الهدنة عززت مكاسب الحوثيين وساهمت في إضعاف الشرعية !

يبدو أن الهدنة الإنسانية في اليمن التي ترعاها الأمم المتحدة خلال الفترة الماضية ساهمت في تحقيق المزيد من المكاسب للحوثيين في مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها، بالإضافة إلى تعزيز سلطتها على الأرض في مناطق سيطرتها، فيما لم يتم تحقيق أي تقدم يذكر للحكومة الشرعية، المعترف بها دوليا، بل وأسهمت في مضاعفة التصدّع والانهيار لبنيتها الشرعية.

وكانت الاستجابة الفورية منذ الأيام الأولى لكافة طلبات الحوثيين المرسومة في بنود اتفاق الهدنة من إعادة فتح مطار صنعاء أمام الرحلات الجوية التجارية، والسماح بدخول المشتقات النفطية والوقود عبر ميناء الحديدة، أهم المكاسب الحوثية التي تحققت على حساب مصالح الحكومة الشرعية، فيما لم تستجب جماعة الحوثي لتنفيذ أي من الطلبات الحكومية المذكورة في اتفاق الهدنة والتي كانت الجماعة وافقت عليها سلفا عند توقيع الاتفاق.

وكان في مقدمة المطالب الحكومية المذكورة في اتفاق الهدنة رفع الحصار الحوثي عن مدينة تعز، وفتح الطرق الرئيسية المؤدية إليها، غير أن جماعة الحوثي أخضعت هذه المطالب الحكومية للمباحثات والتي تعني دخولها في نفق مظلم لن تخرج منه بنتيجة تذكر، غير أنه لم يتحقق من ذلك سوى البنود التي تأتي لصالح الحوثيين فيما لم يتم تنفيذ أي من البنود التي تصب في صالح الحكومة الشرعية.

> الصعيد العسكري وشروط الحوثيين

استغل الحوثيون الهدنة الإنسانية لمضاعفة الاستعدادات العسكرية سواء البشرية أم التقنية، بالآليات العسكرية وغيرها، وهو ما كشفه العرض العسكري الضخم الذي نظمه الحوثيون لوحدات من قواتهم المسلحة في العاصمة صنعاء الأسبوع الماضي، قبيل الموافقة على تمديد الهدنة الإنسانية بيوم.

العرض العسكري الحوثي كان بمثابة رسالة موجهة لمبعوث الأمم المتحدة ولأطراف النزاع المسلح مضمونها بأنهم يتفاوضون من مصدر قوة على بنود الهدنة وأنه لن يتم الموافقة على أي شيء إلا ما يمليه الحوثيون على أطراف النزاع وعلى المبعوث الأممي على حد سواء، خاصة وأن الحوثيين كانوا يصرون على إضافة بنود جديدة لصالحهم كشرط لموافقتهم على تمديد الهدنة لفترة إضافية.

كان مبعوث الأمم المتحدة يطمح إلى تمديدها لفترة ستة أشهر، غير أنه أخفق في اقناع الحوثيين بذلك، واضطر إلى التراجع عن هذا الطموح بالتوصل إلى حل وسط عبر تمديدها لفترة شهرين فقط بشروطها الحالية دون اجراء أي تعديل على بنودها الراهنة.

ومع هذا اشترطت جماعة الحوثي على الحكومة دفع رواتب الموظفين الحكوميين، ورفع القيود عن السفن الواصلة إلى ميناء الحديدة وتوسيع الرحلات الجوية عبر مطار صنعاء الدولي، من أجل تحقيق تقدم في مفاوضات الملف العسكري.

واتهمت اللجنة العسكرية الممثلة للحوثي في المفاوضات مع الحكومة التي ترعاها الأمم المتحدة بالعاصمة الأردنية عمَّان، في بيان نقلته وكالة "سبأ" في نسختها التي تديرها الجماعة، الحكومة باحتجاز سفن الوقود.

ونقل البيان عن رئيس اللجنة يحيى عبدالله الرزامي، القول إنه "لا يمكن التقدم بالجانب العسكري، إلا بعد صرف الرواتب وإدخال السفن وتوسيع الرحلات الجوية".

وأضاف الرزامي "أن من أهم عوامل نجاح أعمال اللجنة العسكرية هو التوصل لآلية واضحة وموثوقة تضمن صرف الرواتب وفتح المطار بشكل عام ومن دون قيود".

