كيف سيحتفى الإصلاحيون بذكرى تأسيس حزبهم وسط تحديات تهدد بزواله؟

يحتفي قطاع واسع من أعضاء حزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن بذكرى تأسيسه الـ32 هذا العام وسط جملة من التحديات التي تهدد بقاء الحزب وهو واحد من اكبر الأحزاب السياسية في اليمن.

حزب التجمع اليمني للإصلاح أحد أكبر الأحزاب المعارضة في اليمن، وتأسس بعد الوحدة بين شطري اليمن يوم 13 سبتمبر 1990 على يد الراحل عبدالله بن حسين الأحمر شيخ قبائل حاشد بصفته تجمعا سياسيا ذا خلفية إسلامية، وامتداداً لفكر الإخوان المسلمين، وتم افتتاح مقره الرئيسي في 3 يناير 1991.

بعد وفاة مؤسس ورئيس الحزب الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر يوم 28 ديسمبر 2007 تم انتخاب محمد عبد الله اليدومي رئيسًا للهيئة العليا للتجمع، ومن الشخصيات البارزة في الحزب الشيخ عبدالمجيد الزنداني.

> رحلة شاقة

يرى كثير من المراقبين أن الإصلاح تحالف فضفاض من العناصر القبلية والدينية أكثر من كونه حزباً سياسياً. وتعود أصوله إلى الجبهة الإسلامية، وهي قوة تابعة للإخوان المسلمين شكلت لمحاربة الجبهة الديمقراطية الوطنية الماركسية، وأعادت الجبهة الإسلامية تجميع صفوفها بعد توحيد اليمن عام 1990 تحت راية حزب الإصلاح.

ورغم تقلص عدد مقاعده بالبرلمان بعد الانتخابات النيابية في أبريل 1997 إلا أن الحزب احتفظ ببعض مواقعه في السلطة واستمر بالتنسيق مع حزب المؤتمر الشعبي العام حتى 2006، حيث قدمت أحزاب اللقاء المشترك ومن ضمنها التجمع اليمني للإصلاح المهندس فيصل بن شملان مرشحًا منافسًا للرئيس علي عبد الله صالح، وازدادت شقة الخلاف بين الحزبين مع انطلاقة الثورة الشبابية اليمنية في فبراير 2011 ضد نظام الرئيس علي عبدالله صالح حيث دعا الحزب جميع أنصاره إلى المشاركة في الاعتصامات حتى إسقاط النظام.

وبعد العام 2011 نجح الحزب ولأول مرة في السيطرة شبه المطلقة على مقاليد الحكم في اليمن ولكن ذلك لم يستمر الا سنوات قليلة وتحديدا حتى العام 2015 حينما نجح انقلاب مسلح قادته حركة الحوثيين في اليمن في الإطاحة بالحزب واخراجه من صنعاء.

ورغم سقوط الحزب في صنعاء الا انه ظل القوة السياسية الأولى المشكلة لتحالف يمني تلقى دعما من دول عربية وخليجية لإسقاط الانقلاب الحوثي.

وتعد صحيفة الصحوة لسان حال الحزب، حيث نجح الإصلاح في الانتقال من المعارضة إلى السلطة بعد فوزه في الانتخابات النيابية في أبريل 1993.

> تراجع الحضور السياسي

منذ اندلاع الحرب في اليمن بات حزب الإصلاح أكبر الأحزاب اليمنية المتضررة منها، حيث نجحت كل الأطراف في قضم مناطق متعددة من سيطرته وتراجعت قدرة الحزب على الحضور على الأرض بشكل كبير وغادر الجزء الأكبر من قياداته ونشطائه الى خارج البلد كما قتل عدد كبير منهم برصاص مسلحين مجهولين في مدن عدة.

ومع خروج المناطق الجنوبية من سيطرة الحوثيين بدا واضحا اندلاع صراع سياسي وعسكري بين الإصلاح وقوى أخرى محلية وأخرى داخل التحالف العربي ذاته، ونجحت القوى المعارضة للحزب في عدة جولات في إلحاق ضرر كبير بالحزب ونجحت في تقليص نفوذه في مناطق كثيرة لصالح القوى الجديدة التي برزت بينها كيانات سياسية مثل المجلس الانتقالي وأخرى تابعة للمؤتمر الشعبي وثالثة تابعة للحوثيين.

وواحدة من أبرز مشاكل الحزب في اليمن انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في بلدان عربية كثيرة بالإضافة الى مشاكله الداخلية مع أحزاب سياسية يمنية متعددة.

