التعليم في اليمن يرزح تحت آثار الصراع والحرب المدمرة!

 لا يزال التعليم في اليمن يرزح تحت آثار الصراع والحرب المدمرة، مهدداً بأجيال تفتقد الحد الأدنى من التعليم؛ مما يعني استمرار دورة الفقر، بل وحتى المزيد من العنف.
 
مع حلول موعد العودة إلى المدارس من كل عام في اليمن، يظهر الوجه الأكثر قُبحاً لخسارة التعليم؛ أطفال وشباب يُضطرون إلى ترك الصفوف، شحة في الكتب المدرسية، عدم توفر مواصلات تقل الطلبة أو المعلمين، التعرض إلى خطر الألغام أو القنص، عدم توفر المياه الصالحة للشرب أو دورات المياه المناسبة، وهلم جرّا من التحديات التي يصعب مواجهتها من قِبل المجتمع الفقير المتورط في الصراع.

 يعد الفقر والصراع والافتقار إلى البنية التحتية من التحديات الملازمة للتعليم في الدول الفقيرة والتي تشهد صراعاً بشكل عام. لا تعد تلك تحديات بالنسبة إلى الطلاب وعائلاتهم التي تكافح من أجل البقاء فقط؛ بل أيضاً للمعلمين الذين قد يُضطرون إلى التدريس في فصول مكتظة دون كتب مدرسية كافية أو موارد أخرى. قد يكونون هم أنفسهم عرضة إلى العنف أو التهديد، أو التعامل مع صدمة طلابهم، أو الاضطرار إلى العمل خارج الدوام المدرسي لزيادة الدخل؛ مما يؤثر على أداء وظيفتهم التعليمية.
 
تحديات صعبة

عدم القدرة على تحمل تكاليف التعليم في جميع مستوياته هو أحد أبرز المشكلات التي تواجه الطلاب في اليمن. لا يقتصر الأمر على قدرة العائلات والطلاب فقط؛ بل أيضاً قدرة الدولة نفسها. في بلد فقير كاليمن، وفي قلب حرب وصراع وأزمة سياسية، فإن الدولة لا تملك المال لبناء مدارس أو لدفع رواتب المعلمين.
 
في المناطق الجنوبية من البلاد، يواجه المعلمون مشكلة تأخر رواتبهم غير المجزية أصلاً، أما في المناطق القابعة تحت سيطرة الحوثيين فإن المعلمين نادراً جداً ما يحصلون على رواتبهم، وقد يمر عام كامل -أو أكثر- دون الحصول على فلس واحد.
 
وحتى عندما تكون المدارس متاحة، والمعلمون متاحين في بعض المناطق، فقد لا تتمكن الأُسر الفقيرة من إرسال أطفالها إلى المدارس. بدلاً عن ذلك، تجد الأُسر نفسها مضطرة إلى دفع أبنائها لسوق العمل للحصول على لقمة العيش.
 
الحرب ودمار بعض المدارس مشكلتان أخريان تمنعان التعليم في اليمن.. تسبب  القصف والعنف في تدمير بعض المدارس، كما أجبر الكثير من العائلات على الفرار من منازلها، وتسببت حقول الألغام والقناصة في بعض المناطق - مثل الحديدة وتعز- في جعل الذهاب إلى المدارس مسألة شديدة الخطورة.

 البنية التحتية الضعيفة والمتهالكة في اليمن عموماً -منذ ما قبل الحرب والصراع- تجعل الوصول إلى المدارس مكلفاً وصعباً؛ مما يدفع الكثير من الطلاب للعزوف عن الدراسة، بما في ذلك الدراسة الجامعية.
 
مستقبل مهدد بالخطر

هناك علاقة قوية بين التعليم والفقر والعنف. الأطفال الذين ينشؤون في فقر هم أكثر عرضة إلى انخفاض مستويات التحصيل العلمي. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى صعوبات في الحصول على عمل وكسر حلقة الفقر.

 لقد أثر الصراع والفقر بشكل خاص على الأُسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض في اليمن. يكافح الكثيرون لدفع ثمن الضروريات الأساسية، وبات توفير التعليم الجيد لأطفالهم من الكماليات.

 تعاني المدارس في عموم البلاد نقص التمويل، وتفتقر إلى الموارد الضرورية لتوفير تعليم عالي الجودة. عندما لا يتمكن الأطفال والشباب من الوصول إلى تعليم جيد، فمن غير المرجح أن يصلوا إلى إمكاناتهم الكاملة والمساهمة في الخروج من دائرة الفقر.