ويعتقد أن هذه الهدنة الإنسانية التي ترعاها الأمم المتحدة، تأتي تمهيدا لتسوية الملعب السياسي لكافة أطراف الصراع اليمني للدخول في مباحثات الحلقة الأخيرة في مسلسل إغلاق ملف الحرب في اليمن، وبالتالي قدمت الرياض والحكومة الشرعية تنازلات كبيرة مقابل اقناع الحوثيين على الدخول في الهدنة، كخطوة أولى في مسار جهود احلال السلام ووقف إطلاق النار في البلاد.

> فتح مطار صنعاء

ويبدو ان هناك توافقا تم على إعادة فتح مطار صنعاء بشكل كامل حيث ستغادر الرحلات منه والى عموم العواصم العربية والأجنبية. وقال مسئول حكومي ان هناك تفاهمات بهذا الخصوص من المتوقع ان يتم الاعلان عنها قريبا.

وأشار إلى ان مطار صنعاء سيعاود نشاطه بشكل كامل والى اكثر من اربع وجهات جديدة بينها مصر والهند ودول أخرى.

ولم تحقق الهدنة في جانبها الإنساني أي نتائج تذكر، إلا فيما يتعلق بإتاحة الفرصة أمام المسافرين الحوثيين بالسفر الخارجي عبر مطار صنعاء الذي يقع تحت سيطرتهم، حيث لا يستطيع أي مسافر غير موال للحوثيين من السفر عبر مطار صنعاء، حيث يخشى العديد من الراغبين في السفر خارجيا من السفر عبر مطار صنعاء، نظرا لأن الحوثيين اتخذوا منه بوابة لاختطاف واعتقال من يرونهم مخالفين لهم أو غير مرضي عنهم، وتعجّ قوائم الممنوعين من السفر عبر مطار صنعاء بأسماء الكثير من النشطاء وغير المرغوب بهم.

حيث استغل الحوثيون تشغيل مطار صنعاء للجباية المالية والتجسس على المسافرين أو الراغبين بالسفر، وانتهاك خصوصيتهم، والحصول على بياناتهم الخاصة.

وقالت مصادر في الخطوط اليمنية، إن المليشيات شكلت لجنة تسميها باللجنة الطبية تعمل في مقر الخطوط الجوية اليمنية، ويُطلب من الراغبين بالسفر إجراء لقاءات معها لفحص ملفاتهم وتقاريرهم الطبية، إلا أن المهام الحقيقية لهذه اللجنة لا علاقة له باسمها.

وذكرت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن المهام الحقيقية لهذه اللجنة تجسسية ومالية في الأساس، حيث تعمل على فحص ملفات المسافرين ومراقبة أنشطتهم، ومن ثم تقرر السماح أو عدم السماح لهم بالسفر.

وبحسب المصادر؛ فإن لدى اللجنة قوائم بأسماء الناشطين والإعلاميين والسياسيين ورجال الأعمال والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية وجهات الإغاثة، كما أنها لديها معايير محددة تعمل بموجبها في التعامل مع ملفات الراغبين بالسفر، وتطلب منهم تقديم أوراق ووثائق عديدة تخص أعمالهم وأنشطتهم وحتى علاقاتهم العائلية والشخصية، كما تقرر فرض رسوم على كل راغب في السفر حسب معايير خاصة، حيث رجحت المصادر أن اللجنة ربما تكون إحدى أدوات الجباية لصالح الحوثيين.

ووضع الحوثيون كثيرا من العراقيل أمام المسافرين، ورفعوا أسعار التذاكر عبر مطار صنعاء بنسبة تتجاوز الـ30 في المائة، وهو مبلغ أكبر من كلفة الانتقال من العاصمة إلى مدينتي عدن وسيئون البعيدتين عن سيطرة الحوثيين والإقامة فيهما، حيث يعمل مطارا المدينتين يوميا، دون عراقيل تذكر.

> القربي: فتح مطار صنعاء معالجات مؤقتة

اعتبر وزير الخارجية الأسبق، والقيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، الدكتور ابوبكر القربي أن فتح مطار صنعاء الدولي وتيسير الرحلات منه وإليه تعد معالجات مؤقتة ان لم تعالج جذور الازمة اليمنية باتفاقيات سلام شامل.

وكتب القربي في تغريدة له على حسابه بتويتر "بدء رحلات اليمنية من والى صنعاء خطوة تهيء للسلام وتخفف معاناة اليمنيين".

