السلع المنتهية الصلاحية والأدوية المغشوشة .. حرب من نوع آخر!

تمتلئ أسواق العاصمة صنعاء وأسواق المحافظات اليمنية الأخري بالمواد الغذائية منتهية الصلاحية والفاسدة؛ وبرغم أن الأجهزة الرقابية تعلن باستمرار عن ضبط كميات منها في المخازن والأسواق وإتلافها وإحالة المسؤولين عنها إلى المحاسبة؛ فإن الأمر تحول إلى مصدر إثراء يستفيد منه المسؤلين والسلطة، إما بالابتزاز، وإما بمصادرة المواد المنتهية الصلاحية وبيعها.

كانت المواد الغذائية المنتهية الصلاحية سابقاً تُباع في الأسواق على الأرصفة أو على متن عربات وضمن مواد غذائية صالحة للاستهلاك، إلا أنها أصبحت مؤخراً؛ تباع في محلات كبيرة وبدون رقابة حقيقية، رغم إعلان الجهات الرقابية عن ضبط كميات كبيرة منها بشكل دائم.

أسباب متعددة لانتشار المواد الغذائية المنتهية الصلاحية في الأسواق بهذا الشكل، منها أن حركة الحوثي حوّلتها إلى أحد مصادر إثرائها، من خلال ابتزاز التجار ومصادرة كميات كبيرة من محتويات محلاتهم ومخازنهم، حتى إن كانت غير منتهية، وتهديدهم بإغلاق محلاتهم ومحاسبتهم.

ومن ناحية أخرى؛ تنعدم النزاهة لدى العديد من التجار ورجال الأعمال، وكثير منهم يسعون إلى تعويض خسائرهم بسبب الجبايات والإتاوات التي تفرضها الحركة عليهم، ببيع المواد المنتهية الصلاحية بدلاً من التخلص منها أو إتلافها.

إقبال المواطنين على شرائها من دون محاذير، برغم علمهم بانتهاء صلاحيتها، يرجع إلى توافرها بأسعار أقل بكثير من أسعارها خلال فترة الصلاحية، خصوصاً أن الكثير منها ذات جودة عالية وتتبع علامات ومنتجات مشهورة، وهو ما يعزز من الإغراءات بشرائها، مع نشر أوهام أن جودة هذه المنتجات تمنع انتهاء صلاحيتها.

إلا أنه، وبافتراض أن جودة هذه المنتجات توفر حماية من أضرار انتهاء صلاحيتها؛ فإن الكثير منها مقلدة، وتحدث عمليات التقليد داخل معامل معدة لهذا الغرض في العاصمة صنعاء.

الأسبوع الماضي أعلنت وسائل إعلام في صنعاء عن ضبط مؤسسة تجارية كانت تُخزن المواد الغذائية المنتهية الصلاحية قبل أن تعيد تدويرها في معامل خاصة بالعاصمة صنعاء، وتم إلقاء القبض على مالكها بمعية أطنان من المواد الغذائية المنتهية الصلاحية في خمسة مستودعات ومعامل.

وذكرت وزارة التجارة والصناعة في صنعاء أن «المواد الغذائية المنتهية والمُعاد تدويرها في السوق المحلية تحمل أسماء 15 شركة وهمية دولية ومحلية وقرابة 40 علامة تجارية مقلدة»، في حين قالت هيئة المواصفات والمقاييس أيضاً إن المؤسسة التجارية المضبوطة تستخدم مواد كيميائية متعددة لإعادة إنتاج المواد المنتهية الصلاحية.

ويرى مراقبون أن تسويق المواد المنتهية الصلاحية يجري في أسواق الأحياء الفقيرة، حيث تتدنى نسبة الوعي بمخاطر هذه المواد، بل إن الغالبية يشترونها دون معرفة بمدة صلاحيتها، أو عدم اهتمام أو اكتراث بذلك، وما يزيد من مخاطر هذه المواد أنها تعرض تحت أشعة الشمس المباشرة وتتعرض لظروف تخزين سيئة.

ويذهب مصدر في وزارة التجارة والصناعة إلى أن السلع الغذائية المنتهية الصلاحية تملأ الأسواق فعلاً، وهناك تحايل لا تخطئه العين كما يقول، بل إن الجهات المسؤولة عن الرقابة، تمارس الابتزاز ضد التجار، وتحصل منهم على الأموال مقابل تغاضيها عن بيع هذه السلع في وضح النهار.

ويؤكد المصدر، أن هناك شركات وتجاراً يتبعون الحركة ويوالونها، ويعرف الجميع مخالفاتهم التي ترقى إلى مستوى الإجرام بحق المستهلكين وصحتهم وسلامتهم، ولا يجرؤ أحد على مساءلتهم أو حتى الحديث عنهم.

كما إن العديد من هؤلاء التجار يخزنون مواد سمية قاتلة في مخازنهم إلى جوار المواد الغذائية، ومن تلك المواد المبيدات الحشرية المحرمة والممنوع تداولها حول العالم؛ لكنها تلقى رواجاً في اليمن، بل وتخزن إلى جوار المواد الغذائية في مخازن تجار كبار في صنعاء.

كما يتم توزيع الكثير من المواد المنتهية الصلاحية كمساعدات ضمن برامج المساعدات الإغاثية التي تقدمها الحركة لتجميل صورتها، وغالباً ما تتم مبادلة المواد المنتهية بالمساعدات الإغاثية التي تقدمها دول وجهات خارجية.