ورغم الزخم السياسي الذي ظهر به الحزب خلال احتجاجات 2011 في اليمن والسنوات التي تلتها الا ان الحزب اليوم يمر بأصعب حالاته على الاطلاق.

ويرى مراقبون ان الحضور السياسي للحزب على مستوى اليمن تراجع خلال 8 سنوات بما يتجاوز 82% من قوة وقدرة الحزب ونشاطه خلال السنوات التي سبقت ذلك، كما ان قيادة الحزب حولت الحرب ضد الحوثيين الى حرب ربحية مع بقاء القيادات في الخارج وضعف المواجهة .

ويتهدد الحزب مخاطر كثيرة بينها سعي القوى السياسية التي تصارعه للعمل على اجتثاثه من خارطة الحضور السياسي يقابلها قيادة سياسية للحزب يتهمها أفراده بأنها كرست نشاطها السياسي خلال السنوات الماضية لخدمة مصالحها الشخصية.

ومؤخرا مني الحزب بسيل من الإخفاقات السياسية والعسكرية على الأرض فقطاع واسع من الأراضي التي كانت محسوبة على الحزب استولت عليها قوى سياسية وعسكرية مناهضة له بالإضافة الى أن تسويات سياسية داخل أطراف الحكومة الشرعية ذاتها والتي كان يمثل حزب الإصلاح عمودها الفقري دفعت قوى أخرى مثل المجلس الانتقالي الجنوبي والمؤتمر الشعبي العام لكي يتحولا الى قوى سياسية سيطرت على جزء كبير جدا من هيكل هذه المنظومة.

> مظاهر التناقض

برزت مظاهر التناقض في قيادات حزب الإصلاح مع بداية انقلاب الحوثي حيث برزت مواقفها غير منسجمة مع بعضها، بدأ ذلك بتيار القيادية توكل كرمان التي تتبنى مواقف متناقضة مع مواقف الحزب المعلنة اعلاميا وسياسيا، وصل بها أخيرا إلى الدعوة بوضوح للتخلي عن دول التحالف، وربط الحزب بإيران والتقارب مع الحوثيين، كما وبخت قيادة الحزب في تعز لرفعهم صور محمد بن زايد والملك سلمان واعتبرت ذلك غباء، وعدم إدراك.

في المقابل فإن القيادي الإصلاحي وعضو الكتلة البرلمانية للإصلاح عبدالله أحمد علي العديني، لا يعترف بثورتي سبتمبر وأكتوبر ويعتبرها ثورات لا تتوافق مع فكر جماعة الإخوان المسلمين.

على نفس الموقف يلاحظ بأن هناك قيادات كبيرة لم تعد تنسجم او تؤمن بنهج الحزب وتقدم نقدا لاذعا للحزب مثل البرلماني شوقي القاضي الذي يقدم نقدا منهجيا للحزب ولمواقفهم وقد قال في إحدى مقابلاته المتلفزة أن الزنداني استغل المساجد وشوه الدين الإسلامي الحنيف باستخدامه للتحريض والتحشيد، وانتقد الكثير من مواقف الحزب.

كذلك يجاريه على نفس التيار البرلماني والقيادي الإصلاحي وهيب الدبعي، والقيادية الإصلاحية ألفت الدبعي التي تقدم نقدا يوميا لممارسات قيادات الحزب ولم يخرج عن هذا النقد الاخواني العلماني عصام القيسي والتميمي ودوبلة.

وعلى الصعيد العملي الاعلامي هناك انقسام في المواقف العملية واضحة بين القنوات التي تتبع الإخوان المسلمين, فقناة (سهيل) تتبع سياسة إعلامية تتطابق إلى حد كبير مع إعلام الشرعية, أما اعلام قناة (يمن شباب) وقناة بلقيس فإنه يتطابق إلى حد كبير مع إعلام قطر وقناة الجزيرة, وتوجهات تركيا الإعلامية.

كما أن البعض من القيادات اتخذوا مواقف مناهضة للمركز المقدس للحزب في التقرب من دولة الإمارات، ويبدو أن المسيرات الأخيرة في تعز كانت رسالة من تعز بأنهم أيضا علي استعداد ليكونوا مع الإمارات في توجهها.

مواقف قيادات الإصلاح في المحافظات الجنوبية أيضا لم تعد منسجمة مع مواقف وتوجهات حزب الاصلاح المركزية فقيادة حضرموت ممثلة بصلاح باتيس لم تعد تنفذ سياسة المركز المقدس ولم يعد الاصلاحيون في حضرموت أو في عدن او في المحافظات الجنوبية كلها منسجمين مع توجهات القيادات المركزية, إذ أن كل قيادة محافظة لها توجه خاص وعلاقات خاصة مع قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي مع وجود خلايا عسكرية تنفذ أجندات خارجية داخل المحافظات.