يُعد التعليم مسألة حاسمة كذلك لتحقيق السلام والمصالحة. في أوقات الأزمات، يمكن أن يكون التعليم أداة قوية لمساعدة الناس على بناء المهارات والمعرفة التي يحتاجون إليها لحل النزاعات والحكم الرشيد. يمكن أن يساعد الناس أيضاً على فهم وجهات نظر الآخرين وإيجاد أرضية مشتركة. في كثير من الحالات، يمكن أن يؤدي تعطيل التعليم إلى مزيد من العنف.

 الحوثيون يستغلون التعليم

يزداد الأمر سوءاً عندما يُسيَّس التعليم أو يتم استغلاله طائفياً لدعم سياسات وأفكار السلطات القائمة. هذا واضح بشكل خاص في مناطق سيطرة الحوثيين؛ حيث يتم تعديل المناهج الدراسية لتتوافق مع أفكار ومبادئ الجماعة الحوثية، مثل تمجيد العنف تحت ذريعة الجهاد، وإجبار الطلاب على ترديد شعار الصرخة الشهير “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”. 

 تشكل مثل تلك المفاهيم مصدر إزعاج وقلق للكثير من الأُسر؛ التي تخشى أن تدفع التعبئة المتشددة أبناءها إلى الانخراط في صفوف المقاتلين الحوثيين. تجد تلك الأُسر نفسها عاجزة عن تغيير الواقع؛ مما يضيف إليها المزيد من الأعباء والإحباط.

 في تصريح خاص لـ”كيوبوست”، قال أحد الآباء إنه يقوم بإعادة تعليم أبنائه عند عودتهم مشبعين بأفكار الحوثيين، وإنه يعمل بجد لتنقية تلك الأفكار. ويضيف “أقوم بإعادة تعليمهم في المنزل، وتوضيح الخطأ من الصواب لهم. أنا مضطر لإلحاقهم بالمدارس على الرغم من مساوئها؛ فقط للحصول على الشهادة الدراسية”.

 يفرض الحوثيون إتاوات مختلفة على المدارس والطلاب؛ مما يزيد من تكاليف التعليم ويدفع الكثير من الأُسر إلى حرمان أبنائها من التعليم. في أحسن الأحوال، تضطر بعض الأُسر إلى إلحاق الذكور فقط بالتعليم، والاستغناء عن تعليم الإناث على اعتبار أنهن أقل احتياجاً إلى ثمار التعلم، وفقاً لوجهة نظرها.

 مبادرات مهمة

لعقود من الزمن، أسهمت دول المجلس الخليجي في دعم قطاع التعليم في اليمن بشكل لافت، خلال السنوات القليلة الماضية، ويشمل ذلك بناء وإعادة تأهيل مئات المدارس؛ مما يُسهم في تقديم التعليم لآلاف الطلاب في مختلف المناطق. تشمل المساعدات أيضاً تقديم الحقيبة المدرسية وبعض المستلزمات الصحية والأثاث وأجهزة الكمبيوتر للكثير من المدارس.

 وعلى الرغم من كل تلك الجهود؛ فإنها لا تزال عاجزة عن دفع عجلة التعليم إلى الأمام في كل أرجاء اليمن. وما زالت هناك أعداد متزايدة من الطلاب والطالبات تعزف عن الالتحاق بالصفوف الدراسية عاماً بعد آخر.

 لا يُخفى على أحد أن التعليم غالباً ما يأخذ المقعد الخلفي في أوقات الأزمات. مع تضاؤل الموارد وزيادة العنف، تكافح المدارس في البلدان التي مزقتها الحروب لتوفير تعليم جيد لطلابها. 

على أصدقاء اليمن والحكومة اليمنية -وحتى سلطات الأمر الواقع في صنعاء- إدراك أن التعليم الجيد ضروري لتعزيز السلام.

 يمكن أن يساعد التعليمُ الناسَ على تطوير المهارات والمعرفة التي يحتاجون إليها لحل النزاعات سلمياً، كما يمكن أن يعزز التفاهم واحترام حقوق الآخرين؛ وبالتالي يجب مضاعفة الجهود لإيجاد وتطبيق حلول تدفع التعليم إلى الأمام لأبناء اليمن، ويشمل ذلك على سبيل المثال لا الحصر إنشاء مدارس آمنة، وتوفير الرواتب الملائمة، وتدريب المعلمين على أفضل الممارسات، ودعم التعليم عن بُعد.

 المصدر : كيوبوست