الأدوية المغشوشة والمتاجرة بآلام الفقراء ... حرب من نوع آخر !

وفي سياق متصل لا يموت اليمنيون من صواريخ وقذائف وألغام الحرب فحسب، فهناك آلة أخرى تحصد أرواحهم، وهي الغش الدوائي من جهة وغلاء أسعار الأدوية من جهة أخرى.

ولو تركنا غلاء أسعار الأدوية جانبا وأخذنا في البداية الغش الدوائي كونه أخطر على حياة الناس، فقد كشف مدير إدارة الصيدلة بمكتب الصحة في عدن عن قيام إحدى الشركات الدوائية في مدينة عدن باستيراد علاج وبيعه على أنه لشركة بريطانية بينما هو بالأساس لشركة أخرى غير مسجلة في الهيئة العليا للأدوية.

وأكد الدكتور مروان الشرجبي، وهو مدير إدارة الصيدلة بمكتب صحة عدن في تصريحه: "إن الشركة استوردت دواء (clopidegel 75mg) وهو علاج يستخدم بعد القسطرات القلبية، بالإضافة الى صنف Amilodipin وبيعه من قبل الشركة على أنه لشركة بريطانية ALMUD وفي الحقيقة أنه يتبع شركة أخرى غير مسجلة بالهيئة العليا للأدوية".

وأكد الشرجبي أن مثل هذا الإجراء يعتبر انتهاكا لمعايير الفحص الفيزيائي لتطابق الشكل والحجم والنوع والباكت والشركة، وهو مخالف كذلك للشروط الكيميائية والفارماكولجي والميكروبيولوجي لتطابق الدواء.

وأشار إلى أن دواء clopidegel 75mg والمهم استخدامه بعد عمليات القسطرة القلبية لمنع حدوث أي انسداد أو تجلط وكذلك Amilodipin والمهم لعلاج ارتفاع ضغط الدم قامت الشركة بخداع الأطباء والمرضى وبيعَ للمواطن بسعر الدواء البريطاني بمبلغ 13000 في حين أن سعره الحقيقي لا يتجاوز 7000 ريال.

وأكد مواطنون أنه ليس ارتفاع أسعار الأدوية ما يؤرِّقهم، بل إنّ الغش التجاري الذي يُمارس في الصيدليات المرخصة وغير المرخصة- وهو ما أكده الشرجبي- والذي أصبح كابوسًا يلاحق صحتهم، إذ يتحايل بعض الصيادلة على المرضى من خلال إيهامهم أنّهم يبيعون لهم دواء معينا بسعر رخيص، بينما يقوم الصيدلي المتحايل بإنقاص كمية الدواء دون تنبيه المريض، وبالتالي يتسبّب ذلك في التأثير على فاعلية استجابة العلاج لدى المريض.

ورأى أطباء وصيادلة أن الحكومة غير جادة في محاربة الغش الدوائي "لأن من يغشون لهم علاقات مع بعض هوامير السلطة"، مؤكدين أنه لو أن هناك محاسبة بحسب القانون لما تجرأ أعوان إبليس على العبث بحياة الناس!.

كما أن تفشي ظاهرة الغش التجاري في اليمن تعود إلى ضعف الدور الرقابي وحدوث عمليات التهريب بشكل واسع عبر مختلف المنافذ.

وأكد متابعون بأن الجهود الحالية المبذولة في مكافحة الغش الدوائي من قبل الجهات المعنية غير كافية في ردع التجار (أعوان إبليس) من تكرار الغش التجاري، كما أن العقوبات والجزاءات التي تطبقها النيابات والمحاكم- إن تمت- لا تتناسب مع هذه الجريمة.

ومنذ بَدء الحرب في العام 2015 حتى وقتنا الراهن، ارتفعت أسعار الأدوية تدريجيًّا حتى وصلت لأرقام قياسية، فقد ارتفعت أسعار أدوية مرضى الضغط والسكر لثلاثة أضعاف، بسبب ارتفاع سعر الدولار، فدواء الضغط المسمى بـ"كانزار إتش" كان يباع الباكت منه في 2014 بـ1500 ريال، وأصبح اليوم يباع بنحو 4500 ريال، كما أنّ سعر الأنسولين، وهو الدواء المخصص لمرضى السكر، ارتفع ثمن بيعه إلى نحو 4000 ريال، بدلًا من سعره المباع في 2014 بـ1700 ريال، إضافة إلى ارتفاع أدوية مرضى الفشل الكلوي والكبد والسرطان وأدوية الأمراض المزمنة.

وأشار مراقبون إلى أن قطاع الأدوية يشهد فوضى عارمة في مسألة تسعيرة الدواء، إذ تكاد الرقابة تكون منعدمة هناك.. مؤكدين أن ملاك الصيدليات أصبحوا يبيعون الأدوية البديلة عن الأدوية الأصلية بالسعر ذاته الذي تباع فيه الأدوية الأصلية، وذلك دون علم المستهلك.

في عام 1999، صدر القرار الجمهوري رقم 231، بشأن إعادة تنظيم الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية، وقد حدّدت المادة الرابعة مهامها واختصاصها؛ إذ نصّت الفقرة الثامنة على تحديد وإصدار التسعيرة الدوائية ومراقبة تطبيقها واتخاذ الإجراءات القانونية عند المخالفة.