعة الحوثي تستحوذ عليها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، إذ تعتمد عليها في استمرار تمويل حربها، فبحسب وزير الإدارة المحلية في الحكومة المعترف بها دوليًا، فإن ما يتم تحصيله من قبل جماعة الحوثي من إيرادات المحافظات المحلية الواقعة تحت سيطرتها يفوق 1.7مليار دولار سنوياً، مسخرة ذلك في حروبها وجبهاتها العسكرية.

رابعا: المجهود الحربي، لقد لجأت الجماعة الى فرض جبايات مختلفة تحت مسميات عديدة، إحدى أهم هذه الإجراءات هي فرض جبايات جديدة تحت مسمى المجهود الحربي. ووفقًا لهذا المسمى تطلب جماعة الحوثي من الأفراد والمؤسسات الحكومية والخاصة ورجال الأعمال تبرعات مباشرة لتمويل الجبهات، إذ إنه واجب وطني وفقًا لتعبيرهم.

خامسا: فرض ضرائب جديدة، كشف وزير المالية في حكومة الحوثي عن توجه لرفع ضريبة المبيعات على اتصالات الهاتف النقال والدولي إلى 22% بدلا من 10%، وخدمات الهاتف الثابت والإنترنت من 5% إلى 10%، وضريبة المبيعات على السجائر المحلية والمستوردة والتبغ إلى 120% بدلا من 90%، وذلك ابتداء من أكتوبر 2017، كما كشفت تقارير حول تدارس زيادة ضريبة المبيعات على السيارات من 5% إلى 15%، مما سيرفع عائدات الضريبة على مبيعات المركبات إلى 6 مليارات ريال سنويًا (16 مليون دولار).

سادسا: نقاط التفتيش على الطرق، قامت جماعة الحوثيين بتمويل حروبها من خلال عرقلة بعض أعمال التجار الكبار ليجري ابتزازهم بمبالغ كبيرة يعود ريعها للجماعة أو مشرفين كبار في الجماعة، كما شكا المواطنون والمسافرون بتعدد الحواجز ونقاط التفتيش المنتشرة على طول الطريق والتي تمارس ابتزازًا لهم، حيث تسترزق هذه النقاط وتكتسب أجورها عن طريق ما يتم تحصيله من المواطنين، بغض النظر عن ارتباطهم بسلطة مالية، فما يتم الحصول عليه يتم صرفه بشكل ذاتي لأفراد هذه النقاط، لاسيما مع توقف مرتباتهم ومصاريفهم طوال كل هذه الفترة، وإذا كانت النقاط الأمنية قد بدأت ممارسة الابتزاز لتدبير مصاريف أفرادها، فإنها تحولت لاحقاً إلى مورد ثابت ومصدر دخل تقدر عائداته اليومية بملايين الريالات، فباتت أموال النقاط تعوض توقف موارد أخرى، ويمكنها تمويل أنشطة الحرب المختلفة.

سابعا: الرسوم الجمركية وميناء الحديدة، اتخذت جماعة الحوثيين جملة من الإجراءات الاقتصادية التي بموجها تقوم بفرض جمارك جديدة لمواجهة انعدام الإيرادات، حيث تستهدف هذه الإجراءات الشحنات والبضائع التي خضعت لإجراءات دفع رسوم الجمارك في الموانئ والمنافذ التي تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا كميناء عدن ومنفذ الوديعة البري، وقد أدى هذا الأمر الى ارتفاع كبير في أسعار المواد المستوردة في هذه المدن، وتشددت الجماعة في فرض هذه التعرفات الجمركية الجديدة عبر استحداث منافذ تحصيل في بعض مداخل المدن الخاضعة لسيطرتها كالحديدة وذمار وغيرها. وما يزال ميناء الحديدة أحد أهم وأكبر الموانئ البحرية اليمنية التي يخضع لسيطرة جماعة الحوثي، فهو حتى الوقت الحالي يمكن اعتباره الشريان اليمني الأكبر الذي تصل إليه أغلب الواردات التجارية والغذائية لاسيما الى المناطق الشمالية ليمثل بذلك أحد أهم الموارد لاقتصاد حرب الحوثيين، حيث تكشف إحدى الوثائق الرسمية عن إيرادات فعلية للميناء تقدر بحدود تسعة مليار ريال شهريًا تذهب الى ميزانية الحوثيين وسلطتهم.

ثامنا: تعويم المشتقات النفطية وظهور السوق السوداء، لقد تسببت الحرب التي بدأت في مارس 2015 في تدمير الاقتصاد الرسمي الذي كان يعاني هشاشة وضعفًا وفقًأ للعديد من تقارير المنظمات الدولية، الأمر الذي فتح الطريق أمام تكون اقتصاد غير رسمي عمل على تأسيي كيانات اقتصادية موازية لتمويل الحرب، إحدى هذه الكيانات هي السوق السوداء.

لقد كان لقرار تعويم أسعار المشتقات النفطية الذي اتخذته اللجنة الثورية التي شكلها الحوثيون بعد انقلابهم على السلطة في يوليو 2015، ويذكر تقرير سابق صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش أن فريق خبراء الأمم المتحدة أكد أن بيع الوقود في السوق السوداء أحد أهم المصادر الرئيسية لإيرادات الحوثيين، حيث يفيد التقرير ان الحوثيين جنوا ما يصل إلى 1.14 مليار دولار من توزيع الوقود والنفط في السوق السوداء، بالإضافة الى قيامها باستيراده لأغراضها العسكرية.