كما أن هناك جماعات ما زالت على علاقة بالحوثيين في صنعاء وفي بعض المحافظات التي تقع تحت سيطرة الحوثيين بقيادة الاصلاحي فتحي العزب ورئيس الكتلة البرلمانية زيد علي الشامي ورئيس الهيئة القضائية محمد عبدالوهاب الأهدل، وهناك آخرون من قيادات الفروع لديهم توجهات تتبنى المشروع الحوثي الايراني.

يرى آخرون بأن ما يبدو من اختلافات وتشظ في المواقف بين قيادات التجمع اليمني للإصلاح, يتم بينهم بتنسيق تام وليس إلا لعب أدوار بينهم, لكن هذه الفرضية لا يوجد ما يؤكدها ويدعمها على الواقع.

ولا يخفى بأن هذا التشظي والاختلاف يعود لجذور تاريخية للحزب, منذ بدأ ممارسة نشاطه قبل الوحدة, وعند تأسيس الحزب بعد الوحدة, فقد نشأ الحزب وترعرع كإخوان مسلمين في كنف السلطة من عام 1978م, وتكون من الايديولوجيين المرتبطين بالتنظيم العالمي للإخوان بقيادة ياسين القباطي والجهاديين بقيادة عبدالمجيد الزنداني والجناح القبلي بقيادة عبدالله بن حسين الأحمر, وضباط الأمن والاستخبارات بقيادة محمد عبدالله اليدومي، وأجنحة الليبراليين والبرجماتيين النفعيين, وبالتالي هذه التجنحات وجدت في الحزب منذ البداية وتشكل قنبلة موقوتة ستبعثر عقد هذا الحزب.

> دعوات الإصلاح

انطلق حزب الإصلاح بمواقفه العملية، وموجها النداء عبر وسائله الإعلامية إلى كل أتباعه أن يحافظوا على مكاسب الشعب من خلال آليات الاصطفاف الوطني، حيث تكرر هذا السلوك الرائد كترجمة عملية لقيم الانتماء الوطني جاعلا منها آليات سلمية تحمي الشعب ومكاسبه أرضا وإنسانا ومقدرات.

> الجدير ذكره أن آليات الاصطفاف والبناء السلمي كثيرة، غير أننا سنذكر أبرزها منذ عام 2011 وحتى عام 2022، وذلك على النحو التالي:

1- المبادرة الخليجية: لقد تكررت دعوة الإصلاح إلى الاصطفاف حول المبادرة الخليجية، ثم تلتها دعوة متكررة شملت الالتفاف حول المبادرة الخليجية، والخطة المزمّنة التي وضعها المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر، ذلك أن الخطة المزمنة تضمنت الكثير من الآليات الهادفة إلى حماية حقوق الشعب بدءا من الشرعية الدستورية والإدارية والاقتصادية والقانونية والحقوقية، فقد كانت بمثابة إعلان دستوري متكامل، حسب تقييم أهل القانون والمهتمين بالسياسة الذين أشادوا بتلك الخطة إشادة عالية.

دعوة حزب الإصلاح إلى الاصطفاف حول ما سبق، استمرت إلى حد الملل، وصولا إلى الخطوة التالية.

2- الدخول في الحوار الوطني: وجه حزب الإصلاح ومعه اللقاء المشترك الدعوة إلى منظمات المجتمع المدني إلى الانخراط في لجنة الحوار الوطني.

3- تغليب الاصطفاف: كانت المليشيا الحوثية الإرهابية قد انخرطت في الحوار لكنها كانت في ذات الوقت تخوض حربا ضد المواطنين في عدد من المناطق.

غير أن حزب الإصلاح ومعه اللقاء المشترك استخدموا كل الوسائل لإقناع أعضاء الحوار الوطني بالاستمرار في الحوار وصولا إلى مخرجات الحوار، مؤكدين للجنة الحوار أن التمسك بسلوك الحوار كفيل بامتصاص تلك الفوضى المليشياوية.

4- مسيرة الاصطفاف الوطني: أطلق الإعلام يومها مصطلح "مسيرة الاصطفاف الوطني"، والتي تم تشكيلها بقيادة شخصيات وطنية من العيار الثقيل، وخرجت مسيرة الاصطفاف الوطني في صنعاء ضمت حشودا هائلة غير مسبوقة.

قدم الإصلاح الدور الأكبر في الدعوة إلى تلك المسيرة، كما أن بقية أحزاب اللقاء المشترك قدموا دورا في تحريك كل شرائح الشعب.