وأضاف "ولكنها معالجة مؤقتة ما لم تعالج جذور الأزمة باتفاقية سلام شامل ودائم تنهي الحرب وتؤسس لبناء دولة مدنية بدستورها ومؤسساتها وأمنها وتوفر الضمانات لحماية نظامها وسيادتها ووحدتها، وقبل أن يتحول أمل الهدنة إلى سراب".

وما زال أغلب الراغبين بالسفر من صنعاء إلى خارج البلاد يفضلون الذهاب إلى مطاري عدن وسيئون لتقلهم طائرات شركة الخطوط الجوية اليمنية إلى الخارج، رغم إعادة تشغيل مطار صنعاء مع الهدنة الأممية التي جرى تمديدها حديثا، كما أنهم يشترون تذاكر السفر من مكاتب الشركة ووكلائها في صنعاء.

ويشكو كثير من المسافرين من تعرضهم للابتزاز والخداع، ورغم ادعاء منح الأولوية لأصحاب الحالات الصحية الحرجة؛ فإن هؤلاء يجبرون على دفع أضعاف ثمن التذاكر بشكل غير رسمي، وذلك عبر سوق سوداء داخل مقر الشركة.

وتغيب الشفافية في التعامل مع المسافرين وفي الإعلان عن الرحلات وعدد المقاعد المتوفرة على كل رحلة، فالرحلة الأولى القادمة من مطار القاهرة وصل عليها 145 راكباً، وغادرت بـ78 راكباً فقط، رغم أنه تم إبلاغ مئات الراغبين بالسفر بامتلائها، ورغم أن طائرة الرحلة من نوع إيرباص «A320» التي تحمل ما يقارب 180 راكباً.

واعتذر موظفو الخطوط الجوية اليمنية للراغبين في السفر ببيان تم توزيعه ورقيا، وورد فيه أن ما حدث كان بناء على تعليمات من جهات عليا.

> ميناء الحديدة

حققت جماعة الحوثي من خلال هذه الهدنة مكاسب مهولة لم تكن تحلم بها من قبل، وكشف وزير الخارجية في الحكومة الشرعية أحمد عوض بن مبارك أن الحوثيين حققوا عائدات اقتصادية تربو على 100 مليار ريال يمني، من الرسوم الضريبية التي فرضتها على عائدات استيراد الوقود عبر ميناء الحديدة.

كما أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، عن دخول 33 سفينة محملة بنحو مليون طن متري من المشتقات النفطية إلى البلاد عبر ميناء الحديدة، منذ بدء الهدنة بين جماعة الحوثيين ومجلس القيادة الرئاسي.

وقال غروندبرغ خلال إحاطة لمجلس الأمن الدولي: "منذ بدء الهدنة، أُجيز دخول 33 سفينة إلى ميناء الحديدة محمَّلة بقرابة مليون طن متري من مختلف المشتقات النفطية".

وبالتزامن واستئناف الدول الكبرى تحركاتها لضمان تمديد الهدنة في اليمن ستة أشهر إضافية أظهرت بيانات برنامج الغذاء العالمي أن واردات الوفود إلى الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين ارتفعت خلال الأربعة أشهر الأولى من الهدنة بـ160‎‎ % مقارنة بالعام الذي سبقه، كما ارتفعت وزادت المواد الغذائية إلى تلك الموانئ بـ10 %‎، ومع ذلك ارتفعت نسبة الأسر اليمنية التي تفتقد للغذاء الكافي إلى أكثر من 50‎‎ % في هذه المناطق.

وذكر برنامج الغذاء العالمي في تحديث جديد عن الحالة الإنسانية في اليمن أن واردات الوقود عبر موانئ البحر الأحمر ارتفعت بـ160 % في العام الجاري مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق بفضل الهدنة.