تاسعا: الاستيلاء على المعونات الإنسانية مع دخول البلد الصراع الشامل وتصنيفها ضمن أكثر الدول التي تتعرض لمجاعة إنسانية في العالم، زاد الاهتمام الدولي بالوضع الإنساني لاسيما مع التقارير المتصاعدة حول الأزمة الإنسانية التي تعيشها البلد، حيث يقدر اجمالي التمويل الانساني المقدم لليمن حسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) بحوالي ملياري دولار، وفي مثل هذا الوضع فإن مسألة ممارسة الضغوط والاختلاس من قبل الجماعات المسلحة يبدو ممكنًا، خصوصًا مع التقارير المتعددة التي تتحدث عن نهب المساعدات الإنسانية من قبل جماعة الحوثي وتسخيرها لمصلحة اقتصاد حربها.

> هل حان أوان سحب البساط الاقتصادي؟

منذ إعلان مجلس القيادة الرئاسي لتشكيل اللجنة الاقتصادية برئاسة اللواء عيدروس الزبيدي، كانت مهمتها الأولى سحب البساط الاقتصادي من تحت أرجل الحوثيين الذين تفننوا في ابتكار آليات وإجراءات لامتصاص الموارد في سبيل وصولهم إلى أعلى مراتب الثراء الفاحش على حساب جوع ملايين من اليمنيين.

كل ذلك كان لزاما على قيادة المجلس الرئاسي أن تسيطر على دفة سفينة البلاد لكي تدور عجلة الاقتصاد من خلال إلزام كل المحافظات المحررة بتوريد إيراداتها إلى البنك المركزي عدن، وكذلك مراقبة ومتابعة إيرادات الدولة عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية، لاسيما تشغيل ميناء عدن بكفاءة عالية، وعودة عمل مصفاة عدن، إلى جانب متابعة عمليات توريد عائدات تصدير النفط والغاز وغيرها.

في المقابل ظهرت مؤخرا أخبار مسربة تقول إنَّ هناك تقاربا لتوحيد السياسة النقدية بين بنكي عدن وصنعاء وصرف مرتبات جميع الموظفين، حيث تناقلت وسائل اعلام محلية، معلومات حول نتائج ايجابية حققتها الامم المتحدة في المفاوضات بين قيادتي البنك المركزي اليمني في عدن وصنعاء الجارية في الأردن.

وقالت مصادر في صنعاء إن المحادثات الجارية في الأردن برعاية الأمم المتحدة، حول توحيد السياسية النقدية للمركزي اليمني، وصرف كافة رواتب الموظفين وصلت إلى نتائج ايجابية بين الأطراف المتحاورة.

وبحسب العضو في برلمان صنعاء، عبده بشر، فإن اجتماعات بين الحوثيين ومسؤولين عن البنك المركزي اليمني في عدن توصلت إلى نتائج ايجابية، حول توحيد السياسية البنكية وصرف كافة المرتبات.

وأشار إلى أن الأطراف المتحاورة مؤيدة لصرف مرتبات الموظفين، للتخفيف من معاناتهم.

ووفقا لبعض المصادر يجري التفاوض للتوصل الى اتفاق على توحيد السياسة البنكية وصرف المرتبات وتنسيق عودة البنك المركزي الى صنعاء بإدارة محايدة تختارهم الامم المتحدة او عودة ادارة ما قبل 2014.

ولم يصدر عن طرفي المحاورات في الاردن ولا الأمم المتحدة اي شيء رسمي، حول ما سبق ذكره.

وعند التحقق تبين أن الخبر غير صحيح؛ بحسب منصة صدق اليمنية المعنية بكشف الإشاعات والأخبار الكاذبة. وقالت المنصة: "تواصلنا مع محافظ البنك المركزي بعدن، والذي أجاب علينا ما نصه: "نحن في عدن، لم نشارك في اجتماعات".

ومع هذا يرى الصحفي عبدالله السنامي إن صح خبر توحيد البنك في صنعاء وعدن أنَّ الخطة الدولية تتضمن، ابقاء الأمر الواقع وتحويله إلى وضع دائم، من خلال سيطرة كل طرف، مع توحيد الجانب الاقتصادي، لاسيما العملة والبنك المركزي.

وأضاف السنامي، يستلزم ذلك توحيد البنك المركزي اليمني والعملة وحصر إيرادات النفط والغاز في باب يتم من خلاله تمويل المرتبات للقطاع المدني لجميع الموظفين، وما فاض للتعليم والصحة على أن يوزع على جميع الجمهورية، مشيرا إلى أن بقية الإيرادات كل تظل كما هي في الصراع، كل طرف يستفيد ويدير ما تحت سيطرته.

وفي هذا الصدد قال الصحفي محمد الصعر، في تصريح خاص لـ الوفاق نيوز، لم يحدث الاتفاق النهائي، ولكن من خلال تصريحات بعض المسؤولين هناك تقدم في النقاشات بخصوص توحيد السياسة البنكية وتشكيل إدارة موحدة للبنك تختارها الأمم المتحدة وكل ذلك بهدف صرف المرتبات.

واضاف الصعر، الموضوع معقد جداً لكن إن تم فهو إنجاز كبير سيعيد الحياة لأكثر من مليون موظف مدني.

وبين هذا وذاك يأمل اليمنيون شمالا وجنوبا الخروج من هذه الحرب، التي كانت من تداعياتها تجذر الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على كل شيء في اليمن.

عدن الغد - القسم السياسي