أنشطة متعثرة وسط ممارسات وابتزاز أطراف الصراع

يعاني اليمن من أزمة حادة تُلقي بتبعات قاتمة على الأوضاع المعيشية والإنسانية، بسبب الانسداد الحاصل في توليد فرص العمل التي وصلت إلى مرحلة حرجة مع تمدد خطير للبطالة، وتوسّع الفجوة الحاصلة بين مخرجات التعليم وسوق العمل.

ووصلت معدلات التشغيل في القطاعات الاقتصادية إلى أدنى مستوياتها خلال العام الحالي 2022، مع تقدير وصولها إلى نحو 12% من 13.5% في 2020، بينما كانت حوالي 32% عام 2014.

وتسببت ممارسات أطراف الصراع كالابتزاز، وانتشار المظاهر المسلحة، في تعثر وتوقف العديد من الأنشطة الاقتصادية والمشاريع الاستثمارية، وتكبّدها خسائر فادحة، وما نتج عن ذلك من تسريح للعمال، وتوسّع مستويات البطالة والفقر.

وتسبب التهاوي الحاصل في معدلات التشغيل في انزلاق مزيد من السكان تحت خط الفقر لتصل نسبتهم إلى أكثر من 80%، وفق البيانات الرسمية، ما يفاقم من حدة الأزمة الانسانية التي يشهدها البلد. واستشعرت الحكومة اليمنية في عدن خطورة هذه الوضعية، لتسارع كما تظهر وثائق صادرة عن رئيس الوزراء، بناءً على توجيهات أعضاء في مجلس القيادة الرئاسي، إلى التوصية بتوظيف ما يقارب 10 آلاف شخص في المرافق والأجهزة والمؤسسات العامة.

بالمقابل فإن مثل هذه التوجيهات عبارة عن مسكنات، إذ إن تراجع معدلات التشغيل يتطلب رؤية شاملة، وتسخير معظم الموارد المتاحة للاستثمار، وتطوير قطاعات الأعمال الاقتصادية التشغيلية، حيث أن سلطات الأمر الواقع ساهمت في خلق بيئة طاردة للمستثمر الوطني والأجنبي، وغلق الآلاف من المشاريع الاستثمارية.

ويشهد اليمن تدنياً كبيراً في فرص التوظيف الحكومي، وكذا محدودية الأعمال التي يوفرها القطاع الخاص، حيث تراجع معدل نمو الفرص المتاحة في الخدمة المدنية إلى أدنى مستوى له طوال سنوات الحرب، إضافة إلى أزمة الانخفاض المزمنة التي كان يعاني منها اليمن قبل الحرب بمعدل 5% سنوياً.

ومثلت مؤسسات الدولة المختلفة سابقاً الموظف الأول والمستوعب الرئيسي في عملية التشغيل، وجرى استيعاب أعداد هائلة من الموظفين في جهاز الخدمة المدنية الذي عانى نتيجة لذلك من مظاهر العمالة الفائضة والوهمية والمزدوجة.

وبحسب قاعدة بيانات سوق العمل، فإن النسبة الأكبر من المشتغلين في البلاد من فئة الشباب، على وجه التحديد هم من الموظفين لدى الغير بنسبة 50% من إجمالي العاملين من الفئة نفسها، فيما يعمل نحو 27% منهم في الإطار المحلي الأسري، أي إنها عمالة غير منتظمة، ويتركز معظمها في القطاع الزراعي.

ويُرجع ذلك إلى الانقسام الحاصل في سلطات الحكم في البلاد، وصعوبات استيراد مستلزمات الإنتاج، وارتفاع تكاليفها، والتقطعات الحاصلة في الطرقات، وفرض الغرامات على المنافذ، واضطراب سعر صرف العملة المحلية، إضافة إلى الأزمات المعيشية وتسبّبها في ضعف القدرات الشرائية للمواطنين.

وتعاني معظم المدن والمناطق اليمنية من غلاء فاحش وتردٍ كبير في الخدمات العامة، وتفشٍ واسع للفقر والجوع، وسط تضاؤل قدرات اليمنيين على التحمل، مع فقدان مصادر الدخل المتاحة، وما توفر يلتهمه التضخم وإيجارات المساكن، إذ أصبح حوالي 85% من اليمنيين يفتقدون للأمان الاجتماعي والاقتصادي، بسبب فقدان مختلف فرص الحياة المعيشية.

وفي الوقت الذي اقتصرت فيه الأعمال المتوفرة، خلال السنوات الماضية، على بعض قطاعات الأعمال المحدودة، كقطاع المطاعم، والبناء، والعقارات، وبعض الأعمال المهنية الأخرى، التي تعد بمثابة أعمال شاقة ومضنية بأجور ضئيلة، تستمر معاناة اليمن من توسع العمالة غير المنظمة، وبروز ظاهرة الاستغلال وهدر الحقوق.