ووفق ما أورده، ارتفع إجمالي الواردات الغذائية عبر مينائي الحديدة والصليف الخاضعين لسيطرة الحوثيين خلال الفترة من يناير إلى يوليو بـ10 % مقارنة بالعام الماضي. ولكنه شدد على أن هذه الزيادة لا يمكن أن تعوض انخفاض واردات المواد الغذائية إلى ميناء عدن بـ52 %، حيث ظلت أسعار الغذاء العالمية مرتفعة بـ13 % عما كانت عليه في منتصف العام الماضي، ومع هذا الانخفاض وزيادة الأسعار العالمية انخفض مؤشر «الفاو» لأسعار الغذاء في يوليو بـ9 % على أساس شهري. وقدم البرنامج تبريراً لقيامه بخفض الحصص الغذائية خلال الدورة الرابعة من التوزيع للعام الجاري إلى استمرار النقص في التمويل والمخزونات الغذائية، حيث لا يزال الوصول الاقتصادي إلى الغذاء لليمنيين مقيداً بشدة. فقد زادت تكلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء بـ74 % في مناطق الحكومة وبـ38 % في المناطق الخاضعة للحوثيين على مدى الأشهر الـ12 الأخيرة.

> فتح المعابر والطرق في تعز

استأنف ممثلو الحكومة والحوثيون هذا الأسبوع جولة جديدة من المشاورات حول فتح المعابر والطرق في تعز وغيرها من المحافظات، وذلك بعد تعثر العديد من الجولات والوساطات الدولية منذ سريان اتفاق الهدنة مطلع إبريل الماضي.

وتسعى الأمم المتحدة، مسنودة بجهود أمريكية وأوروبية، إلى توسيع اتفاق الهدنة المعلنة وتمديدها قبل البدء في عملية سياسية شاملة تفضي إلى وقف الحرب في اليمن.

وذكرت مصادر متطابقة، أن جولة المشاورات الجديدة، التي ستنعقد برعاية أممية في العاصمة الأردنية عمّان، ستركز على خروق الهدنة وفتح الطرق.

والخميس الماضي، أعلنت جماعة الحوثي، عن مغادرة وفدها المفاوض برئاسة عبدالله الرزامي، صنعاء إلى العاصمة الأردنية عمان، للانخراط في المشاورات المتعلقة بالهدنة وفتح الطرق.

وقال رئيس الوفد الحكومي المفاوض بشأن طرق تعز، عبدالكريم شيبان: إن «اللجنة العسكرية التابعة للحكومة الشرعية واللجنة العسكرية التابعة لميليشيات الحوثي، ستناقشان هذه القضايا. أما نحن كلجنة خاصة بمشاورات فتح طرق تعز لم نبلّغ بالحضور».

وأوضح أن جماعة الحوثي رافضة فتح أي طريق لمدينة تعز، وأن عملية تمديد الهدنة الأممية الهدف منها تحقيق مكاسب للميليشيات.

وأضاف أن المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، كان واضحاً في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن التي تحدث فيها عن رفض مليشيات الحوثي كافة المقترحات التي قدمها بشأن فتح طرق تعز.

> وزير سابق: مفاوضات الأردن لها أهداف أخرى غير فتح الطرقات

علق وزير الإدارة المحلية السابق عبدالرقيب فتح على المفاوضات الجارية في الأردن بين الحكومة و جماعة الحوثي بشان فتح الطرقات في تعز.

وكتب فتح في تغريدة على تويتر "المفاوضات في الاردن مهمتها وهدفها الرئيسي فتح الطرق بين المحافظات وفي المقدمة تعز المحاصرة منذ 7 سنوات".

واضاف فتح "للمفاوضات مهام اخرى كالخروقات وغيرها كما اعلن رئيس لجنة الشرعية وهذا تكتيك إيراني معروف".

وتساءل فتح "لماذا لا تركز الشرعية وتواظب وتلتزم وتلزم المليشيات الحوثية بمواضيع محددة وتحشد رأيا عاما داعما لذلك؟!".

وكانت المليشيات الحوثية، رفضت أكثر من مقترح للمبعوث الأممي، لفتح الطرق في تعز والمحافظات خلال جولتين سابقتين في عمّان، وقدومه شخصياً إلى صنعاء لإقناع قيادة المليشيات بالمقترح الذي قوبل بالرفض. ومنذ إعلان تمديد الهدنة للمرة الثانية حتى الثاني من أكتوبر المقبل، يعمل المبعوث الأممي، على إقناع الحكومة والحوثيين، بالموافقة على مقترحه الذي رفض سابقاً.

ويتضمن المقترح تمديد الهدنة إلى ستة أشهر، وتوسيع بنودها، ليشمل صرف الرواتب للموظفين المدنيين، واعتماد وجهات جديدة للرحلات الجوية من مطار صنعاء، مع السماح بتدفق كميات أكثر من الوقود إلى ميناء الحديدة.

ماجد الكحلي - عدن الغد