5- اصطفاف تعز: بعد انقلاب المليشيا الإرهابية على الشرعية الدستورية يوم 21 سبتمبر المشؤوم، اجتاحت المليشيا الانقلابية عددا من المحافظات ووصلت إلى تعز، فتحرك حزب الإصلاح ومعه اللقاء المشترك في أوساط الجماهير موجهين الدعوة إلى منظمات المجتمع المدني ومنظمات المرأة وكل شرائح المجتمع، تحت شعار "الحفاظ على مدنية تعز"، فاندفعت الجماهير بقيادة منظمات المجتمع المدني، كما تم تشكيل منظمات مجتمع مدني جديدة وتكتلات ومنتديات، فقدمت تعز لوحة اصطفاف وطني في أقوى صورها – مَسِيرات ووقفات احتجاج، ومنتديات وندوات، وحضور مقايل الوجاهات والعقلاء، وحضور مقايل مشرفي المليشيا... إلخ.

6- منظمة (مد): في 11 أكتوبر دعا حزب الإصلاح ومعه اللقاء المشترك أبناء تعز إلى خروج مسيرة بقيادة فريق شاب من كل ألوان الطيف تحت شعار منظمة (مد)، والمعنى هو: حرف "م" يرمز إلى "مواطن"، وحرف "د" يعني "دولة".

الجدير ذكره أن تلكم المسيرة لم تشهد مدينة تعز مثيلا لها من قبل لأسباب متعددة منها أن عددا غير قليل من المواطنين تذكروا اغتيال الرئيس الحمدي، رحمه الله، فبادروا بالإعلان في الساحة والشوارع وعبر وسائط النت، فكانت مقدمة المسيرة أمام مدرسة الشعب وآخرها أمام بنك الإنشاء والتعمير في شارع جمال.

7- اصطفاف تعز مستمر: استمر حزب الإصلاح ومعه اللقاء المشترك وكذلك منظمات المجتمع المدني وفريق من الشباب، شكلوا لجنة بقيادة الشهيد صادق منصور الحيدري، الأمين العام المساعد لحزب الإصلاح بتعز، وحددت اللجنة هدفا واحدا هو الحوار مع مشرفي المليشيا والسلطة المحلية وقيادات الوحدات العسكرية بتعز وقيادات المؤتمر.

8- مع مجلس الرئاسة القيادي: تجلى موقف حزب الإصلاح من اللحظات الأولى لقيام مجلس القيادة الرئاسي مباركا المجلس الجديد، وشاكرا المؤسسة السالفة، وداعيا الشعب إلى الالتفاف حول المجلس بهدف إخراج الوطن من أزمة الحرب القذرة، مؤكدا للمرة الألف دعوته إلى تنفيذ اتفاق الرياض.

9- جدد الإصلاح مباركته عبر دائرة الإعلام للحزب، داعيا الشعب اليمني إلى الالتفاف حول المجلس الرئاسي حتى يتمكن المجلس من تنفيذ مهامه بدءا من هيكلة الجيش ووضع حد للحرب العبثية بالطريق التي يراها المجلس سياسيا أو عسكريا، تنفيذا لاتفاق الرياض.

 ومؤخراً  قدم حزب الإصلاح خطاباً سياسياً متزناً تجاه شريكه السابق وعدوه اللدود اللاحق حزب المؤتمر الشعبي العام والذي أطاح به حزب الإصلاح من سدة الحكم في 2011م ، ودعت قيادات في الإصلاح الى سرعة اجراء مصالحة سياسية مع المؤتمر الشعبي العام ورأت هذه القيادات ان هذه المصالحة السياسية قد تجنب الحزب ضرراً سياسياً متوقعاً وكبيراً .

ورغم هذه الدعوات الا ان المصالحة على الأرض لايبدو انها تسير في الطريق الصحيح، فالمؤتمر ذاته بات منقسماً على نفسه بالإضافة الى ان الأحقاد الشخصية التي تحرك بعض قيادات حزب الإصلاح ضد قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام لاتزال قائمة .

وفي نهاية المطاف لاقت ذكرى التأسيس تفاعلاً كبيراً من سياسيين، وأكاديميين، ونشطاء وإعلاميين، ممن أشادوا بتجربة الإصلاح، وممن عارضوه وبدوره الذي لا يمكن إغفاله في الحياة السياسية اليمنية، إضافة إلى أدواره المفصلية في قضايا مهمة، منها مقاومة الانقلاب الحوثي، الذي يسعى إلى تغيير بوصلة اليمنيين عن الجمهورية، وأهداف الثورتين الخالدتين، 26 سبتمبر و14 أكتوبر.

 عدن الغد - القسم السياسي